باحث كنسي: زيارة المقابر في العيد أمر ليس إنجيلياً
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بفترة وأيام الخماسين المقدسة بعد الاحتفال بعيد القيامة المجيد.
وقال الباحث في الطقس الكنسي شريف برسوم لـ”الدستور” إن البعض ينتظر الأعياد لزيارة الأقارب الراحلين في المقابر، وهو ما لا يعد أمراً إنجيلياً، لأن الكنيسة وعلى الرغم من أنها ترى أن الجسد مكرم لأنه من صنع الله، إلا إنه أولاً وأخيراً يشتهي ضد الروح التي لها البقاء والخلود والتي تسعى لبلوغ النصيب الصالح في السماء، فحينما تغادر روح الجسد فالجسد هنا يصبح كالبذلة التي خلعها صاحبها لا قيمة لها بدونه.
وأوضح أن ذلك لا يعني أن الكنيسة لا تصلي لأجل الراحلين بل هي تخصص القداس الثاني يوم البرامون أو ليلة العيد لأجل ذكر اسم الراحلين والصلاة من أجلهم بل وتذكرهم كل قداس.
وبخصوص الصلاة على الراحلين، أدلى الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران الغربية وطنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث الرسمي للكنيسة في مصر، بتصريح صحفي، حول تفسير النص الإنجيلي (رؤ 11:20-13).
وقال الأنبا نيقولا أنطونيو، الوكيل البطريركي للشؤون العربية، في بيان رسمي، عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: في الآية (11) بقول يوحنا: “ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشًا عَظِيمًا يَلْمَعَ بَيَاضًا وَالْجَالِسَ، عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ. وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ”.
في هذه الآية توجد صورة بهية مجيدة تتناسب مع عظمة ونقاوة وطهارة الجالس على العرش، الذي هو المسيح الآتي للدينونة. وهذه الصورة ظهر بها أيضًا يسوع المسيح في حادثة تجليه على الجبل، بقول متى الإنجيلي: “وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ لاَمِعَةَ كَالنُّورِ” (مت 2:17).
قول يوحنا عن المسيح الجالس على العرش: “الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ”. قوله “وَجْهُهُ”، هو كناية عن الحضور الإلهي. هذا القول ليوحنا لا يعني اختفاء الأرض والسماء وزوال العالم، بل يعني تجديد الأرض والسماء؛ لأنه كما أن الهروب هو انتقال من موضع إلى آخر أو من حالة إلى أخرى، هكذا سُمي التجديد هروبًا. وهذا يشير إلى النهاية، بمعنى أن الجالس على العرش قد جلس للقضاء، أي للدينونة، والديان هو يسوع المسيح ابن الإنسان. فالدينونة تتم من الآب بالابن، بمعنى أن الأموات سيقفون في حضرة الله الآب ليدانوا من ابن الإنسان.
وقوله عن السماء والأرض: “وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ”. يعني أنه لن يكون لهما هروب أو تجديد آخر؛ لأن الله حاضر للدينونة وعلى الخليقة أن تتحرر من رباط الفساد، أما الدينونة نفسها فهي للبشر.
في الآية (12) يُبيِّن يوحنا حال البشر، بقوله: “وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ، صِغَارًا وَكِبَارًا. وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ، الَّذِي هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ، بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ”.
في قول يوحنا: “وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ، صِغَارًا وَكِبَارًا”. “الأَمْوَاتُ” هم البشر جميعًا الأموات منذ بداية الحياة، الصالحين والطالحين. و”صغارًا وكبارًا” يشير إلى جميع البشر سواء من ناحية العمر السِّنِّي، أو من ناحية الوضع الاجتماعي، أو من ناحية الوضع المالي، أو من ناحية الوضع تجاه الله، أي البعد أو القرب من الله.
وقوله عن الأموات: “وَاقِفِينَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ”. هذه الأسفار هي أسفار أعمال البشر الأموات، فالأموات سيدانون ليس فقط بحسب إيمانهم بل أيضًا بحسب أعمالهم، ليست فقط الخارجية بل كذلك بما هو مخفي في قلوبهم وضمائرهم وغير المعلوم لغيرهم من البشر لكنه معلوم أمام الله، وهذا القول ليوحنا هنا يَدحض القول إن الخلاص بالإيمان فقط، كما يقول البروتستانت.
وقول: “وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ، الَّذِي هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ، بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ”. يوضح أن الدينونة تتوقف على الشخص نفسه بشخصه “بحسب أعماله” المعروفة لله، وليس باختيار الله لأشخاصٍ بعينهم دون غيرهم. وهذا دلالة على عدل الله في عقابه للأشرار وثوابه للأبرار.
في الآية (13) يقول يوحنا: “وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ وَسَلَّمَ الْمَوْتُ والْجَحِيمَ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا”.
قوله: “وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ”. هذا يوضح أن جميع ماتوا في البحر والذين أكلتهم الوحوش والذين فُنوا بالحريق وجميع البشر الذين ماتوا منذ بدء الخليقة كل هؤلاء ستعود أجسادهم إلى عناصرها وتتركب وتقوم.
وقوله: “وَسَلَّمَ الْمَوْتُ والْجَحِيمَ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا”، وهذا يشير إلى الصالحين والطالحين الـذين في انتظـار الدينونة العامة ولا يعرفون حكم الله فيهم، ونفوسهم في موت الخوف وجحيم القلق. لهذا نظمت الكنيسة الصلوات من أجل الموتى لراحة نفوسهم. هذا القول ليوحنا هنا يؤكد ويشير إلى الدينونة العامة.