عشية الاحتفال برأس السنة الأمازيغية للعام الأمازيغي 2971 أو ما يعرف بـ»عيد يناير»، قررت ولاية تيزي وزو بالجزائر، تكريم الشخصية التاريخية «الملك شيشناق» من خلال نصب تمثال له بطول 4.4 متر، وسط المدينة.
وقد أثار هذا التمثال الذي صممه النحاتان الجزائريان حميد فردي وسمير سالمي على هيئة رجل فرعوني قوي البنية، جدلا كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، وبمجرد انتشار صور التمثال فتحت أبواب النقاش حول حكايات ضاربة في أعماق التاريخ.
مصري من أصل بربري
وقال فردي لـ»سكاي نيوز عربية» :»إنجاز هذا التمثال احتاج 5 أشهر من العمل المتواصل، وهو مصنوع من مادة الإرزين، والفكرة مقترحة من طرف ولاية تيزي وزو التي كانت تريد تخليد ذكرى يناير لهذه السنة بحدث كبير في المدينة».
وأكد الفنان أنه عمل بمرافقة توجيهات المؤرخين الذين رافقوا العملية الفنية، التي تحكي جانبا من التاريخ الأمازيغي.
وعن الشخصية وتاريخها قال حميد: «شيشناق مصري من أصل بربري، وهذا الأمر لا خلاف عليه، وقد قدم لنا المؤرخون صورا للقناع الفرعوني الأصلي الذي كان يرتديه، وأنا فنان وأتمنى أن يحكم الناس على العمل من الناحية الفنية».
ويرى الناشط الثقافي الجزائري عزيز حمدي أن هذا الجدل متوقع نظرا لعدم وجود الكثير من الأبحاث التاريخية في أصل شيشناق، كما أن نصب التمثال جاء من دون تقديم توضيحات للرأي العام.
وقال حمدي لـ»سكاي نيوز عربية»: «هناك إجماع على أن شيشناق مصري ولديه أصول جزائرية، وهناك من يركز على هذه الزاوية لإثارة جدل عقيم».
وأوضح الناشط أن شيشناق «امتداد لتاريخ الأمازيغ، وسواء كانت حكايته أسطورة أو حقيقة فهو ميراث مهم»، وضرب الناشط الثقافي المثل بعشرات التماثيل المتواجدة في اليونان وعدة دول، التي تحكي جانبا من التاريخ المتوارث، سواء كان شفهيا أو حقيقيا.
بداية الروزنامة الأمازيغية
وعكست التعليقات المنتشرة على صفحات «فيسبوك» ذلك الخلط الذي أشار إليه الناشط الثقافي، حيث ركزت التفاعلات حول سؤال: هل شيشناق جزائري أم مصري؟ ولماذا يتم نصب التمثال في مدينة تيزي وزو بالذات؟
وقد تبنى موجة الجدل عدد من المؤرخين الجزائريين، والمعارضين لفكرة اعتماد قصة الملك الأمازيغي مع رمسيس الثاني لوضع الروزنامة الأمازيغية.
ومن بين أبرز المؤرخين الجزائريين الذين عبروا عن اعتراضهم لتلك الفكرة، المؤرخ الجزائري محمد بلغيث الذي قال: «هذا الرجل ليبي ومصري ألف بالمئة، وقد انقلب على رمسيس الثاني وأسس الأسرة رقم 21، ولا يمكن لحكاية فرد واحد أن تعتمد لتأريخ الإنسانية كاملة».
ويعتبر الكاتب الجزائري الراحل عمار نقادي أول من وضع الروزنامة الأمازيغية الجديدة، التي اعتمدتها الجزائر لتحديد هذا اليوم عيدا وطنيا، وهو يوم 12 يناير الذي اعتبر بدء السنة الفلاحية لتزامنه مع اعتلاء الملك الأمازيغي «الليبي» شيشناق عرش الفرعونية المصرية عام 950 قبل الميلاد، بحسب بعض الروايات التاريخية.
وتعتبر سنة 1980 تاريخ إعداد أول مفكرة أمازيغية في الجزائر، وقد نشرتها مجلة «أستغن» في ذلك الوقت، وهي تحمل صورة الرجل «التارقي» وكتبت بأحرف التيفيناغ.
جدل قديم
وقال الباحث الجزائري بوزيد بومدين لـ»سكاي نيوز عربية»: «مثل هذه العادات والتقاليد حين يتم توظيفها سياسيا أو ثقافيا كانتماء عرقي، يلحق بالميراث الاجتماعي للأمة ضرر ويكون التأويل تعسفيا. ويناير من الرمزيات التاريخية التي يحاول البعض إخراجها عن السياقات التاريخية والحضارية».
ويفسر الباحث وأستاذ علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، مثل هذه الأمواج من الجدل التي تطفو بين الحين والآخر، قائلا: «هناك قوى فكرية تستفز العمق الأنثروبولوجي للمجتمع، وهي تيارات لا تختلف عن الدور الذي يحاول أن يلعبه اليمين المتطرف في فرنسا، التي تدافع عن النقاء الثقافي وتحارب التنوع».
وأضاف جابي لـ»سكاي نيوز عربية»: «لا يوجد مجتمع متجانس مئة بالمئة، والتنوع عامل قوى للشعوب، وتمثال شيشناق يعكس التاريخ الواحد لدول شمال إفريقيا والتبادل الثقافي بينها، وخير دليل على ذلك وجود أمازيغيي سيوة في مصر الذين حافظوا على هويتهم رغم مرور الزمن».