تزامنا مع فترة أسبوع الآلام من الصوم الكبير سوف نطرح اليوم قضية جدلية “تسليم قيافا رئيس الكهنة للرب يسوع”، فقد يرى البعض ان قيافا أحب أمته، ولهذا رأى أن الحكمة تقضي منه تسليم الرب يسوع للرومان حفاظًا على وطنه وأهله.. فلماذا يعتبره الكثيرون مجرمًا في حق الرب يسوع، مع أن السماء قد أعلنت له أن موت الرب يسوع سيكون خير للأمة كلها؟.. هل يستحق الدينونة على حبه لأمته؟.
والبعض الأخر يرى ان قيافا ضل الطريق وخاف على منصبه بعد ان شهد ان شعبية الرب يسوع تزداد يوما بعد يوما، وأدرك ان محبة الناس للرب يسوع سوف تنقلب ضده .. واعتبر العديد إنه خائن مثل يهوذا؟ .. فيجب ان يحاسب من العدالة السماوية على فعلته.
وقد شهادة يوحنا البشير: ” فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!».
وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ”(يو11: 49-52 ).
وحتى نحاول حسم الأمر وندرك الحقيقة توجهت محررة موقع جريدة “وطنى” إلى مسئولي الكنيسة حتى يشرحوا لنا كيف تم الأمر..
ــ مشورة شريرة أساسها كذب وضلال
قال القمص يوسف ذكى كاهن كنيسة مارجرجس بسيدي بشر: نحن نتكلم عن حدث كبير و قد يتخيل البعض أن قيافا أشار بمشورة جيدة تتفق مع مشيئة الله؛ أي أنه كان مهتمًا بفداء الرب يسوع، وخلاصة للبشر، لكن قيافا لم يكن مهتما بأمر خلاص الناس على الإطلاق، ولم يقصد فداء الرب للأمة بقوله: “أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!”(يو 11 :49-50).
لقد كان مهتما فقط بالتخلص من الرب يسوع، وقد برر شره بتبني الادعاء القائل: إن الرومان سيأتون (بسبب شعبية الرب)، ويأخذون أمتنا (أمة اليهود).
ولكن ذلك الافتراض لم يكن يعبر عن الحقيقة، لأن الرب لم يكن ينوي الثورة على قيصر .. بل بالعكس قد علم الرب بإعطاء ما لله لله، وما لقيصر لقيصر.. إن السبب الحقيقي وراء تلك المشورة الرديئة هو غيرة، وحقد وعجرفة قيافا، الذي لم يحتمل أن يرى الناس تقبل بحب على من هو أفضل منه.
لقد كان هذا معلوما للكثيرين، و للوالي الروماني نفسه (بيلاطس)، الذي قيل عنه: “لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا”(مر15: 10).
ــ حكمته الأرضية الشريرة
لقد كانت مشورة قيافا خالية من الحكمة، لأنها اعتمدت على المكر، وفعل الشر، والإيذاء.. إن أنسب وصف مؤامرته الرديئة هو أنها شيطانية نفسانية أرضية مميتة، لقد تصرف قيافا بحماقة، وجهل منقطع النظير، وجلب على نفسه، وأمته هلاكًا، وأوجاعًا لا نظير لها
ولقد حذر معلمنا بولس الرسول تلميذه تيموثاوس من خطر الانحراف، لأنه ينتج عنه (الشرور المخالفة لشريعة الله ووصاياه) قائلًا: “وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ. الأُمُورُ الَّتِي إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا، انْحَرَفُوا إِلَى كَلاَمٍ بَاطِل”(1تي1: 5 – 6).
ــ لم ينتظر أن تتم النبوة التي أُعلِنَت له
إن الإنسان الشرير قد يسر إذا علم أن خصمه مريض، وقد أعلن الأطباء قرب موته وينتظر في ترقب حتى تتحقق أمنيته
أما قيافا فقد زاد في شره أكثر من ذلك بكثير .. لم ينتظر تحقيق النبوءة بموت الرب.. لأنه لم يكن يطيق صبرًا حتى يتم موت الرب كما أعلن له لقد سارع بالتخطيط، والتآمر على قتله، بعدما ملأ الحقد والشر قلبه .. فامتلأ حماقة وصدق فيه القول: “لأَنَّ الْغَيْظَ يَقْتُلُ الْغَبِيَّ، وَالْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ”(أي5: 2).. ومن هذا الحديث يجب ان ندرك ان قيافا كان مذنب ويستحق الدينونة.
ــ ضل بسبب كبريائه، وغباء قلبه
وفى نفس السياق قال القمص أبرام جيد كاهن كنيسة العذراء مريم بعين شمس: لقد فرح قيافا بالنبوة التي كشفت له عن موت الرب يسوع ولكن بسبب حقد قلبه، تباهى بمعرفته إياها أمام أتباعه في الاجتماع الذي عقده للتحريض على قتل الرب يسوع، ولكنه لم يفهم معنى النبوة ..
كان الأجدر به كرئيس كهنة أن يدرك ما يتممه من طقس يوم الكفارة العظيم، وطقس ذبح خروف الفصح، وأيضًا الخلاص من الهلاك عند رش دم خروف الفصح على العتبة العليا، والقائمتين.
لقد اعتمد على فهمه، وحكمته البشرية الأرضية، النفسانية، وأيضًا الشيطانية، بعدما فقد عمل النعمة فيه .. استغل سلطته الدينية في التدبير بمكر لحل مشكلته الشخصية وهي الغيرة من الرب يسوع فحرض على القتل، ولم يعتد بالوصية المملوءة من حكمة الله مخالفا قول الكتاب: “تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ. لاَ تَكُنْ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ”(أم 3: 5-7).
ــ لم يضع مخافة الرب أمام عينيه
وتفكير قيافا الشيطانى رفض أن يضع مخافة الرب التي هي رأس الحكمة أمام عينيه فلم يفلح، لأنه استهان بوصية الله ليشوع النبي القائلة: “إِنَّمَا كُنْ مُتَشَدِّدًا، وَتَشَجَّعْ جِدًّا لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَكَ بِهَا مُوسَى عَبْدِي. لاَ تَمِلْ عَنْهَا يَمِينًا وَلاَ شِمَالًا لِكَيْ تُفْلِحَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ”(يش1: 7).
تجرأ قيافا الشرير، وقرر قتل الرب يسوع، وهو مستريح البال .. وبرر ذلك بالخوف على الأمة اليهودية من اضطهاد، وبطش الرومان ..
لقد سارع بمكر قبل الفصح بالدعوة إلى اجتماع قادة اليهود في بيته، بنية أخذ قرار بقتل الرب يسوع، دون أن يتهم الرب بذنب قد اقترفه كقول الكتاب: “حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ الشَّعْب إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا، وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ. وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: «لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ”(مت26: 3 – 5).. إن جرأة قيافا في الإقدام على مثل هذا الشر بتهور، وبدون تردد تدل على ضميره المعوج والشرير.
ويا أحبائي يجب ان ندرك إن القلب هو مركز، أو مصدر الشر والصلاح كقول الرب: “اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ”(مت١٢: ٣٥).. فكل شر للإنسان يصدر من قلب شرير قد امتلأ بالفساد، لبعده عن الله مصدر الصلاح وكان قلب قيافا شرير ملئ بالحقد والغيرة من حب الناس للرب يسوع .. لذلك فهم النبوءة طبقا لهواه الشرير.. كان هواه هو التخلص من الرب يسوع بسبب غيرته وحسده له.. فهل يعقل أن الله أراده أن يقتل الرب يسوع؟!!!
لقد استجاب قيافا لهوى نفسه الشرير، وأشار على اليهود بقتل الرب كقول القديس يوحنا الرسول: “وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلاً، لأَنَّهُ كَانَ حَمَا قَيَافَا الَّذِي كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَكَانَ قَيَافَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ”(يو18: 13- 14).
أما يوحنا المعمدان الذي شهد عن عظمة الرب يسوع فقد أُعلِنَت له هذه النبوة مبكرًا.. ففرح، وسعى كارزًا يبشربقدوم الفادي غافر الخطايا قائلًا: “…هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!”(يو1: 29)
لقد أعطى يوحنا الرب يسوع الكرامة والمجد، اللذين يليقان بالمسيح المبارك قائلًا له: “…أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!”(مت14:3). فشتان الفرق بين فهم قيافا ورد فعله، وبين فهم يوحنا المعمدان ورد فعله.. وهذا يوضح لنا مدى شر قيافا ومؤامرته الشرير لقتل الرب يسوع.
ــ الكراهية المالكة لقلبه أعمت عينيه
واستكمالا على ما سبق قال القس ابسخيرون سعد كاهن كنيسة العذراء والقديس موريس بالعمرانية:
استنارت بصيرة القديس يوحنا المعمدان بالروح القدس؛ فعرف أن الرب يسوع هو المسيح الفادي المستحق كل كرامة؛ فشهد بكرامته، وحث تلاميذه وتابعيه على تبعيته قائلًا: “وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ جَعَلَ يَقُولُ: مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ لَسْتُ أَنَا إِيَّاهُ، لكِنْ هُوَذَا يَأْتِي بَعْدِي الَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ قَدَمَيْهِ”(أع13: 25)
أما قيافا فلم يعنِه من النبوءة، التي أعلنت له غير شيء واحد فقط، وهو التخلص من الرب. أعمته رغبته الشريرة؛ فلم يشغل نفسه بالتأمل في معنى النبوءة أي: موت إنسان عن الأمة كلها. كان أولى به أن يعرف معنى النبوءة؛ لأنه رئيس الكهنة، الذي يقدم كفارة عن الشعب مرة كل سنة، كما علمته الشريعة بالقول: “وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، ثُمَّ يَلْبَسُ ثِيَابَهُ وَيَخْرُجُ وَيَعْمَلُ مُحْرَقَتَهُ وَمُحْرَقَةَ الشَّعْبِ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الشَّعْبِ”(لا16: 24).
ــ قلب قيافا خالى من مخافة الله
فى قصة يونان رفض البحارة، الذين تأكدوا من عصيان يونان النبي الهارب من الله إلى ترشيش – حتى لا يذهب برسالة التوبة لنينوى – أن يلقوا يونان في البحر و جدفوا ليرجعوا إلى البر دون جدوى، ولما اضطروا إلى إلقائه في البحر.. طلبوا من الله بصلوات حارة في خوف أن لا يحسب عليهم دماً بريئًا قائلين: “فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ وَقَالُوا: “آهِ يَا رَبُّ، لاَ نَهْلِكْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِ هذَا الرَّجُلِ، وَلاَ تَجْعَلْ عَلَيْنَا دَمًا بَرِيئًا، لأَنَّكَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ كَمَا شِئْتَ”(يون١: ١٤).. أما قيافا فقد قرر قتله بجرأة، وبلا خوف ان يسلم الرب يسوع الى الهلاك حتى يرجع المجد إليه مرة أخرى.
ومن جانبه قال الدكتور رشدى واصف استاذ ورئيس قسم العبادة والليتورجيا بالكلية الاكليريكية: شخصية قيافا معقدة فهى شخصية قيادية ومتسلطة وتحب ذاتها فقط، لذلك كان يحقد على الرب يسوع بسبب حب الناس له والوثوق فيه والالتفاف حوله كان يغضب من تلك الأمور التى تجعله قليل أمام قومه.
ــ الإيمان والاعتقاد
لم يكن قيافا منتظرا خلاص الرب، وفدائه بحسب المفهوم الكتابي، ونبوات الأنبياء.. لقد كان كيهود اليوم منتظرا مسيحا ذا قوة بشرية، وعظمة أرضية زائفة، ولهذا لم يقبل قيافا المسيح المتضع، الذي سيخلص البشر بموته، ولا آمن أو ترجى النبوءة القائلة: “اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ الْجُبِّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ”(زك9: 9- 11)
لقد ضل قيافا في الإيمان بما في الكتب، وانحرف، ولم يعرف ولم يفهم النبوءات الكثيرة الخاصة بالمسيا.
ـــ التشاور و التآمر والتحريض على قتل بريء
لقد جمع قيافا في منزله مجمعًا للتشاور في خطر (حسب زعمه) تنامي شعبية الرب يسوع، وقرر في هذا الاجتماع قتل الرب يسوع مخالفًا الوصية القائلة: “لاَ تَقْتُلْ”(تث5:17) .. ولقد خدع قيافا نفسه، ونفوس أعوانه مدعيا أن القتل خير، وتناسى الوصية القائلة: “اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ الْكَذِبِ، وَلاَ تَقْتُلِ الْبَرِيءَ وَالْبَارَّ، لأَنِّي لاَ أُبَرِّرُ الْمُذْنِبَ” (خر٢٣: ٧) .. لقد برر جريمته بتبني الادعاء القائل: “أن حب الناس، والتفافهم حول الرب يسوع المعلم الصالح سبب ضرر لأمة اليهود، لأنه سيثير الرومان ضدهم”.. ولم يكتفِ بذلك، لكنه استخدم سلطانه لإثارة الشعب على الرب .. وكذلك يعتبر قيافا المسئول الأول عن رشوة يهوذا الإسخريوطي؛ لأنه كان رئيس كهنة ذلك الزمان .. لقد خالف وصية الله القائلة: “مَلْعُونٌ مَنْ يَأْخُذُ رَشْوَةً لِكَيْ يَقْتُلَ نَفْسَ دَمٍ بَرِيءٍ…”(تث27: 25).
ــ التشجيع والتحريض على الشهادة الزور
لقد تعدى قيافا على وصية الله القائلة: “وَلاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ”(تث5: 20) .. فمن المفترض في المحاكمات العادلة أن يكون هناك مدعٍ أو مشتكٍ على المتهم، يوجه له تهمة محددة، وتطلب المحكمة شهود الإثبات وشهود النفي.. أما يسوع فلم يوجد من يدعي عليه تهمة محددة .. ولهذا بحث مجلس اليهود (السنهدريم) عن شهود، ليشهدوا علي الرب بأي اتهامات يرونها، تاركين الفرصة لشهود الزور للتلفيق والافتراء.
لقد سجل الكتاب شرهم، وشر رئيس كهنتهم بالقول: “وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ”(مت26: 59- 60).
أعطى الله شعبه في القديم القسم (الحلف باسم الله).. لقد كانت كل مشاجرة، أو اختلاف تزول بالقسم، ولا مجال لأي تشكيك، أو حيرة بعد القسم، لأن الرأي الصحيح يثبت بالقسم باسم الله، الذي يصير في تلك الحالة هو الحكم، والشاهد الأعظم كقول معلمنا بولس الرسول: “فَإِنَّ النَّاسَ يُقْسِمُونَ بِالأَعْظَمِ، وَنِهَايَةُ كُلِّ مُشَاجَرَةٍ عِنْدَهُمْ لأَجْلِ التَّثْبِيتِ هِيَ الْقَسَمُ”(عب٦: ١٦).. لقد احتار قيافا في إثبات التهمة، التي يدان على أساسها السيد الرب يسوع فلجأ إلى استخدام القسم كقول الكتاب: “…فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ:”أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟”(مت٢٦: ٦٣)، وهذا بالطبع سؤال واستفسار، وليس اتهامًا..
لقد صار الرب شاهدًا عندما استحلفه قيافا، الذي وجب عليه تصديق شهادة الرب.. ولكن قيافا لم يقبل الشهادة الصادقة، واعتبر القول جريمة تجديف.. لقد أخطأ قيافا، لأنه لم يعتد بالقسم بالله، الذي قبل أن يكون ضامنًا لصدق إجابته.
ــ تسليم بريء إلى القتل وتضليل شعبه بالتحريض والمطالبة بموته
سلم قيافا المسيح البريء للسلطة الرومانية، وقد دفع الجماهير للضلال بتحريضهم بيلاطس على قتل البار، مع أن الوالي الروماني أقر ببراءته. لقد ترأس قيافا أتباعه في تهديد الوالي بتهمة عداوة قيصر قائلًا: “مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ:”إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!”(يو19: 12).
ومما سبق يجب أن ندرك أن لم ير قيافا من الرب غير الحب، والقداسة، والحكمة، وبالاختصار الكمال ذاته فهل يتبرأ من شر قتله للرب القدوس، الذي قال عنه إشعياء النبي: “…عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ.” (إش٥٣: ٩).؟ !! لقد صدق فيه قول الوحي الإلهي: “لأَنَّهُ مَدَّ عَلَى اللهِ يَدَهُ، وَعَلَى الْقَدِيرِ تَجَبَّرَ”(أي15: 25) .. أن قيافا مذنب بجميع ما فعل ويستحق الدينونة لأنه ضل الطريق وتحالف لقتل الرب يسوع.