ما تأثير المشاعر على السلوك الغذائي للإنسان؟ وكيف تكون بعض الحالات العاطفية سببا في الإقبال على تناول أطعمة معينة تؤدي إلى زيادة الوزن؟
الكيلوغرامات العاطفية
تقول الكاتبة أورو إيميلي في تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” (lefigaro) الفرنسية إن “الكيلوغرامات العاطفية” عبارة قد تبدو مجرد دعابة، ولكنها في الواقع مستخدمة من قبل العديد من اختصاصي التغذية وعلم النفس، وتم تأليف العديد من الكتب حول هذه الظاهرة.
وتنقل الكاتبة عن لورنس أورا اختصاصية علم النفس والتغذية الفرنسية، ومؤلفة كتاب “ماذا لو وجدت أخيرا وزنك المثالي؟”، تأكيدها أن الحديث حول هذا الموضوع يجد صدى لدى القراء الذين يعترفون بأن إقبالهم على الأكل واختيارهم الأطعمة يتأثر بحالات الغضب والحزن.
التغذية العاطفية والوزن الزائد
وتقول ساندرين بينو اختصاصية التغذية والأستاذة المحاضرة في جامعة السوربون في باريس، والمشاركة في دراسة حول التغذية العاطفية والوزن الزائد -نشرت في المجلة الأميركية للتغذية السريرية- “بشكل عام، إن المشاعر القوية تقطع الشهية لدى الإنسان، ولكن الحالات العاطفية التي يمر بها تؤثر على سلوكه بأشكال أخرى، وترتبط مباشرة بالتجارب التي مر بها في طفولته وشكلت علاقته بالطعام”.
وتوضح الكاتبة أن هذه الفكرة تعني أن الطفل الرضيع تكون علاقته بالطعام بسيطة، حيث إنه يتناوله فقط عندما يشعر بالجوع. ولكن تجارب الطفولة تعقد هذه العلاقة، وتخلق روابط بين العاطفة والأكل.
الحرمان من الأطعمة يرمز إلى الحزن
وعلى سبيل المثال، فإن المناسبات الثقافية والعائلية تؤثر على علاقتنا بالطعام في وقت مبكر، فيصبح كوب المثلجات مرتبطا بالأوقات السعيدة، وقطعة المرطبات تأخذ شكل المكافأة بعد القيام بجهد، وفي المقابل فإن الحرمان من هذه الأطعمة يرمز إلى الحزن والتعرض للعقوبة.
وتتساءل الكاتبة: ما تأثير هذه الحالات العاطفية على وزن الإنسان؟ وحسب الباحثين في هذا المجال، فإن العاطفة مسؤولة عن عدد من الكيلوغرامات التي نكتسبها، حيث إن التغذية العاطفية أحد عوامل الوزن الزائد.
وتؤكد ساندرين بينو وجود العديد من الأسباب التي تدعو لهذا الاعتقاد، منها عدم قدرة بعض الناس على التفريق بين الجوع وحالات أخرى من الانزعاج، أو إقبال آخرين على استخدام الطعام على أنه مصدر لمواساة النفس.
الأكل عند الشعور بالملل
وتقول الكاتبة إننا بتنا نأكل عندما نشعر بالملل، أو الوحدة، أو عندما نصاب بخيبة الأمل، وعندما يعترينا الحزن أو الإحباط، أو عندما نستشيط غضبا، أو عندما نفشل.
في كل هذه الحالات نحن نأكل من أجل إلهاء أنفسنا والشعور بأننا بصدد القيام بفعل معين، لملء الفراغ بالمعنى الرمزي والحرفي لهذه العبارة.
وتشير الكاتبة إلى أن هذا السلوك لدى الإنسان يكون أقل حضورا عندما يمر بحالات عاطفية مرتبطة بالفرح أو الحب، حيث يكون الإقبال على الطعام أقل شراهة.
الأغذية الغنية بالسعرات الحرارية
وتضيف الكاتبة أن هذا السلوك يريح الإنسان بشكل فوري، وهو ما يجعله يكرره في المرات المقبلة، حيث إن المخ لديه اختيارات مدروسة في هذه الحالات العاطفية، إذ يتجه إلى الأغذية الغنية بالسعرات الحرارية مثل المرطبات والبسكويت والشوكولاتة ورقائق البطاطا، عوضا عن التوجه لمأكولات أخرى صحية مثل الفواكه والخضر.
وتوضح ساندرين بينو أن هذا الاختيار يجعل الجسم يحصل على كمية كبيرة من السعرات الحرارية، وينشط الناقلات العصبية في الجسم، ويؤدي إلى إفراز السيروتونين والدوبامين مما ينعكس إيجابيا على المزاج. حيث إن نظام المكافأة في الجسم ينشط ويخلق حالة من الشعور بالمتعة، وفجأة يشعر الإنسان بأنه انتقل بحالته العاطفية من الحضيض نحو مكان أفضل، رغم أن هذا الشعور بالرضا مؤقت لسوء الحظ.
حلقة مفرغة من الأكل
وتقول الكاتبة إن علاقة كل إنسان بالغذاء تكون فريدة من نوعها، وهي تبنى على التجارب التي يمر بها على فترات طويلة. ولكن المشكلة تظهر عندما تصبح هذه العلاقة معقدة وتؤثر على حياتنا اليومية، وتجعلنا نمتنع مثلا عن الذهاب لممارسة الرياضة أو الخروج إلى الأماكن العامة، ونكتفي بالبقاء في البيت واستهلاك السعرات الحرارية، حيث إن هذا السلوك يؤدي إلى تدمير الثقة بالنفس، ويجعلنا نعلق داخل حلقة مفرغة.
كما تنبه الكاتبة إلى أن الأشخاص الذين يتبعون حمية قاسية ويفرضون على أنفسهم سلوكا غذائيا غير مريح ينقلب غالبا سلوكهم إلى العكس تماما عندما يمرون بحالات اضطراب عاطفي، حيث يقبلون على الأكل بشراهة كبيرة.
التفكير في علاقتنا مع الطعام
لذلك تؤكد لورونس أورو ضرورة التفكير في علاقتنا مع الطعام، قبل التركيز على المحتوى الموجود في الصحن، حيث يجب علينا التعامل مع هذا الأمر بوعي، وتجنب فكرة “أنا منزعج لذلك أنا آكل”.
وتنصح الكاتبة بالتركيز على المشاعر الذاتية والتدرب على التحكم فيها، ثم في مرحلة أخرى يمكن التفكير في تغيير الأطعمة التي نتناولها لتكون أكثر صحية.