للعلاقات أنواع عديد وأشكال متنوعة تعتمد أن تكون بين أشخاص يربطها المحبة والموادة والرحمة وأن تكون مرئية وملموسة، ليس كل العلاقات تكون ناجحة ولكن يجب علينا أن نجرب وسوف تظهر الأيام أن كانت العلاقة ناجحة أو العكس.
العلاقة بين الإنسان والله تختلف تماما عن تلك العلاقات لأنها علاقة غير مرئية ولكن تكون ملموسة بالإحساس والمشاعر التي تلحق بحياتنا ومن هنا يطرح السؤال نفسه.. هل العلاقة بين الإنسان والرب يسوع هي ثمرة وهم وإيحاء أم تعتمد على أسس ووقائع؟ .. كيف نقوم باختبار شخصي لتقييم العلاقة؟.. وكيف تكون شكل العلاقة بين الإنسان والله؟! .. لذلك توجه موقع جريدة “وطني” لمسئولي الكنيسة للرد على الأسئلة، وفيما يلي نشرح لماذا يشعر المسيحيين بالثقة واليقين تجاه مسيحهم القدوس، ثم نبين كيف لا يتفق الوهم والخيال مع الإيمان المسيحي، ثم نبين أنه بالرغم من أن الاختبار الشخصي أمر داخلي، لكنه يمكن أن يظهر وتدركه حواس الإنسان الطبيعية.
ـــ الثقة واليقين أساس إيماننا
قال القس بسخريون سعد كاهن كنيسة العذراء والقديس موريس بالعمرانية: العلاقة بين الانسان والرب يسوع علاقة حقيقية وليس وهمية، ولقد شهد معلمنا بولس الرسول عن صدق اعتقاده ومعرفته، وأيضًا عظمة العلاقة التي تربطه بالرب يسوع المسيح قائلًا: “لِهذَا السَّبَبِ أَحْتَمِلُ هذِهِ الأُمُورَ أَيْضًا. لكِنَّنِي لَسْتُ أَخْجَلُ، لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ” (2تي1: 12).
ويجب ان ندرك إن العلاقة الشخصية بين أي شخصين تُبنى على أساس معرفة كل شخص منهما بالآخر، ويستحيل أن تتحقق هذه العلاقة بدون معرفة كل منهما لصاحبه.. لقد أكد معلمنا بولس الرسول أهمية معرفة شخص الرب يسوع، لأن هذه المعرفة هي أساس إيمانه المتين كقوله: “بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ” (في3: 8).
ــ الحقائق المتيقنة تشهد بالصدق
لقد دعى فيلبس الرسول صديقه نثنائيل لمعرفة الرب يسوع المسيح الناصري، لكن نثنائيل استنكر أن يكون الرب يسوع هو المسيح، ذلك لأنه من الناصرة التي اشتهرت بكثرة شرور أهلها قائلًا له: “أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟”، لكن فيلبس طالبه بعدم التسرع في الحكم على الرب يسوع لحين الاختبار والتحقق: “قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: تَعَالَ وَانْظُرْ” (يو1: 46)
إن علاقتنا بالرب يسوع تُبنى على أساس معرفة حقائق صادقة راسخة ثابتة عن شخصه وحياته وتعاليمه، لقد وصف القديس لوقا البشير ما دونه في بشارة إنجيله بعدما تتبع الحقيقة من مصادرها الموثوق بها- بالمتيقنة قائلًا: “إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ” (لو1: 1- 2).
ـــ الخصوصية والاختبار الشخصي
وصف أي علاقة بكلمة الشخصية يعني الخصوصية، وبالتالي عدم اشتراك الغير في هذه العلاقة. إن صاحب الاختبار الشخصي هو الوحيد القادر أن يعبر عن اختباره كقول الكتاب: “اَلْقَلْبُ يَعْرِفُ مَرَارَةَ نَفْسِهِ، وَبِفَرَحِهِ لاَ يُشَارِكُهُ غَرِيبٌ”(أم14: 10)، وقوله أيضًا: “لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ” (1كو2: 11).
ـــ المشاعر والحواس ليست وَهم
يجب ان ندرك يا أحبائي ان الاختبار الشخصي مقصود به مشاعر الحب والإخلاص، والثقة في الرب يسوع، والشعور بالسلام والأمان معه، المشاعر والحساس ليس وهم ولن تكون ثمرة ضلال لأنه تبنى على وقائع واحداث.
ولقد برهن معلمنا بولس الرسول على صدق وعظمة حب الرب يسوع المسيح قائلًا: “..فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي” (غل2: 20).
ـــ الخيال والوهم
ومن جانب أخر شرح لنا القمص مرقس ميخائيل كاهن كنيسة العذراء والانبا باخوميوس بكوبرى الناموس بالإسكندرية: العلاقة بين البشر والرب يسوع ليمكن تكون وهم لأن الوهم هو خيال، لا وجود له ولا صلة له بالحقيقة.. هو كالأحلام التي يراها الإنسان في نومه، ولكنها تتبدد سريعًا بمجرد استيقاظه، لأنها خيال لا يثبت أمام الواقع.
إن العقل الواعي لا يمكنه قبول الأوهام أو الخيال بسهولة، لذلك يحتال المضلون وغير الإمناء على البسطاء باستخدام الكذب والإيحاء، لإقناعهم بغير الحقيقة.. إن التأثير على الناس باستخدام أسلوب الإيحاء يعتمد على استخدام الأساليب البلاغية، أو الفلسفية التي لها قوة تأثير على المشاعر والوجدان، وتُعتبر الوعود الكاذبة البراقة أداة مؤثرة جدًا في هذا المجال، وقد يخدع المُضلون البسطاء من الناس، مستخدمين وسائل شريرة لإعطاء ضحاياهم صورة براقة كاذبة، لا تمت للحقيقة بصلة مثل:
ــ الكذب والضلال
لقد استخدم هذه الطريقة الشيطان؛ فاقنع أبوينا الأولين، بأنهما لن يموتا إذا أكلا من شجرة معرفة الخير والشر قائلًا لهما: “فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ” (تك3: 4- 5).
الإغراء: يخدع المضلون ضحاياهم بالإغراء بإظهار الاستعداد لتلبية آمالهم ورغباتهم، التي يتطلعون للحصول عليها؛ فيقدمون لهم الوعود الكاذبة حتى يُميلون قلوبهم، ويُغيبون عقولهم، لئلا تُدرك الحقيقة.
لقد رفض رب المجد يسوع إغراء إبليس، الذي طلب منه السجود له مقابل إعطائه كل ممالك الأرض بقوله له: “لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ” (لو4: 8).
وكذلك يستخدم المضلون الكلام الرنّان البليغ، وأيضًا الكلام المعسول الناعم، ويتجنبون التوبيخ والتأنيب، حتى يتمكنوا من الإيحاء لضحاياهم بما يريدون، كقول معلمنا بولس الرسول: “لأَنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ لاَ يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ. وَبِالْكَلاَمِ الطَّيِّبِ وَالأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ” (رو16: 18).
ـــ المسيحية لا تعرف غشًا
الإنسان الذي يحيا في الوهم يقنع نفسه، أو قد يقنعه آخر بغير الحقيقة، أو بتعبير آخر يوحي لنفسه، ويخدعها بغير الحقيقة. إنه لا يريد الحقيقة، لأنه يريد، ويشتاق لما يوهم نفسه به.
إن سبب ضلال وانخداع الكثيرين هو عدم محبتهم للحق، وتفضيلهم الظلمة على النور، كقول الكتاب: “لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ” (2تس2: 12)
لقد أكد معلمنا بولس الرسول عدم اعتماد الكرازة المسيحية على تلك الأساليب الرخيصة قائلًا: “لأَنَّ وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلاَل، وَلاَ عَنْ دَنَسٍ، وَلاَ بِمَكْرٍ، بَلْ كَمَا اسْتُحْسِنَّا مِنَ اللهِ أَنْ نُؤْتَمَنَ عَلَى الإِنْجِيلِ، هكَذَا نَتَكَلَّمُ، لاَ كَأَنَّنَا نُرْضِي النَّاسَ بَلِ اللهَ الَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا. فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّق كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ. اَللهُ شَاهِدٌ” (1تس2: 3-5)
ـــ العقل الراجح لا يقبل الوهم
لقد خلق الله للإنسان عقلًا راجحًا يزن الأمور، ويفحصها، ويسعى دائمًا إلى الاقتناع قبل تصديق أي أمر لا يعرفه.
اعتمد الرب يسوع على أسلوب الإقناع، ولم يحدث مطلقًا أن الرب يسوع ضاق صدرًا بأسئلة الناس، بل كثيرًا ما حفز الرب يسوع عقول سامعيه بسؤالهم، قبل أن يشرح لهم ما أراد أن يعلنه لهم.. وقد سار رسل الرب بنفس المنهج في الكرازة كقول الكتاب: “ثُمَّ دَخَلَ الْمَجْمَعَ، وَكَانَ يُجَاهِرُ مُدَّةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ مُحَاجًّا وَمُقْنِعًا فِي مَا يَخْتَصُّ بِمَلَكُوتِ اللهِ” (أع19: 8)
إن الحق لا يُخف على أحد إلا إذا أراد هو أن لا يراه كقول الكتاب: “لأَنَّ هذَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَالأَرْضَ بِكَلِمَةِ اللهِ قَائِمَةً مِنَ الْمَاءِ وَبِالْمَاءِ” (٢بط٣: ٥). حينئذ يتملك عقل ذلك المسكين الوهم والخيال.
ـــ الحق والصدق أساس معرفتنا بالمسيح
وفى نفس السياق قال القس فيلوثاؤس عياد كاهن كنيسة مارمينا والملاك سوريال: علاقتنا بالمسيح بُنيت على أساس الصدق والحق وتستلزم التوبة، لقد بدأت الكرازة بالمسيح بتوبيخ القديس يوحنا المعمدان الذي لم يكن يعرف الكلام المعسول، وهكذا طالب الآباء الرسل الداخلون للإيمان بالتوبة، قائلين لهم: “فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: تُوبُوا.. لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلهُنَا. وَبِأَقْوَال أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَشْهَدُ لَهُمْ وَيَعِظُهُمْ قَائِلًا: اخْلُصُوا مِنْ هذَا الْجِيلِ الْمُلْتَوِي” (أع2: 38- 40).
وأكد معلمنا بولس الرسول أيضًا عدم اعتماده على كلام البلاغة، أو الفلسفة والحكمة البشرية في الكرازة قائلًا: “وَأَنَا لَمَّا أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَتَيْتُ لَيْسَ بِسُمُوِّ الْكَلاَمِ أَوِ الْحِكْمَةِ مُنَادِيًا لَكُمْ بِشَهَادَةِ اللهِ” (1كو2: 1)
وقوله: “وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ، لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ” (1كو2: 4- 5).
وكذلك كشفت المسيحية للمؤمنين الداخلين للإيمان حديثًا أن أمامهم باب ضيق، وطريق كرب، وضيقات كثيرة في طريق الملكوت، الذي ينتظرهم كقول معلمنا بولس الرسول: “فَبَشَّرَا فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَتَلْمَذَا كَثِيرِينَ. ثُمَّ رَجَعَا إِلَى لِسْتِرَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَنْطَاكِيَةَ يُشَدِّدَانِ أَنْفُسَ التَّلاَمِيذِ وَيَعِظَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ، وَأَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ” (أع14: 21- 22)
ـــ معاناة المبشرين والكارزين الكثيرة
خرج الآباء الرسل خدام المسيح لينشروا الكرازة غير منتظرين مكافأة عن كرازتهم، لكنهم احتملوا الاضطهاد والضيق الشديد، بل أسلموا أنفسهم طواعية للاستشهاد، ذلك تنفيذًا لأمر الرب القائل: “اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصًا. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا”. (مت 8:10).. وقد أكد الرسول نقاوة الكرازة بالمسيح من أي شبهة ضلال أو مكر طمعًا في منفعة مادية، قائلًا: “بَلْ بَعْدَ مَا تَأَلَّمْنَا قَبْلًا وَبُغِيَ عَلَيْنَا كَمَا تَعْلَمُونَ، فِي فِيلِبِّي، جَاهَرْنَا فِي إِلهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُمْ بِإِنْجِيلِ اللهِ، فِي جِهَادٍ كَثِيرٍ. لأَنَّ وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلاَل، وَلاَ عَنْ دَنَسٍ، وَلاَ بِمَكْرٍ، بَلْ كَمَا اسْتُحْسِنَّا مِنَ اللهِ أَنْ نُؤْتَمَنَ عَلَى الإِنْجِيلِ، هكَذَا نَتَكَلَّمُ، لاَ كَأَنَّنَا نُرْضي النَّاسَ بَلِ اللهَ الَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا. فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلاَمِ تَمَلُّق كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلاَ فِي عِلَّةِ طَمَعٍ. اَللهُ شَاهِدٌ” (1تس2: 2- 5).
ــ علاقة روحية مدركة بالحواس
تظهر حقيقة وصدق العلاقة الشخصية للإنسان مع الله من خلال تأثيرها، فمع أن العلاقة مع الله هي علاقة روحية ناتجة عن تأثير روح الله غير المرئي في الإنسان، والذي شبهه الرب يسوع بالريح التي لا ترى.. لكن أي عاقل لا ينكر وجودها لأنه تأثيرها مدرك بالحواس، كقول الرب يسوع: “اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ” (يو3: 8).
إن الريح تدرك بقوة تأثيرها؛ فما تحدثه من صوت، أو حركة للرمال والأتربة أو الأشياء التي تعترض طريقها تشهد لحقيقة وجودها.
ـــ أمثلة حية تشهد لحقيقة الاختبار الشخصي مع الله
من يقدر أن يشكك في صدق اختبار وأحاسيس المرأة السامرية، أو زكا العشار بعد تعرفهما على الرب يسوع. لا أحد تجول في داخل قلبيهما.. لكننا أدركنا صدق اختبارهما من قوة التأثير الذي طرأ على حياتهما.
لقد ذهبت السامرية بعد أن شفيت من مرارة عار وخجل الخطية لتكرز لأهل السامرة مدفوعة بقوة وفرحة التوبة قائلة: “هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟. فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ” (يو4: 29- 30).
أما زكا الذي تملك الطمع وحب المال على قلبه؛ فقد تبدل حاله وطبعه بلقاء واحد مع الرب يسوع، وصرخ في توبة قائلًا: “فَوَقَفَ زَكَّا وَقَالَ لِلرَّبِّ: هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ” (لو19: 8).
ومن هنا يا أبنائي يجب أن ندرك إن الإيمان المسيحي لا ينشأ في لحظة من الزمان نتيجة الإنصات لواعظ يجيد فنون البلاغة، أو لدية معرفة بفنون علم النفس، وطرق الإيحاء النفسي.. لكنها خبرة بُنيت على أساس كشف روح الله القدوس عن حقيقة شخص المخلص، وتتأكد من خلال خبرة حياة يومية تنمو شيئًا فشيئًا على مدى الحياة الشخصية بكل ظروفها وتفاصيلها.
يتجلى صدق إيمان القديسين المؤمنين من خلال تمسكهم بإيمانهم حتى الدم، وسلوكهم بقداسة تنير ظلمة الضلال الذي في العالم كما يضيء نور السراج لمن حوله.
لقد عبر معلمنا بولس الرسول عن صدق اختباره الشخصي، وتمسكه بالمسيح الرب بكلمات واضحة لا تحتمل الشك قائلًا: “مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ” (رو8: 35- 36).