تزايدت خلال الأسابيع الماضية تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن تأسيس ومدّ شبكة من سكك الحديد التي تربط بلاهم بالبحر المتوسط، عبر العراق سوريا ولبنان.
وافتتح الرئيس الإيراني حسن روحاني شبكة السكك الحديدية الرابطة بين مدينتي شلمجه الإيرانية والبصرة العراقية، مؤكدا على أن بلاده ستعمل خلال المستقبل المنظور على العمل على إنشاء شبكة من السكك الحديدية التي تربطها بالبحر المتوسط، وأن جميع طاقات الدولة الإيرانية ستدخل في خدمة ذلك، السياسية والعملياتية، حسب تصريحاته.
الحلقة الأولى من المشروع الذي تنوي إيران تكوينه، والتي ربطت مُدن عبدان وخرمشهر الإيرانية الجنوبية بمناطق جنوب العراق، والتي بلغت قرابة 40 كيلومترا، تم تمويلها من قِبل مؤسسة “مستضعفان” الإيرانية، التي تُعتبر أقرب المؤسسات الإنشائية الإيرانية القريبة من مراكز القرار الإيرانية، وفي ذلك دلالة على المستويات الاقتصادية والأمنية والعسكرية المتداخلة في المشروع المُستهدف، خصوصا وأنها بدأت في المناطق الأكثر ثراء في الحدود الجنوبية لحدود البلدين، التي تملك أكثر من 90 بالمئة من الثروة الباطنية للبلدين.
وكانت السلطات الإيرانية قد عبرت عن عدم رضاها عن التبادل التجاري والصناعي لبلادها مع العراق، وعدم قدرتها على منافسة المُنتجات الإقليمية الأخرى التي ترد للعراق، ورغبتها بإيصال المواد الإيرانية المُصدرة لها إلى نحو 20 مليار دولار، من 12 مليار دولار هي راهنا.
وخلال زيارته الرسمية الأخيرة إلى العراق، كان الرئيس الإيراني قد شدد على أهمية مشروع الربط السككي هذا، مذكرا رئيس الوزراء العراقي بأن التعاون الأمني والعسكري لبلادهما لا يُمكن أن يتطور ويغدو أكثر حيوية دون بناء ذلك الربط.
الكاتب والباحث في الشؤون الأمنية صباح تنورجي شرح التحديات التي تواجه إيران في سبيل تحقيق هذا الربط السككي، والتي صنفها على 3 مستويات: “ثمة أولا التحدي الاقتصادي، المتمثل بتوفير الأموال الكافية لمد خطين متوازيين من الخطوط، الجنوبي والشمالي، وبمجموع يقترب من 4 آلاف كيلومتر، التي تحتاج إلى قرابة 20 مليار دولار، وهو مبلغ من الصعب أن توفره إيران في المدى القريب”.
وأضاف تنورجي في حديثه “تأتي المسألة الأمنية في المستوى الثاني من التحديات، فجميع الخطوط الطويلة التي ستسير بها سكك الحديد هذه يجب أن تكون مؤمنة تماما، وأي اختراق لها، ولو لمرة واحدة، سيفقد الثقة بها تماما، وهو ليس بالأمر السهل الآن. المسألة الأخيرة تتعلق بالحصول على مساعدات من الشركات العالمية العاملة في هذا المجال، التي تملك الكثير من الحسابات في ذلك الاتجاه”.
وركز المراقبين للمشهد السياسي الإيراني، على الحاجات السياسية واللوجستية لإيران من خلال هذا المشروع، وإن كانت هناك صعوبات كثيرة.
وستسمح السكك الحديدية، حسب المراقبين، لإيران بإنشاء مزيد من الربط الاقتصادي للدول الثلاثة بنفسها، العراق سوريا ولبنان. كذلك فإن الخطوط الحديدية أكثر صعوبة من إمكانية مراقبتها ومتابعتها من قِبل المؤسسات والجهات التي تُطبق العقوبات على إيران، فإيران تستطيع عبر رحلات القطارات المدنية أن تستورد وتُصدر مُختلف البضائع التي تود تحريكها، دون الخشية من إمكانية مراقبتها أو قصفها من السماء.
ورفعت إيران خلال السنوات الأربعة الماضية من نوعية شبكات السكك الحديدية غرب البلاد، بالذات بعد تأسيس خطين رئيسيين، واحد يمتد من مدينة آراك إلى مدينة كرمانشاه، والآخر الذي يوصل كرمانشاه بمدينة خسروي، حيث بلغ طول الخطين قرابة 600 كيلومتر، مما يعني بأنها تستعد لمدها إلى خارج البلاد، خصوصا مع الدول الخاضعة لها سياسيا.
الباحث الاقتصادي خسرو جباري، شرحالرؤية الإيرانية للأسلوب الذي يُمكن عبره أن تستعيد الأموال التي ستستثمرها في هذا المشروع: “غير الربط السياسية والهيمنة الأمنية، فأن إيران تسعى لأن تكون سكة الحديد هذه أداة لنقل ملايين المتدينين إلى العتبات المقدسة في سوريا والعراق، بما في ذلك غير الإيرانيين. كذلك يطمح الطرف الإيراني لأن يحول إيران إلى مركز لخط “طريق الحرير” البري الآسيوي نحو أوروبا”.
ونشر مركز “كيدل إيست مونيتور” تقريرا مفصلا عن التحدي الأمني والاقتصادي الذي تعاني منه إيران في آليات النقل البحري والجوي، خصوصا من خلال مضيق هرمز، التي سماها التقرير التفصيلي بـ “الألم اللوجستي لإيران”.
ونقل التقرير عن معارضين إيرانيين تخوفاتهم من أن تتحول سكة الحديد إلى أداة للنقل الكثيف بالتقادم للمقاتلين والأسلحة الإيرانية إلى مختلف دول المنطقة، وما قد يخلقه ذلك من حساسية للشعب الإيراني مع شعوب المنطقة.
الكاتبة والباحثة في شؤون السياسة الخارجية الإيرانية ميسون بايزار كتبت تقريرا في موقع “المجلس الأطلسي”، شرحت فيه الأبعاد الجيوسياسية الاستراتيجية للمشروع الإيراني في تفكير الفاعلين السياسيين الإيرانيين: “ترى إيران أيضا أن هذه السكك الحديدية وسيلة لمواجهة العقوبات الأميركية وتحسين العلاقات الاقتصادية مع جيرانها. تمتلك إيران بالفعل روابط سكك حديدية مع تركمانستان وباكستان وتركيا ومن المتوقع أن تكمل 6 مشاريع أخرى للسكك الحديدية بحلول نهاية عام 2021.
وتابعت: “ستربط المشاريع الجارية شبكة السكك الحديدية بـ”شبكة أسترا” في أذربيجان والبصرة في جنوب العراق. الأمر الذي يجعل موقع إيران مركزا مثاليا لعبور منطقة آسيا الوسطى غير الساحلية إلى البحر المتوسط”.