حركت «سمكة نابليون» النادرة المياه الراكدة في البحر الأحمر، وكشفت ما يتعرض له من نهب وتجريف لثرواته التي باتت مهددة بالاندثار بسبب «الصيد الجائر»، وهو ما دفع البرلمان المصري للتحرك تشريعيا لحماية ثروات البلاد.
ويناقش البرلمان المصري، 60 مادة من مشروع قانون حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، لإعداد خرائط لمخزون الثروة السمكية ووضع سياسة عامة لحماية البحيرات والشواطئ ومناطق الصيد بالتنسيق مع الجهات المسؤولة.
وخلال الشهر الجاري، ضبطت وزارة البيئة المصرية سمكة « نابليون» المحظور صيدها داخل أحد محال بيع الأسماك بمدينة الغردقة، مما دفع جمعيات البيئة البحرية للتحذير من عمليات الصيد الجائر وما يسببه من ضرر بالأسماك النادرة والشعاب المرجانية في مياه البحر الأحمر.
لماذا سمكة نابليون؟
تعد «سمكة نابليون»، ضمن قوائم الكائنات البحرية والبرية المهددة بالانقراض، الصادرة عن المنظمة الدولية لحماية وصون الطبيعة والبيئة، وتم إدراجها في القوائم بعد تناقص أعدادها بسبب الصيد الجائر، حيث تتواجد في مناطق الشعاب المرجانية العميقة بمواقع في البحر الأحمر.
ويقول أستاذ الحياة البرية بجامعة قناة السويس، الدكتور جمال جمعة، إن «الصيد الجائر يهدد بقاء سمكة نابليون في مياه البحر الأحمر وسمكة عروس البحر في رأس محمد وشرم الشيخ، ويدمر الشعب المرجانية في مياه البحر الأحمر، مما يهدد الأسماك المرجانية بالبقاء لاعتمادها على الشعب المرجانية كغذاء أساسي».
ويضيف جمعة، أن الصيد الجائر للكائنات البحرية يعد اضطرابا ناتج عن ممارسات خاطئة من الإنسان، مما يؤدي إلى خلل في المنظومة البيئة المتوازنة بندرة بعض الكائنات أو اختفاء بعضها.
ويوضح خبير الحياة البرية المصري الدكتور لؤي السيد، لموقع « سكاي نيوز عربية»، أن سمكة نابليون غير مصرح بصيدها نظرا لأهميتها الاقتصادية وتأثيرها على البيئة وسياحة الغوص في مصر.
وتعد سمكة نابليون من الأسماك الكبيرة المعمرة التي تتواجد في مياه البحر الأحمر بمصر، ويقدر متوسط عمر السمكة حسب نوعها فالإناث تعيش نحو 50 عاما ويعيش الذكور حوالي 45 عاما وتندر أعدادها بسبب بطيء معدل تكاثر السمكة، وسميت بهذا الاسم نسبة لشكل مقدمة رأسها التي تشبه التاج، بحسب قطاع محميات البحر الأحمر.
وخلال عام 2017، شهدت مدينة مرسى علم واقعة مماثلة بعد عرض أحد الفنادق لسمكة نابليون، ما دفع محميات البحر الأحمر لتوزيع بيانات بأسماء الأسماك المحظور صيدها.
أضرار فادحة
ويشير جمال جمعة، إلى أن عمليات الصيد الجائر للأسماك النادرة لا تؤثر فقط على الكائنات البحرية في مياه البحار، بل تمتد تأثيرها على باقي نظام السلسلة الغذائية لاعتماد جميع الكائنات الحية على بعضها البعض في الغذاء.
ويقول لؤي السيد، إنه «رغم اعتماد الثروة السمكية في مصر على نهر النيل والبحيرات الشمالية والاستزراع السمكي الذي يمثل من 75- 85% من الثروة السمكية، يلجأ الصيادون إلى الصيد في البحرين الأحمر والمتوسط لزيادة الطلب المحلي أو للتصدير».
ويوضح السيد، أن حرفة الصيد في البحر المتوسط تعتمد على 3 طرق، الصيد بالسنارة ومراكب الشنيشلا والجر، ويتحول الصيد بالسنارة لصيد جائر لاستخدام بعض المراكب المخالفة لـ «جوفة» شباك ضيقة، تستخدم لصيد أكبر كمية من الأسماك على أعماق بعيدة، ما يهدد حياة الأسماك الصغيرة بالصيد أو بالموت بعد إعادتها للمياه مرة أخرى.
ويشير خبير الحياة البرية، إلى أن الصيد بمراكب شنيشلا (الصيد اليومي) يهدد الحياة البحرية في مصر للصيد في حدود المياه الإقليمية (12 ميل بحري) فهي منطقة وضع بيض السمك، لذا يفضل الصيد في حدود المياه الاقتصادية (200 ميل بحري)، وفي البحر الأحمر يقل المخزون السمكي ويكثر الصيد الجائر الذي يستهدف الأنواع المهددة بالانقراض.
ويهدد الصيد الجائر في البحر المتوسط الأسماك الاقتصادية بتناقص أعدادها مثل أسماك (القاروص و الدنيس والوت والبربون)، لذا يلجأ بعض الصيادين إلى صيد الكائنات المهددة بالانقراض مثل أم الخلول والمحار والسلاحف والحيتان، بحسب تصريح لؤي السيد.
سياحة المغامرة
ولا يقتصر تأثير الصيد الجائر على الثروة السمكية فقط، بل يمتد إلى السياحة، خاصة وأن الشعب المرجانية تعد عنصر جذب هام لسياحة الغوص.
ويوضح خبير الحياة البرية في مصر، أن مصر تمتلك مواقع عالمية في الغوص في خليج العقبة ورأس محمد والبحر الأحمر، لتوافر الشعب المرجانية والأسماك الملونة التي تجذب مختلف أنواع الغوص تحت المياه وتميز مصر بامتداد الشعب المرجانية في تلك المواقع بحوالي 270 كم.
ويضيف: «سياحة الغوص قائمة على التركيب المرجاني وبقاء الحيتان بالمياه في جنوب سيناء، نظرا لأن الحوت الواحد يخزن نحو 30 طنا من غاز ثاني أكسيد الكربون».
رقابة
وطالب جمعة، بضرورة تطبيق القوانين لمواجهة عمليات الصيد الجائر في مصر، والتنسيق بين وزارة البيئة والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية لرصد الأسماك المهدد بالانقراض ومراقبة أي ممارسات تضر بالكائنات الحية في الحياة البحرية.
ويرى السيد، أن عملية إنجاح منظومة الصيد المنظم تتم عبر دعم الصيادين مالياـ بتأسيس نقابة وتقديم الحوافز وخدمات التأمين الصحي والمعاشات، مشيرا إلى أن نحو 70% من الصيادين المصريين ملتزمون بالصيد المنظم.
ويضيف «الرقابة على أساليب الصيد المتبعة وتقليل الصيد في المياه الإقليمية يساهم في حماية الكائنات البحرية بمياه البحرين الأحمر والمتوسط في مصر».
وينص قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، على حماية مكونات البيئة ومنع تدهورها وتشمل مكوناتها الهواء والبحار والمياه الداخلية المتضمنة نهر النيل والبحيرات والمياه الجوفية والمحميات الطبيعة والموارد الطبيعة الأخرى.