يتعرض الاتفاق العالمي للهجرة الذي سيتم توقيعه قريبا في مراكش إلى انتقادات حادة من قبل عدد من الدول الأوروبية والغربية. وقد بادرت بعض هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وأستراليا والنمسا والمجر إلى الإعلان مسبقا عن عدم المصادقة عليه. فعلى ماذا ينطوي هذا الميثاق الذي يأتي في الوقت الذي تحاول فيه الدول الأوروبية مكافحة الهجرة غير القانونية؟
من المقرر أن تجتمع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بمدينة مراكش المغربية خلال يومي 10 و11 كانون الأول/ ديسمبر لإقرار اتفاق الأمم المتحدة للهجرة، ليكون أول وثيقة دولية تفصّل الممارسات الجيدة لإدارة الهجرة حول العالم. لكن من الملاحظ أن عدد المعارضين لهذا القانون يتزايد مع اقتراب موعد التوقيع.
وتتضمن قائمة الدول الرافضة للاتفاق حتى الآن الولايات المتحدة وأستراليا، إضافة إلى خمس دول أوروبية على الأقل هي النمسا والمجر وجمهورية التشيك وكرواتيا وسلوفاكيا، ومن الممكن أن يضاف إليها لاحقا دول أخرى مثل بلغاريا وبلجيكا والدنمارك وإيطاليا وهولندا واستونيا وسويسرا، حيث تتم مناقشة التوقيع على الوثيقة داخل الطبقات السياسية.
ووضعت بنود الاتفاق استجابة لأزمة الهجرة التي بدأت في العام 2015، وذلك بهدف تيسير جهود التنسيق على المستوى الدولي. وقد تفاوضت الدول الأعضاء، ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية، على بنوده على مدى أكثر من 18 شهرا، قبل أن تتوافق تلك الدول في تموز/ يوليو الماضي على الوثيقة النهائية التي تتضمن 23 هدفا.
فما الذي يحتويه الاتفاق العالمي للهجرة بالضبط؟ وما الأسباب التي دفعت بعض الدول للانسحاب منه؟
وثيقة غير ملزمة قانونيا!
معظم الدول الأوروبية التي رفضت التوقيع بشكل نهائي على نص الاتفاق، مثل النمسا والمجر، اعتبرت أن فيه تعديا على سيادتها الوطنية، وأعربت عن قلقها من الاعتراف بـ «حق الهجرة»، لكن هذا الأمر غير صحيح!
فنص الاتفاق يوضح حقوق المهاجرين وواجبات البلد المضيف، دون التطرق إلى «حق الهجرة». لكن ما تخشاه هذه الدول هو أن تتعارض أهداف الاتفاق مع سياساتها الرافضة لاستقبال المهاجرين. ومن ناحية أخرى، فإن الاتفاق لا يحمل صفة قانونية إلزامية، بل على العكس يؤكد على سيادة الدول وحقها بإدارة سياسة الهجرة الخاصة بها. حتى أن بعض المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان ترى أن الاتفاق مجرد «بيان للنوايا الحسنة» محكوم عليه بالبقاء حبرا على ورق.
ورغم عدم تمتعه بالصفة الإلزامية، لكن الاتفاق يحمل قيمة رمزية على المستوى الدولي، كما يتيح متابعة التقدم الذي تحرزه البلدان في تحقيق أهدافه. وهذا بالضبط ما قد تخشاه البلدان الرافضة للتوقيع لأنها لا ترغب أن يُستخدم كوسيلة للضغط الأخلاقي ضد سياساتها المعادية للهجرة.
حماية المهاجرين «بغض النظر عن وضعهم»
تحدد الاتفاقية مجموعة من المبادئ، بما في ذلك «احترام حقوق الإنسان لجميع المهاجرين وحمايتها وتنفيذها، بغض النظر عن وضعهم من حيث الهجرة». وهذا يفرض على الدول المضيفة تقديم المساعدة والرعاية في مختلف مراحل الهجرة، و»القضاء على جميع أشكال التمييز، بما في ذلك العنصرية وكره الأجانب والتعصب ضد المهاجرين وأسرهم». وكذلك يحث الاتفاق الدول المضيفة على «سن وتنفيذ تشريعات تعاقب على جرائم الكراهية وجرائم الكراهية المشددة التي تستهدف المهاجرين».
إن نص الاتفاق ينظر إلى الهجرة بطريقة إيجابية. ويعتبر أن المهاجرين «مصدر للازدهار والابتكار والتنمية المستدامة» بالنسبة إلى البلد المضيف. لكن هذه الرؤية قد لا ترضي الدول المعارضة للاتفاق، لأنها في معظمها بلدان تقودها حاليا حكومات قومية أو متحالفة مع أحزاب متشددة تحاول مكافحة الهجرة باستخدام الوسائل السياسية.
وتنتقد تلك الدول الاتفاق لأنه لا يميز بين الهجرة القانونية والهجرة غير القانونية. لكن في الواقع، إن النص يشجع على ما أطلق عليه اسم «هجرة منظمة ونظامية»، وفي الوقت نفسه يدعو إلى «تعزيز مكافحة تهريب المهاجرين بين الدول». أي أنه في العمق يحارب الهجرة غير القانونية، ويشجع على الهجرة التي تتم من خلال القنوات النظامية في كل دولة.
ْْ موقع إنترنت للتعرف على التأشيرات ووثائق السفر العالمية
بالإضافة إلى المبادئ، يتضمن الاتفاق إجراءات تهدف إلى تحسين الوصول إلى المعلومات التي يحتاجها المهاجرون، مع إنشاء موقع على شبكة الإنترنت يحتوي جميع المعلومات المتعلقة بقوانين الهجرة النظامية، وشروط منح التأشيرات وملء استمارات الطلبات ودفع الرسوم. فضلا عن المعلومات المتعلقة بتراخيص العمل وشروط التأهيل المهني والتحصيل العلمي، ومعادلة الشهادات الدراسية لكل بلد. كما ينص على إنشاء نقاط استعلام على طول مسارات الهجرة.
وأخيرا، تتعهد البلدان الموقعة ببذل الجهد للعمل على مسألة المواءمة العالمية لوثائق السفر من أجل تيسير الاعتراف بها عالميا. كما تلتزم هذه الدول بتحسين تقديم الإثباتات القانونية لتساعد المهاجرين على إدارة أمورهم بيسر في البلدان التي يعبرون فيها أو البلدان التي تستضيفهم.