سنعرفكم اليوم على واحدة من التقاليد السويدية التي بدأت منذ القرن التاسع عشر ومازالت منتشرة إلى يومنا هذا وتُمارس يومياً ولا يتخيل السويديون مرور يومهم بدون أداء هذا التقليد.. و هو تقليد الفيكا السويدية.
معنى “الفيكا”
لا تتعب نفسك بالبحث بالمعاجم عن معنى كلمة فيكا، فالسويديون لا يفضلون ترجمة هذه الكلمة حتى لا تفقد سحرها الخاص. وهي كذلك من أساسيات الاستقرار والاندماج في المجتمع السويدي.
والفيكا هي وقت مميز وظاهرة اجتماعية حيث يكاد لا يخلو يوم سويدي منها سواءً في العمل، أو في المدرسة، أو عند لقاء الأصدقاء والجيران وحتى بالمنزل. الفيكا تقليد سويدي مُحَبب للكبار والصغار، وهي استراحة للتواصل الاجتماعي فعلياً أكثر منها لمجرد شرب القهوة، ومن المعتاد تناول شيء من الفطائر أو الحلويات بجانبها وكلها تندرج تحت مسمى خبز الفيكا، والخيارات فيها متعددة نذكر منها: خبز القرفة، كرات الشوكولاتة، كعكة الشوكولاتة، حلويات اللوز، الكوكيز، الكيك الملفوفة، كيك أو كعك الهيل، كيك التوت البري، أو شطائر خفيفة بها حشوات المختلفة. وهناك خيارات عديدة للمشروبات أيضاً، فبالرغم من أن المشروب الرئيسي هو القهوة السويدية، إلا أنه يوجد اختيارات متعددة من العصائر و المشروبات الأخرى لمن لايستسيغ طعم القهوة.
هكذا بدأت الفيكا
شُرب القهوة هو تقليد اجتماعي سويدي بدأ في القرن الثامن عشر وكان يقتصر على الاجتماع وشرب القهوة ثم أضيف إليه تناول الشطائر والقليل من المأكولات مع القهوة.
و بما أنه لا يوجد تعريف واحد و محدد لكلمة فيكا فمن الممكن فهمها بعدة طرق: لنأخذ استراحة! لنشرب القهوة! والسويديون بالحقيقة مولعون بالقهوة وهذا ما يجعلها في المراكز المتقدمة بين أكثر الدول المستهلكة للقهوة في العالم.ولكن إذا كانت القهوة مُحَببة بهذا الشكل، لماذا قرر الملك غوستاف الثالث حظرها بل وقام بعمل تجربة عملية لإثبات خطورتها؟
بدأت القصة عندما تَخوف الملك من أن الإسراف في شرب القهوة قد يؤدي إلى الوفاة، ولكن تخوفه الضمني الأكبر كان من امكانية أن تؤدي تجمعات شرب القهوة إلى التخطيط للقيام بانقلاب والإطاحة بالحكم.
و لإثبات ذلك، قرر القيام بتجربة عملية على توأم محكوم عليهم بالإعدام بأن يُجبَر أحدهما على شرب كميات كبيرة من الشاي يومياً، والآخر على شرب كميات كبيرة من القهوة ومتابعتهم من قبل أطباء مشرفين لمعرفة من سيموت أولاً. الطريف أن الأطباء المشرفين توفوا قبل التوأم، ومن بعدها تم اغتيال الملك غوستاف قبل إتمام التجربة.
تبيّن فيما بعد أن من شرب الشاي توفي قبل الآخر الذي شرب القهوة. ومن بعدها تم رفع الحظر عن القهوة في السويد، وهو ما بعث البهجة والارتياح عند السويديين، ففعلاً ما هي الفيكا بدون قهوة!
الفيكا وكفاءة الموظفين
في وقتنا الحالي، تعد استراحات القهوة روتيناً رسمياً في السويد في جميع أماكن العمل بدون استثناء، فيُخَصص لها وقتاً محدداً في الأسبوع، يلتقي فيه الموظفون ويتحدثون عن أمور خارج نطاق العمل لتخفيف الضغط وزيادة الترابط الإجتماعي بينهم ويتم تداول الأحداث اليومية فيه مع التحفظ عن تناول الأمور الشخصية.
وتُعَلّق الكثير من المهام على عاتق استراحة الفيكا، فتُعتبر كمحطة شحذ للطاقات وتنشيط ذهن الموظف وزيادة انتاجيّته تماماً كإعادة برمجة ذهن الموظف من جديد ليواصل عمله. و حسب إحصائية موقع منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية OECD فقد أظهرت السويد تزايداً طردياً في كفاءة الموظفين منذ عام ٢٠٠٩ إلى ٢٠١٧ و لعل أحد أسباب هذه الزيادة هو السر اللذيذ (وقت الفيكا).
ولكن بالرغم من أهمية الفيكا للموظفين، فإن استراحات الفيكا الغير مُقَننة و التي تمتد لأوقات طويلة تعتبر من الأمور السلبية فهي قد تؤثر على سير العمل والانتاجية لو زادت عن حدها.
وقت الفيكا: لا داعي للعجلة
تضيف الفيكا معنى استثنائي إلى شرب القهوة وهو التأني والراحة والاستمتاع باللحظة، فشرب القهوة لا يكون على عجل عند التوجه للعمل أو اللحاق بالباص، ولكن نقتطع من يومنا المضغوط وجدول أعمالنا المكتظ استراحة للاستماع بها. قد تأخذ هذه الاستراحة من ١٥ إلى ٤٥ دقيقة كحد أقصى، وتمثل استراحات شرب القهوة للسويديين تقليد يساعد علي الاسترخاء كحصص اليوغا لذا فلا داعي للعجلة وقت الفيكا.
القهوة في السويد هي لكل وقت وكل زمن، ويشرب السويديون القهوة بعد كل وجبة و في اللقاءات و الاجتماعات وعند الاسترخاء ويمتد شرب القهوة حتي المساء، و قد برهن السويديون على حبهم للفيكا و الحلويات باختيار أيام مختلفة في السنة للاحتفال و التذرع لتناول نوع مختلف من حلويات الفيكا كيوم لتناول معجنات القرفة، و يوم لتناول حلويات السيملا، و يوم لحلويات اللوز و آخر لكعكة الجزر و غيرها الكثير.