في قفص حديدي بمحل لبيع وتجارة الحيوانات في طنطا بمحافظة الغربية شمالي مصر، يقبع ثعلب بري أحمر حبيسا تظهر على ملامحه علامات الرعب، بعد أيام من الاحتجاز في بيئة لم يعتاد عليها مطلقا، وسط ضحكات ونظرات إعجاب من أصحاب المحل والمترددين عليه من الزبائن وأيضا المارة.
لكن بعد أيام وجهت خلالها جمعيات حقوق الحيوان شكاوى متعددة إلى وزرة البيئة المصرية، تحرك جهاز شئون البيئة بالتعاون مع قطاع المحميات التابعان للوزارة إلى المحل الواقع في أحد شوارع مدينة طنطا بمحافظة الغربية لتحرير الثعلب البري، ليتم إطلاقه في الأراضي الزراعية بيئته بعيدا عن الكتلة السكانية في وجود اللجنة وصاحب المحل، طبقا لتعليمات المحميات الطبيعية، وذلك حسب تقرير حصل عليه موقع “سكاي نيوز عربية”.
توافر جميع أنواع الحيوانات
هذا الثعلب المعروض للبيع بسعر 3 آلاف جنيها مصريا، ضمن آلاف الحيوانات البرية، التي تشمل أسود وسحالف وثعابين وأنواع أخرى منتشرة في العديد من محلات بيع الحيوانات في محافظات مصر، أو عبر البيع الإلكتروني من أجل التجارة الرابحة، ما دفع جميعات حقوقية في مجال الحيوان للمطالبة بمواجهة هذه الظاهرة من خلال وزارة البيئة المصرية وقطاع المحميات، وفقًا للقانون.
وتنتشر تجارة الحيوانات البرية في مصر، رغم ما تنص عليه المادة 28 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1996، بأنه يُحظر بأي طريقة صيد أو قتل أو أمساك الطيور الحيوانات البرية، التي تحدد أنواعها اللائحة التنفيذية لها القانون، كما يحظر حيازة هذه الطيور والحيوانات أو التجول بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة.
وواقعة ثعلب طنطا ليست الأولى، فحسب دينا ذو الفقار، الحقوقية في مجال الرفق بالحيوان وعضوة ممثلة عن المجتمع المدني في وزارة البيئة في هذا المجال، فإن عشرات الوقائع لبيع كافة أنواع الحيوانات يتم الإبلاغ عنها عبر الخطوط الساخنة لوزارة البيئة المصرية، يتم التحرك على الفور لفك أسر هذه الحيوانات وتحريرها من النخاسة عبر إطلاقها في بيئتها الطبيعية.
البيع الإلكتروني
ولم تقتصر هذه التجارة على المحلات، لكن امتدت أيضا إلى العرض والبيع الإلكتروني لجميع أنواع الحيوانات البرية بأسعار باهضة، بداية من أشبال السباع إلى الضباع والثعالب والنسانيس والقرود والبغباغنات والسحالي والتماسيح والصقور وطيور برية وغيرها، بأسعار تتجاوز في بعض الحيوانات 100 ألف جنيه.
وتواصل موقع “سكاي نيوز عربية” مع أحد أكبر بائعي الحيوانات البرية في مصر، ويدعى أشرف عبد ربه، لمعرفة أسعار ما يعرضه من حيوانات عبر حسابه الرسمي على موقع التوصل الاجتماعي فيسبوك بالمخالفة لقانون البيئة.
أسعار خيالية
وبسؤاله عن أسعار أبرز الحيوانات المعروضة، قال إن أسعار زوج الضباع ذكر وأنثى يبلغ 70 ألف جنيه وأن أعمارهم سنة ونصف، موضحا أنهم غير شرسين والتزاوج بينهما يبدأ في عمر سنتين.
وحول أسعار أشبال السباع، قال البائع لموقع “سكاي نيوز عربية”، الذي تواصل معه كشخص راغب في الشراء، إن سعر الشبل الواحد يبلغ 40 ألف جنيه وعمره 40 يوما، مضيفا أن أسعار الصقور تُحدد حسب النوع وتبدأ من 1500 جنيه إلى أكثر من 60 ألف جنيها.
ويؤكد أيضا توافر كافة أنواع الحيوانات، من أشبال سباع وضباع وثعالب ونسانيس وطيور برية وثدييات، وهو أيضا ما يعرضه عبر صفحته الشخصية مرفقا بها الأسعار وصور أو فيديو للحيوان المعروض للبيع.
وحسب مصادر في وزارة البيئة المصرية، فإن هناك تتبع لأشخاص يمثلون شبكات لبيع وتجارة الحيوانات البرية سواء عبر الإنترنت أو محلات يتم رصدها بالتعاون بين قطاع المحميات وجهاز شئون البيئة وجمعيات الدفاع عن حقوق الحيوان.
وأكدت الحقوقية دينا ذو الفقار، بضرورة تفعيل دور مديريات الطب البيطري التابعة لوزارة الزراعة المصرية في الرقابة على محلات بيع الحيوانات، ومصادرة الحيوانات البرية المصرية وإعادة إطلاقها بالتعاون مع قطاع المحميات في كل مصر وغير المصري يسلم لحديقة حيوان الجيزة، مؤكدة أنه لا يجوز الإمساك بهذه الحيوان أو عرضها للبيع أو إتلاف أعشاشها.
المنتجعات الشهيرة
وأضافت لموقع “سكاي نيوز عربية” أن نتيجة هذه التجارة تظهر بصورة كبيرة في المنتجعات الشهيرة مثل السلاحف البحرية وأشبال السباع كنوع من جذب السياح للتصوير مع تلك الحيوانات، وهو ما يخالف القوانين.
واستلمت حديقة حيوان الجيزة قبل أيام أحد أشبال الأسود من مواطن بعد تحرك من وزارة البيئة المصرية والجهات المسئولة، حيث أوضحت دينا ذو الفقار أن سيدة تعيش في مدينة الجونة اشترت شبل أسد من إحدى المحلات دون معرفة الموقف القانوني من حيازة هذا الحيوان، ما دفع الجهات المسئولة للتدخل وتسليمه للحديقة.
وأشارت دينا ذو الفقار إلى أن هذه التجارة رابحة وتجعل أصحابها أثرياء ما يدفع كثيرين للجوء إليها، موضحة أن هناك فرق بين الحيوان البري والمستأنس وأن التصرف الإيجابي هو التواصل مع السلطات مع المنوطة، خاصة شرطة البيئة والمسطحات.
وتتوزع هذه التجارة بين عدة محافظات تشتهر كل واحدة منها بتداول وبيع حيوانات معينة، حيث تشتهر محافظتي بورسعيد والإسكندرية بتجارة السلاحف البحرية، والقاهرة ودمياط والجيزة والغربية بالثعالب والنسانيس والثعابين، والمنتجعات السياحية بأشبال السباع، والإسماعيلية وطريق عين السخنة بالطيور البرية خاصة الصقور.
واتفقت مدير مؤسسة حماية الحيوان في مصر، حنان دعبس، حول ضرورة مواجهة هذه التجارة التي تؤثر بصورة بالغة على الحيوانات البرية، مؤكدة انتشارها بصورة كبيرة في الأماكن السياحية.
وحذرت دعبس خلال حديثها من ممارسات وانتهاكات في حق هذه الحيوانات، على رأسها تخدير أشبال السباع والسحالي كبيرة الحجم وربط الفم بصورة محكمة، واستخدامها كوسيلة ترفيهية للتصوير في الأماكن السياحية.
وتوفر وزارة البيئة المصرية خطا ساخنا يتبع جهاز شئون البيئة تحت شعار كن إيجابيا لحماية الحياة البرية، وكذلك خط آخر للهيئة العامة للخدمات البيطرية المصرية لتلقى الشكاوى، بالإضافة إلى إعداد حملات واسعة للتحرك في مواجهة أي بلاغات لها علاقة بهذه التجارة أو الانتهاكات في الحيوانات البرية في مختلف المحافظات.
على الطريق الصحيح
ويقول رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجي بوزارة البيئة المصرية، أيمن حمادة، إن التجارة في الحيوانات البرية من الجرائم المربحة وواحدة من أهم الضغوط على التنوع البيولوجي التي يواجهها العالم، موضحا أن هذه التجارة على المستوى العالمي ينظمها مافيات عالمية لأرباحها الكبيرة.
وأشار في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى أن هذه المكاسب تستخدم في كثير من الأحيان لدعم النزاعات القبلية، خاصة الدول الإفريقية المصدر والمنبع الأول للحياة البرية في العالم، مؤكدا أن ذلك دفع الأمم المتحدة إلى الدعوة للتكاتف ووضع استراتيجيات عالمية لمواجهة جرائم الحياة البرية، والتي على رأسها اتفاقية التنوع البيولوجي للأمم المتحدة.
وأضاف أن هناك اهتمام على المستوى العالمي والدولي والوطني للقضاء على جرائم الحياة البرية، بما في ذلك مصر التي تترأس الدورة الحالية لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، موضحا أن وزارة البيئة تتبع على المستوى الوطني العديد من الآليات بالتنسيق مع الجهات المعنية لمواجهة هذه الأعمال المنافية للقانون.
وأوضح حمادة أن إحدى هذه الآليات هي التعاون مع المجتمع المدني والتحرك لتتبع كل البلاغات التي تصل الوزارة بأي وسيلة، مؤكدا الاستجابة لأكثر من 95 بالمئة من البلاغات التي تتعلق بالحياة البرية.
بلاغات وشكاوى
ولفت إلى أن عدد البلاغات والشكاوى التي تم التعامل معها بلغت 312 في عام 2018 و394 في 2019 و136 في عام 2020، موضحا أن عدد الضبطيات وقضايا الحياة البرية بلغت 18 حالة في 2018 و23 حالة في 2019 و8 حالات في 2020.
وأكد أن هناك خطة للتفتيش على كل الأنشطة المتعلقة بالحيوانات البرية كالسيرك والمعارض، مع حملات واسعة للتفتيش على الأسواق المنظمة والثابتة ومحلات بيع الحيوانات، بالتنسيق مع شرطة المسطحات والبيئة، موضحا أنه يتم التنسيق أيضا مع وزارة الزراعة المصرية فيما يتعلق بالموافقات على المزارع للحيوانات من بيئة مصرية أو مستوردة.
وشدد المسؤول المصري على أن أجهزة الوزارة تُطلق حملات توعية على مواقع التوصل الاجتماعي بأهمية حماية الحياة البرية ودعم التنوع البيولوجي، مشيرا إلى أن نقص الوعي من التحديات الكبيرة وعلى قائمة أهداف التي يتم العمل على تحقيقها لدعم التنوع البيولوجي.
وحول القوانين التي تحمي الحياة البرية في مصر، قال إن قانون رقم 4 لسنة 1994 بإصدار قانون في شأن البيئة والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009، ينظم التعامل مع الحيوانات البرية في مصر من استخدام وصيد وتدوال، مضيفا هناك العديد من التحديات لكننا على الطريق الصحيح في حماية الحياة البرية.