في الصالون الثقافي لنقابة الصحفيين.. وفي نفس الموعد..يستضيف الصالون كما اعتادنا كبار الشخصيات، واليوم كانت الندوة بعنوان “الكاريكاتير وحرية الإبداع” والتي استضاف فيها شريف عليش ونبيل صادق أحد أهم رسامي الكاريكاتير في مصر عبر نصف قرن مليئة بالإبداع، فنبيل صادق أول من أبدع في مناخ الحرية المطلقة في أول جريدة معارضة مصرية عام ١٩٧٧ وهى جريدة الأحرار وقبلها عمل في جرائد كثيرة مثل صوت الشرقية والجمهورية والأهرام الرياضي ورسم في معظم الجرائد الحزبية والقومية وأسس مدرسته المستقلة في الصحافة الكويتية التي وضع بصمته فيها على مدار ٢٠ عام وحصل على جائزة التفوق من نقابة الصحفيين عام ٢٠٠٦ عن مجمل إبداعاته في جريدة الأهالي.
وبحديثه عن محطات رحلته قال:” تخرجت من الفنون
الجميلة وكانت دراسة أكاديمية تعلمت فيها التشريح ونسب رسم الإنسان أما في روزاليوسف تعلمت رسم وصناعة الكاريكاتير في مدرسة اتسمت باحتضان المواهب فقد بدأت وسط عظام أمثال صلاح چاهين وحجازي وعرفت كيف أرسم صورة تلخص ألف كلمة وألا أتعجل في رسم الحدث أو الفكرة فقط ولكن أفكر جيداً لتخرج في أفضل صورة، ومن أفضل رؤساء تحرير في روزاليوسف “لويس جريس”و”جمال كامل” الذي كان أول قراراته بعد توليه رئاسة التحرير هو تعييني في مجلة”صباح الخير” وهي من المجلات التي أضافت لي فعلا، ولم تكن تحمل أى صورة فوتوغرافية بل كانت كاريكاتير فقط من الغلاف للغلاف، وأول غلاف رياضي في المجلة كان لي راسنا “حسن شحاته”وهناك الغلاف صاحب الخمس شخصيات الأكبر في الكرة وهم “حسن شحاته، محمود الخطيب، مصعب نور، لاعبى الاتحاد والمقاولون وقتها لا أتذكر أسماؤهم” وكان هناك إقبال كبير على العدد فينفذ بمجرد صدوره.
وفي أوائل التسعينيات أنشئت “الأهرام الرياضي” وتميزت بحرية كبيرة في النشر والإبداع وقاموا بعمل صفحة كذلك في الأهرام بعنوان”ستاد الأهرام ” طلبت لأرسم فيها، ثم انتقلت إلى الكويت وهى محطة مليئة بحرية التعبير كذلك فأعتقد أنه وصل الأمر للتعليق على الأسرة الحاكمة مثلا بخلاف بلاد مثل السعودية وقطر والإمارات وساعدني في هذه الفترة كثيراً الأستاذ الفاضل “محمود السعدني” الذي علمني كثيراً عنهم وعن كيفية تقديري لموهبتي كى يقدرها الآخرون”.
وبالحديث عن “رجائي” قال:” أثر في الكثيرين بلاشك، ولن أنسى رسمته التي جمع فيها كل صحافيي مصر أو رسمة الثوار والخطوط التي رسم بها تعبير كل وجه منهم،وهذا هو الفن أن ترسم خط يلخص ألف كلمة وليس كما نرى الآن مجرد وجه وجسم مصغر الحجم ونطلق عليه كاريكاتير ولا ندري أهذا سخرية من القراء والجمهور أم هى ضعف في قدرات الرسامين الموجودين، ،فقديما وبرغم ازدحام روزاليوسف بأشهر الرسامين إلا أنها لم تغلق بابها في وجه أى قادم أما الآن فلا يوجد رئيس تحرير يعترف بأهمية الكاريكاتير أصلا”.
وبسؤاله عن تاريخ الكاريكاتير قال:” بدأت الصحافة في العشرينات حيث تميز هذا العهد بليبراليته وحريته في تقديم المواد مما جعل لنا الريادة في الوطن العربي وانعكس هذا بدوره على فن الكاريكاتير كمادة تلخص أى موضوع في رسمة تصل بسهولة إلى المتلقي وتحل أحياناً أعقد المشاكل في سخرية مقبولة، وفي عام ١٩٠٨ أنشئت الفنون الجميلة واستقبل فيها”أمير يوسف كمال”مجموعة من أعظم الفنانين الأجانب مثل”خوان” و”بيرلي” وغيرهم ممن كانوا الرعيل الأول الذي تعلم منهم كثيرون وكان أولهم وأهمهم”رخا”، وتوالت النماذج بعدها في حرية مطلقة فلعل تجربة”محمود مختار” ومهاجمته لسعد زغلول في أكثر من ١١ كاريكاتير والموجودة إلى الآن موثقة تشهد على مدى حرية التعبير وقتها، ثم جاءت ثورة ١٩٥٢ ونكسة ١٩٦٧ وقتها وانفراد الحكومة وقتها بحزب واحد له كل الصلاحيات مما أدى إلى تراجع فن الكاريكاتير كثيرا حتى جاء الرئيس السادات وأعاد الأحزاب مرة أخرى بعد سطوة الحزب الحاكم، فكانت هناك مدرستان في الكاريكاتير في جريدتى “الأخبار”و”روزاليوسف”، وفي الأخبار اعتادوا الإجتماع كل أربعاء لمناقشة فكرة الكاريكاتير الجديد وهو مااختلفت عنهم فيه روزاليوسف التي آمنت طوال الوقت أن الإلهام صاحب الفكرة ،ورغم إجبار أى صحفي وقتها قبل العمل على الإنضمام إلى الإتحاد الاشتراكي إلا أن هناك مجلات إقليمية شهيرة كان لها صوت وصدى وظل الأمر هكذا حتى عهد مبارك”.
وبادره الحضور بالعديد من الأسئلة كان أولها حول تأثير السوشيال ميديا على تراجع الكاريكاتير فقال:”السوشيال ميديا تدعم أى رسمة جيدة أو غير جيدة مما جعل الهواة يظنون أنهم رواد ويقومون بإعطاء دورات لتعليم فن الكاريكاتير وهذه كارثة حقيقية فهذا الفن لايعلم أو يدرس هي موهبة بالأساس وتصقل بالدراسة، ولعل هذا بسبب عدم اهتمام الجميع بهذا الفن سواء جمهور أو رؤساء تحرير أو حتى الأجيال الجديدة فندوتنا اليوم مثلا يحاضر فيها اثنان من رسامي الكاريكاتير لأكثر من ٥٠ عاما ولا وجود منافس واحد من الشباب معنا، كما أن الجو العام أصبح طارد للثقافة فلن تولد فيه ثقافة وتعيش أبدا”.
أما ثاني الأسئلة فكان عن إمكانية وجود كاتب للكاريكاتير مع الرسام كما حدث في تجربة “أحمد رجب”و”مصطفى حسين” فقال:” ولم لا؟ فإذا كان هناك كاتب جيد جداً ولا يعرف الرسم وهناك رسام ممتاز وليس لديه فكرة..فلماذا لا أستفيد بكليهما،”.
ثم طالب أحدهم بإنشاء رابطة لرسامي الكاريكاتير والفن الساخر في مصر والتى علمنا أنها موضوع معروض بالفعل على النقابة ومحل مناقشة، ولكن تحدث شريف عليش في أسف فقال:” نحن في مصر لا نجيد فن التعامل في جماعة فلقد رأست سابقاً جمعية الكاريكاتير في مصر ولكن دخلت المحسوبيات والضغائن حتى اندثرت تماما”.
أما عن سؤاله “هل يجب أن يكون رسام الكاريكاتير خفيف الظل؟” أجاب:” لا يشترط أبدا خفة الظل فيجب أن يكون هناك فرق بين رسام الكاريكاتير وعادل امام مثلا كممثل يقدم الكوميديا ، فقد أكون ذو طبية جادة في عملي وإيجاد فكرتي ولكني أجبرك على الضحك عندما تخرج إلى النور، وكذلك لا يتعلق الأمر بالسياسة البحتة فقط فنحن لسنا ساسة والكاريكاتير ليس فن سياسي فقط وإنما نحن فنانين في الأساس نرى بأعيننا الموقف ثم تصاغ له الفكرة ولهذا أرى ما ينتشر الآن من ورش لتعليم الكاريكاتير هو مجرد “ابتذال” ليس إلا “.