الرئيسيةأخبار الكنيسةبعد تسجيل اليونيسكو على التراث اللامادى..إحتفالات العائلة المقدسة تزين صعيد مصر في...

بعد تسجيل اليونيسكو على التراث اللامادى..إحتفالات العائلة المقدسة تزين صعيد مصر في إيبارشية ملوى



تسجيل ملف الاحتفالات المتعلقة برحلة العائلة المقدسة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة اليونسكو، إنجاز كبير، فقد نجحت مصر في ديسمبر الماضي في تقديمه للبشرية كلها لكى يعرف كل العالم ما تركته العائلة المقدسة من إرث وقت هروبها إلى بلدنا مصر من روايات ومعجزات وكنوز أثرية واحتفالات تتم على نقاط مسار العائلة المقدسة.
من ضمن هذه الاحتفالات إحياء تذكار استشهاد أطفال بيت لحم – ورحلة العائلة المقدسة لمصر بكوم ماريا بدير أبوحنس في إيبارشية ملوي، والتي تمت في مطلع شهر فبراير من هذا العام.
بدأت رحلة العائلة المقدسة في مدينة ملوي، من بير السحابة في أنصنا، وتسمي بير السحابة نسبة لوالدة الإلة السحابة الخفيفة ( السريعة) كنبوة أشعياء النبي (أش19 :1 )، وعندما أرادت العذراء أن تسقي الطفل يسوع ولم تجد ماء فبارك الرب المكان وأنبع هذا العين. ويقصده إلي اليوم أهالي المنطقة من المسيحيين والمسلمين للتبرك منه ونوال الشفاء للمعجزات التي تحدث باستمرار، وهو البئر الوحيدة التي تنبع ماءً حلوة برغم أن الأبار المحيطة به ماؤها مالحة.
احتفلت الإيبارشية بتذكار استشهاد اطفال بيت لحم وبدء رحلة هروب العائلة المقدسة لمصر، بكوم ماريا- دير أبو حنس علي الضفة الشرقية لنهر النيل بمدينة ملوي، تحت رعايه نيافة الحبر الجليل الأنبا ديمتريوس مطران ملوي وأنصنا والأشمونين، وكان ذلك بمشاركة أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء الأنبا أغابيوس مطران ديرمواس ودلجا، والأنبا قزمان أسقف سيناء الشمالية، والأنبا إيلاريون أسقف البحر الأحمر، والأنبا ثاؤفيلوس أسقف منفلوط، وبحضور اللواء أحمد السايس رئيس مدينة ملوي نائبا عن محافظ المنيا، وحضور لفيف من كهنة إيبارشية ملوي ومن ايبارشيات مجاورة. كما شارك الاحتفالية أعضاء هيئة التدريس بمعهد الدراسات القبطية، وعدد من النقابات والشخصيات العامة وبعض رجال الاعمال وإعداد غفيرة من ابناء القرية.

وبدأ الاحتفال بموكب مهيب علي الشاطئ الشرقي لنهر النيل، ودخل موكب الآباء الأساقفة المشاركين ويتقدمهم فريق للكورال وخورس الشمامسة، وسط ألحان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية،
وقدم فريق المسرح بقيادة المخرج رأفت ميخائيل – منظم الاحتفالية – تجسيدا للعائلة المقدسة وهي قادمة عن طريق النيل مستخدمين معادية نيلية قادمة من الأشمونين، وعقب ذلك توجه الحضورإلي مكان الاحتفالية. وتقدم نيافة الأنبا ديمتريوس ببدء الاحتفال، وتم توزيع علم جمهورية مصر العربية على جميع الحضور.
وجاءت كلمة نيافة الحبر الجليل الأنبا ديمتريوس مطران ملوي وأنصنا والأشمونين، ورئيس ديري آڤاڤيني والبتول العامرين.. فقال: في البداية نشكر الله الذي بارك بلادنا، مبارك شعبي مصر (أش ٢٥:١٩) وأعطانا أن نحتفل بزيارة العائلة المقدسة لمصر كل عام. وإنني أشكر كل من شاركنا الاحتفال من القيادات الرسمية ورجال الدولة والقيادات الشعبية والدينية والسادة الضيوف الأحباء من كل مكان سواء من داخل مصر أو من الأجانب، وأيضا الشيوخ والأئمة الذين شاركونا الاحتفال، والي كل الذين شاركوا من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ والي الجمع الكريم.
وفيما يخص احتفالنا السنوي بموقع كوم ماريا – إحدى أهم النقاط التي زارتها العائلة المقدسة بمصر وأحد أربعة أماكن بايبارشية ملوي، والثلاث مواقع الاخرى بالايبارشية هي: الأشمونين التي اعتبرت من أهم محطات رحلة العائلة المقدسة في مصر وقضت بها اكثر من ثلاثة اشهر، وديروط أم نخلة وهي قريبة من الاشمونين وفي دخول الرب يسوع المسيح إلي الأشمونين تحطمت الأوثان وانحنت الأشجار والنخيل إجلالا لخالقها، وبها نبع ماء تعرف ببئر السحابة نسبة الى السحابة (الخفيفة) كنبوة أشعياء النبي ( أش ١:١٩) وكذلك بئر السحابة في أنصنا الذي على الطريق بين دير أبوحنس وقرية الشيخ عبادة بالقرب من دير البتول الأثري بانصنا ولازال ينبع ماء حلواً وبجواره سبيل ماء.
وأوضح نيافته أن كوم ماريا عبارة عن كوم مرتفع أسفل الجبل الشرقي، وبالقرب من كنيسة العذراء بدير أبوحنس. وتقام في هذا المكان احتفالات دينية في 11/ 12 يناير (3 طوبى) تذكار لاستشهاد أطفال بيت لحم وهو توقيت بدء رحلة العائلة المقدسة. وفي شهر يونيو من كل عام في عيد دخول السيد المسيح أرض مصر، وفي عيد السيدة العذراء حالة الحديد، ويأتي إلى هذا المكان الأحباء الذين يشاركوننا الاحتفال من القيادات الرسمية وغير الرسمية وتكون مناسبة تجمعنا على المودة والمحبة مع الجميع، ويتوافد الزوار من كل أنحاء مصر وخارج مصر لنوال بركة زياره أماكن مسار العائلة المقدسة.
واختتم نيافته قائلاً.. نطلب من إلهنا الصالح دوام المحبة في شعبنا والأمن والأمان لبلادنا الحبيبة مصر بشفاعة أمنا العذراء القديسة مريم والقديس يوسف النجار – خادم سر التجسد الإلهي، وطلبات كاروزنا الحبيب القديس مرقس الإنجيلي، بصلوات أبينا البابا المعظم الانبا تواضروس الثاني أمين.

ومن جانبه رحب القس دافيد حنا، بالسادة الضيوف وقدم الشكرللجميع، ذاكرا في كلمته المناطق التي قامت العائلة المقدسة بزيارتها.
وقدم فريق الكشافة عرضاً بتشكيلات يتقدمها حملة الأعلام مع فريق يضم مجموعات للطرق على الطبول. ويحملون صورة كبيرة لهروب العائلة المقدسة مكتوب عليها “مبارك شعبي مصر” و”من مصر دعوت ابني”
وجاءت كلمة نيافة الحبر الجليل الأنبا أغابيوس مطران ديرمواس ودلجا، قال فيها: إن هذه الاحتفالية تعطينا جميعآ روحاً جديداً لمواصلة مسيرة السيد المسيح على هذه الأرض، والاحتفال بهذا اليوم هو تجديد للروح الإيمانية التي تعمل فينا عملاً وايماناً .
وأضاف نيافته، في هذه المناسبة لا يفوتني أن أقدم للسيدة العذراء مريم كل الشكر لأنها قامت بمباركة هذا المكان ومكثت فيه مع السيد المسيح مخلصنا ويوسف النجار – خادم سير التجسد الإلهي.
وقال نيافة الحبر الأنبا قزمان – أسقف سيناء الشمالية – الذي جمعنا في هذه المناسبة المطران الجليل الأنبا ديمتريوس، والذي يحرص دائما علي إقامة هذه الاحتفالية كل عام، حيث استقرت العائلة المباركة في هذا المكان المقدس..
والعائلة المقدسة دائما تذكرنا أننا نحن جزء من هذه العائلة، وتكون مثلنا الأعلى لكل أسرة في الطاعة، وعندما تكون”الأسرة”على مستوى من القداسة سيكون المجتمع متماسكاً، ولتكن العائلة المقدسة لنا مثلاً أعلى لنا جميعآ في قداستها وطاعتها لله.
وأضاف الأنبا قزمان قائلاً: نلاحظ أن العائلة المقدسة لم تكن مرفهة لكنها جازت في ضيقات وصعاب كثيرة ومتعددة، متغربة وأحيانًا أخري مقتادة، لكن الله لم يتركها واعطاها قوة تتغلب بها علي الصعاب والمشاكل والضيقات، وكانت قدوة ومثالا في الترابط والثبات للبشرية أجمع.
واختتم نيافته، خص الله أرض مصر ببركات لا تحصي، وستظل مصر ثابتة ومتماسكة بقوة شعبها لأن مصر في قلب الله ومذكورة في الكتب المقدسة.
ومن جانبه تحدث الأنبا إيلاريون أسقف البحر الأحمر، عن صفة فريدة في هذه الرحلة المباركة وهي “الطاعة”.. فطاعة أفراد العائلة بدأت بالسيدة العذراء مريم عندما أطاعت الملاك ميخائيل أثناء البشارة ثم جاءت طاعة يوسف النجار، وبدأ في خدمة سر التجسد الإلهي، حتى السيد المسيح الأقنوم الثاني وتجسد وولد وصار رأس هذه العائلة المقدسة وصار إلهاً متجسدا لنا.

وفي تصريح خاص لوطني، قال الدكتور إسحاق عجبان – عميد معهد الدراسات القبطية – إن احتفال كوم ماريا بملوى – يعتبر من أشهر الاحتفالات المرتبطة بمسار رحلة العائلة المقدسة فى مصر. وهو احتفال متميز بعناصره الفنية الفريدة وتجسيد أحداث الرحلة فى شكل درامى رائع .. ويتميز هذا الاحتفال بالمشاركة الشعبية الواسعة ويعكس صورة رائعة لمشاركة المسيحيين والمسلمين معا فى محبة وطنية، بمشاركة رجال الدين الإسلامي والمسيحى والمسئولين مما يعكس للعالم كله وحدة النسيج الوطنى.
وأضاف عجبان: يأتي الاحتفال هذا العام بعد إعتماد اليونسكو فى ديسمبر الماضى، للاحتفالات المرتبطة بمسار رحلة العائلة المقدسة ضمن قائمة التراث الانسانى العالمى غير المادى، وكان من ابرزها احتفال كوم ماريا، مما يضفى أهمية خاصة لهذا الاحتفال بكونه تراثاً مصرياً وتراثاً عالمياً فى نفس الوقت.
ومن جانبه صرح الدكتور صفوت موريس – عضو المجلس الملي الفرعي بملوي، أن نيافة الحبر الجليل الأنبا ديمتريوس يحرص على تجديد مراسم الاحتفالية كل عام، ونطلب من الرب أن يكون الاحتفال فى المزار الجديد في العام القادم في مكان الكرم.
وقدم المخرج رأفت ميخائيل، الشكر لنيافة الأنبا ديمتريوس، موضحاً أن الاحتفالية يتم التخطيط لها بأفكار جديدة مختلفة في كل عام، وأثناء التحضير والتجهيز كنا نضع أمامنا أن العالم سوف يشاهد هذا الاحتفال المهيب وهو ما أعطانا إصراراً علي أن يظهر بشكل متكامل يليق بعظمة المكان المبارك الذي زارته العائلة المقدسة ومكثت فيه وباركته.وتم تجسيد أحداث رحلة العائلة المقدسة في شكل درامى مميز بمشاركة مجموعات من المسرح والكورال والكشافة.

وعن تاريخ الاحتفالات بملوي وفي كوم ماريا تحديداً، صرح لوطني الباحث الأثري إسحق إبراهيم الباجوشي – عضو لجنة التاريخ القبطي، بأن الاحتفالات القبطية بهروب العائلة المقدسة في أماكن تواجد العائلة المقدسة هو تقليد قديم منذ فجر المسيحية حيث نجد صدى ذلك في الميامر القبطية التي كتبها كل من البابا ثيؤفيلوس البطريرك الثالث والعشرين والبابا تيموثاوس البطريرك السادس والعشرين والميمر المنسوب للقديس يوحنا فم الذهب، وكذلك بعض الأساقفة منهم الأنبا زخارياس أسقف سخا تنيح عام 730م، والأنبا قرياقوس أسقف البهنسا قبل القرن الحادي عشر وغيرهم من المؤرخين القبط أمثال: موهوب بن منصور بن مفرج الإسكندراني، أبو المكارم سعد الله جرجس بن مسعود، وبعض المؤرخين المسلمين مثل المقريزي والقلقشندي، وصاحب فتوح البهنسا الغراء، وغيرهم، وقبل ذلك بعض البرديات التي سردت عن مدة تواجد الرب يسوع في مصر.
وفي احتفالات كوم ماريا قديماً كان يتم الاحتفال أو الخروج من قرية دير ابو يحنس إلى كوم ماريا ثم الصعود على الجبل لزيارة الكنيسة هناك، عدة مرات في السنة منها يوم عيد العذراء حالة الحديد (21 باوونة الموافق يوم 28 من شهر يونيو)، ويوم أحد الشعانين ومرة في عيد قتل أطفال بيت لحم (6 طوبة الموافق 11 يناير)، وعيد دخول السيد المسيح أرض مصر في (24 بشنس الموافق 1 يونيو). وكان الموكب يخرج من كنيسه الأنبا يحنس إلى منطقة تواجد مقبرة الشهداء والقديسين موقعها الحالي كنيسة العذراء بدير ابو يحنس، ثم يمر إلى التل القريب والمعروف بكوم ماريا ثم يصعدون على الجبل إلى كنيسة الجبل (تعددت تسمياتها: الأنبا قلتة الطبيب، مار يوحنا المعمدان، العذراء مريم، أبو يحنس كنيسة الجبل)، وينتشرون في المغائر المحيطة، ثم يرجعون مرة أخرى إلى الكنيسة.
ثم اختزل الاحتفال فترة من الزمن إلى تذكارين فقط في العام واستحدث بعد ذلك احتفالهم بيوم عيد العذراء في 24 اغسطس.
وقبل أن يكون هناك اهتمام من قِبل المسئولين كان هناك اهتمام خاص من قِبل القمص ميصائيل بحر حيث نشر عن الاحتفالات بدخول العائلة المقدسة إلى مصر ودور ذلك في تنشيط السياحة الدينية في مصر وذلك في غضون عام 1964م في مجلة صوت الشهداء وجريدة وطني، رسالة الكنيسة عام 1970م، كذلك ما نشره الأستاذ مسعد صادق من تقارير وتحقيقات عن الاحتفالات في كوم ماريا.
وبعد أن تمت سيامة حضرة صاحب النيافة الحبر الجليل الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي وانصنا والاشمونين (لاحقًا مطرانها) أولى اهتمامًا خاصًا بتلك الأعياد والاحتفالات المصاحب لها فقام بتدشين وتنظيم احتفالين كل عام. الأول: في 6 طوبة (الموافق 11 يناير) تذكار قتل أطفال بيت لحم، والثاني: في 24 بشنس (الموافق 1يونيو) عيد دخول السيد المسيح إلى أرض مصر، وبدأ ذلك في غضون عام 1997 حيث أوصى الأنبا ديمتريوس كل كنائس الايبارشية للاشتراك بعدد من الشمامسة وكاهن الكنيسة وتنظيم الموكب الذي يقف الشمامسة صفين يتقدمهم الصليب، والأيقونة الخاصة بالعيد لكل من العيدين والكهنة بيدهم المجامر ويستعدون شرق النيل عند مرسى خاص أعدته مطرانية ملوي لذلك، ويعبر صاحب النيافة وضيوفه الكرام من الأساقفة ورجال الدين الإسلامي وممثل الأزهر والأوقاف المصرية، ورجال الدولة، وسفراء وقناصل الدول الأجنبية، وبعد أن يعبرون النيل يمشي الموكب بالملابس الخاصة بالخدمة يتقدمهم حملة الأعلام والبيارق وذلك بالألحان القبطية والعربية الخاصة بالعيد، حتى يصلوا إلى كوم ماريا ويقوموا بصلاة الشكر والتمجيد وكلمات ممثلي الإيبارشيات والأئمة وقناصل الدول، ومحافظ المنيا، ونواب مجلس الشعب، ثم ينصرفون بعد قضاء يوم حافل، وذلك ما أدى إلى إثراء الاحتفال ونشره عالميًا حتى لفت نظر العالم كله لهذا الاحتفال، وهو ما حدى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة لوضع صورة الاحتفالية على أحد كتبها “عن المسيحيين في مصر” على غلافه.
ويحافظ صاحب النيافة وشعب الايبارشية على إقامة هذا الاحتفال سنويًا، ولم يحول دون ذلك إلا جائحة كورونا عامي 2021، 2022م، ولكن عاد الاحتفال هذا العام قويًا وتم تغطيته من القنوات الدينية، وجريدة وطني ومثل هذه التغطيات هي ترفع اسم مصر عالميًا حيث تمت الموافقة على إدراج احتفالات مسار العائلة المقدسة على قائمه التراث العالمي بمنظمة اليونسكو وهو ما جعل مصر تحوذ على احترام أكبر المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي.
ومما هو جدير بالذكر إننا استطعنا جمع أكثر من 160 مقطع غنائي شعبي يصور ميلاد السيد المسيح والهروب كذلك وصف لأماكن الزيارة من خلال الأغاني الشعبية في قرى ملوي في البياضية ودير أبو حنس ودير الملاك ودير البرشا والبرشا.
وعلى هامش هذه الإحتفالية ومناقشة تاريخ احتفالات الأقباط في مصر ولماذا يحرصون حتى الأن على استمرارية تلك الاحتفالات في مسار العائلة المقدسة، صرح الدكتور إبراهيم ساويرس – باحث في علم القبطيات واستاذ اللغة القبطية وأدابها المساعد بجامعة سوهاج، أنه طبقا لأسطورة إيزيس وأوزوريس وهي الأسطورة المؤسسة للديانة المصرية القديمة، والأسطورة الأشهر في تاريخ مصر القديم، تم تقطيع جسد أوزوريس وتوزيع أجزاء جسده على مناطق متعددة من مصر، وجاءت رأس الإله أوزير في إحدى المناطق وهي منطقة أبيدوس في سوهاج بالبلينا واستقر الحال في مصر القديمة أن الأماكن التي وجدت فيها أجزاء من جسده وخاصة رأسه يصبح لها قداسة أكثر من الأماكن الأخرى في أرض مصر. وأصبحت مدينة أبيدوس في سوهاج موقع حج وكانت الناس تأتي في عيد سنوي إلى هذا المكان لكي تحتفل بالإله أوزير وتعلن إنتمائها له ومحبتها له. وكان هذا يرتبط بعدة عادات أولها وأهمها أن كل من يأتي للحج في هذه المنطقة يترك في هذا المكان ما يثبت مجيئه.
هذه الفكرة عاشت في الذهنية الشعبية للأقباط أن بعض الأماكن لها قدسية أكثر من الأماكن الأخرى، وبالطبع هذا يتجلى بمعرفتنا للأماكن التي استقرت فيها العائلة المقدسة لأوقات أطول وكان لها فيها معجزات أو قصص لها علاقة بإنحناء الأشجار للسيد المسيح أو باستحمام السيد المسيح أو انفجار المياه في الآبار بأقدام الطفل المبارك – طبقاً لرواية البابا ثائوفيلس – والتي ظهرت له تفاصيل الرحلة السيدة العذراء بدير المحرق.
الأقباط تبنوا نفس فكرة الاهتمام بتلك الأماكن التي بالضرورة الحج إليها ويجب زيارتها في تواريخ محددة مرتبطة بزيارة العائلة المقدسة لهذه الأماكن وهذا الأمر يجد تجلي له في زيارة الناس إلى جبل الطير وكوم أوشيم وفي دير المحرق والكثير من المناطق الأخرى.
من ناحية أخرى الآباء الأساقفة والقساوسة المسئولين عن تلك الأماكن المباركة يقومون بإعداد هذه المواسم التي تعتبر حج أو زيارة للأقباط في مواعيدها المحددة من كل عام. هذه الزيارة المباركة دائما تكون مرتبطة – مثل أجدادنا القدماء – بترك شئ يثبت وجوده هناك، فهناك من يتبرع بستور المذبح أو البخور أو أيقونات للقديسين والأدوات الخشبية، وأحيانا إذا كانت التبرعات كبيرة يكون مدون اسم المتبرع وعائلته، وهذا ظهر في الفيوم وجبانة البجوات.. حتى الفقراء أيضا كانوا يتبرعون بأشياء بسيطة تعبيراً عن امتنانهم وتباركهم بهذه الزيارة.
وفيما يتعلق بزيارة العائلة المقدسة بخلاف كل ذلك كان يتم إحتفالات على جانبين، جانب احتفالات الكنيسة بالصلوات الليلية التي تنتهي بالقداسات الصباحية اليومية ومن ثم كانت تتم إفطارات وموائد جماعية ليس لإطعام الفقراء القادمون للبركة فقط ولكن أيضا لضمان وحدة المسيحيين والزوار القادمون للمكان من أماكن متعددة بعيدة.

وكانت من ضمن عادات الاحتفالية قديماً، هي التلاقي حيث كان أحد الكهنة الذين لديهم الشهرة بالوعظ والكلام، يقرأ الميامر عن رحلة العائلة المقدسة وعن المعجزات التي حدثت وقت الرحلة المباركة وأيضا المعجزات التي حدثت باسم السيدة العذراء والقديس يوسف ويسوع المسيح إلى يومنا هذا، فيتكلم ذاكراً أحيانا أسماء الناس المعاصرين في تلك الروايات.
وكانت في تلك الاحتفالات يجرى تعميد الأطفال لأن الناس كانت تندر أن النساء العواقر في حالة إنجابهن يسمون بناتهن باسم العذراء مريم وينزرن أن معمودية أطفالهم تتم في تلك الأماكن التي باركتها العذراء مريم والعائلة المقدسة، وهذا ينطبق أيضا على اسم يوسف..
فإلى جانب أن تلك الاحتفالات التي كان لها تاريخ وجذور من عصور المصري القديم، ولها تأثير إيجابي على خدمة الفقراء وترابط الكنيسة، كذلك من ناحية الدراسات والتحليلات الاجتماعية لهذه الظاهرة الاحتفالية – والتي تروج لها الأن في علم الأنثروبولوجي – قد يكون هناك جزء تاريخي وجزء واقعي في ظاهرة الحج للأماكن التي زارتها العائلة المقدسة لكن هناك جزءاً إجتماعياً يجب أن يكون واضحاً وهو أن الأقباط سار لديهم مصدر للتفاخر بين المسيحيين الأخرين في هذا العالم.. وسار لديهم فهم واستيعاب أننا نحن الأقباط مميزون بسبب زيارة المسيح لأرضنا مصر.. ونحن فقط الذين لدينا أثار من زمن المسيح.. ونحن نخرج من بيوتنا لنحج لنقاط عاش فيها السيد المسيح على أرضنا.. وكل هذا أصبح مصدر فخر للأقباط الأرثوذكس في مصر وأصبح مصدر لترابط الأقباط في مصر.
ومع دخول عام 2023 تجد هذه الاحتفالات تزيد ولا تقل لأنها تعكس هويتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتمثل للأقباط فخر إجتماعي ما بين الأمم، ولذلك نجد الأقباط يحرصون على التوافد من كل مكان في هذه المواسم، الفقير الذي بالكاد تتوفر لديه مواصلاته والغني الذي ينزع نفسه من عمله، سواسية يقومون بنفس الطقوس الاحتفالية لنوال بركة العائلة المقدسة.. فنحن ننتمي إلى هذا الطفل الصغير الذي وطأت أقدامه أرض مصر المباركة منذ أكثر من 2000 عام.

Most Popular

Recent Comments