الرئيسيةأخبار الكنيسةسيرة القديس القمص ميخائيل البحيري المحرقي في مئوية تذكار نياحته

سيرة القديس القمص ميخائيل البحيري المحرقي في مئوية تذكار نياحته



ولدَّ القديس القمص ميخائيل البحيري المحرقي سنة 1847 م، بقرية أشنين النصارى، مركز مغاغة – محافظة المنيا، من أبوين مسيحيين بارين فاضلين مملوئين من نعمة الله، محبين للخير، مشهودًا لهما من جميع الناس بالتقوى والفضيلة، ولما بلغ الثانية عشر من عمره تنيح أبوه، ثم بعد ذلك بأربع سنوات توفت أمه.
روى القديس ميخائيل عن هذه الفترة من حياته: “بعد نياحة والدي أخذني أقاربي إلى أحد البيوت المجاورة؛ خوفًا من أثر البكاء علي صحتي. وبينما أنا جالس في عزلتي على سطح المنزل إذ بي أرى والدي صاعدًا إلى السماء، محاطًا بالملائكة النورانيين، فعرفته وناديته: “يا أبي، يا أبي”، فقالت لي الملائكة: اطلب لكي تكون آخرتك كآخرته، ثم اختفوا عني”
رهبنته
اعتاد أحد الآباء الرهبان يُدعى القمص تاوضروس المحرقي، أن يذهب إلى قرية أشنين النصارى، وكان يلتقي به الشاب الصغير ميخائيل يسمع منه الكثير عن سير القديسين وحياة الرهبنة كحياة سامية في الرب، فكان يمارس تداريب تحت إرشاد أب اعترافه، فذاق الحياة الرهبانية في غرفته الخاصة.
في العشرين من عمره ترهب بدير السيدة العذراء بالمحرق في عهد رئاسة القمص بولس الدلجاوي (القديس المتنيح أنبا إبرآم أسقف الفيوم)، وعاش على طريق معلمه الأنبا ابرآم، فكان متحليًا بالفضائل الكثيرة أبرزها التواضع والمحبة. وأخذ يدرب نفسه على تجليد الكتب، فجلد الكتب القديمة بمكتبة الدير لصيانتها، وأتى زوار الدير إليه بكتبهم أيضًا، وكان يقبل منهم أي أجر ويوزعه على الفقراء من الرهبان والأهالي. وقد دفعه تجليد الكتب إلى قراءتها، ولشغفه بها كان يشجع الرهبان على الاستزادة من القراءة.
تتلمذ على يد الشيخ الوقور القمص صليب العلواني المحرقي، فنال معرفة جليلة وتمتع بتداريب روحية للنمو الروحي. وفي طوبة سنة 1591 ش (1874 م) طلب معلمه من رئيس الدير سيامته قسًا، وتم ذلك على يدي الأنبا أثناسيوس أسقف صنبو وديروط وقنا، ثم ترقي إلى قمص وصار بعد ذلك أب اعتراف ومرشد لكثير من الآباء الرهبان .

فضائله:
كان معلمًا فاضلًا ورجل معجزات فنال على يديه كثيرون نعمة الشفاء التي عجز عنها الطب، فكان الكثيرون يقصدونه من جميع البلاد لينالوا منه بركة الشفاء. تميز بحبه للهدوء والخلوة بعيدًا عن الضوضاء، وكان لا ينام في الليل إلا اليسير ويقضي الليل مسبحًا مرنمًا ساهرًا.
سلك حياة نسكية شديدة وأعطاه الله مواهب عديدة منها سلطانًا على الوحوش، وكذلك على الأرواح الشريرة وعلى السحرة والمشعوذين.
وقد مرَّ بتجارب عديدة من عدو الخير، فكان يتلقى هذه التجارب بقوة وثبات ولا يكل من ضرباته، بل كلما تظهر له الشياطين يبادلها برسم الصليب والتواضع التام، وكان يصارعهم حتى فقد بصره، وكان يحاربهم بأصوامه الكثيرة والصلاة. ومن تواضعه أنه حتى بعد رسامته قمصًا كان يقوم بنظافة كنائس الدير دون تَكبُّر، كما كان يقوم بزراعة البستان داخل الدير من ناحية قصر رئاسة الدير، ومازال منها حتى الآن نخلتان في الناحية الغربية من القصر في الطريق المؤدي إلى الكنيسة الأثرية بدير المحرق تعرفان باسم نخلتيّ أبينا القديس ميخائيل البحيري.
فقدان بصره:
وفي أواخر أيامه فقد بصره وضعف سمعه جدًا وخارت قوته الجسمية لكنه كان دائم الشكر لله علي نعمه وكان مداوما على الصلاة والصدقة وكان لا يكل عن الذهاب إلى الكنيسة يوميًا. وإذ سأله أحد أبنائه الذي كان يستعين به للذهاب إلى الكنيسة: “يا أبتاه اجلس في قلايتك ويكفي صلواتك بها فأنت لا تقدر أن تسمع ولا أن ترى، فما الداعي لذهابك إلى الكنيسة؟” أجابه: “يا ابني، عندما أذهب إلى الكنيسة أشتم رائحة البخور، هذا يعزيني كثيرا، فأرى ما لم تره عين وأسمع ما لم تسمعه أذن”.

محبته للفقراء ونسكه:
لم يكن في قلايته شيء يُذكر، فقد تدرب على أن يقدم كل ما في يديه لإخوة يسوع الأصاغر، وفي الدير كانوا يطلقون عليه “رجل الرحمة وأب المحتاجين”.
منذ دخل الدير لم يأكل لحمًا قط؛ وكان يصوم إلى المساء، ولا يعطي جسده راحة في نوم أو أكل أو شرب. لم يعرف الراحة إذا كان محبًا للعمل. وربط عمله ونسكه بحياة الصلاة، فكان يصلي كل يوم جمع المزامير.
مؤانسته للوحوش:
بدأت علاقته من الوحوش في الخامسة عشر من عمره، حيث ذهب مع بعض الشبان للعمل في إنشاء الطرق والجسور. عاد مع أحد رفقائه إلى بلدته ليلًا، وكان من المعروف وجود ضباع في هذا الطريق. فجأة ظهرت ضبعتان فخاف الزميل جدًا أما هو فقال له: “لا تخف، فإنهما كلبان أليفان”، إذ لم يكن قد رأى ضبعًا قبل ذلك. فوجئ الزميل بالضبعين يقتربان من القديس، وكان يداعبهما كما لو كانا كلبين إليفين. وإذ اقترب من القرية اشتمت الكلاب رائحة الضبعين فصارت تنبح مما أزعج القرية وظن أهل القرية أن لصوصًا قد اقتربوا من القرية، فخرجوا من منازلهم حاملين أسلحة، وفوجئوا بهذا المنظر، ومجدوا الله العامل في قديسيه.
وأثناء حياته كراهب اعتاد القديس أن يقول: “اذهب يا مبارك” كلما دخل أحد الرهبان إلى قلايته. ولم يعرف أحد سرّ هذه العبارة حتى أصر أحد أولاده الروحيين أن يعرف السًر، إذ قال له: “بحق أبوتك تقول لي من هو هذا المبارك، هل يوجد من يخدمك أو يجلس معك أحد السواح؟” فبكى القديس وقال: “ويحي أنا الشقي لأجل ذلك أريك إياه”. عندئذ نادي قائلًا: “تعال يا مبارك؛ عليك ألا تخف يا ابني”. وإذا بثعبان ضخم يبلغ طوله ما يقرب من مترين، خرج من وراء “النملية” (دولاب الطعام). وقال له القديس: “هذا هو صديقي، يشاركني طعامي، واستلذ النوم فوق طيات جسمه إذ أضع رأسي عليه. وبعد ذلك قال: “اذهب يا مبارك”. واختفى الثعبان من حيث أتى. والغريب أن بعد نياحة القديس ترك الثعبان القلاية وخرج حزينًا على صديقه وصار يتلوى في التراب حتى مات من الحزن.

نياحته والاعتراف بقداسته
بعد حياة حافلة بالجهاد تنيح يوم 23 فبراير سنة 1923 م، في الأسبوع الثاني من الصوم المقدس، بعد أن قضى 56 عاماً في الدير. وكان عمره وقتئذ 76 سنة قضى منها 20 سنة في العالم؛ و56 سنة في الدير في حياة جهاد رهباني. وعند نياحته رأى أحد شيوخ الرهبان الأثيوبيين المقيمين بالدير روحه الطاهرة، وهي تصعد إلى السموات وتصاحبها الملائكة الأطهار وهي ترتل تراتيل شجية وأنغام موسيقية ملأت كل أرجاء الدير.
وفي أول اجتماع للمجمع المقدس حضره نيافة الأنبا شنودة أسقف التعليم (البابا شنودة الثالث لاحقاً)، وكان ذلك سنة 1963 م. اقترح أن يُضم إلى عداد قديسي الكنيسة: الأنبا إبرآم أسقف الفيوم، والأنبا صرابامون أبو طرحة أسقف المنوفية، واقترح أحد الأعضاء أن يُضم أيضًا القمص ميخائيل البحيري المحرقي، ووافق المجمع المقدس. وتم الاعتراف بقداسته في جلسة المجمع المقدس عام 1963 م. برئاسة قداسة البابا كيرلس السادس. و يعتبر القمص ميخائيل البحيري واحدا من أهم القديسين المعاصرين في القرن العشرين.
وفي عيد نياحته سنة 1707 للشهداء ( 1991 م ) وفي حبرية قداسة البابا شنودة الثالث البطريرك 117 ؛ تم إخراج رفات القديس بكرامة عظيمة بحضور أربعة عشر أسقفًا؛ وتم وضعه في مقصورة خاصة بكنيسة مارجرجس بدير المحرق ليتبارك منه الشعب المحب للمسيح ( السنكسار القبطي تحت يوم 16 أمشير).

Most Popular

Recent Comments