ابتكر باحثون سلاحا جديدا قويا ضد التلوث الجرثومي والعدوى، وطوروا طريقة لربط العاثيات (الفيروسات غير الضارة التي تأكل البكتيريا) ببعضها، لتشكيل حبيبات مجهرية، ويمكن وضع هذه الحبيبات بأمان على الطعام والمواد الأخرى لتخليصها من مسببات الأمراض الضارة.
المطهر الفائق الجديد القابل للرش آمن للطعام وفعال للغاية، كما وصفه العلماء في دراسة منشورة بدورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications) بتاريخ الخامس من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
تحضير الرذاذ المضاد للبكتيريا (دورية نيتشر كوميونيكيشنز)
مطهرات العاثيات والميكروبيدات
قبل إدخال البنسلين في الأربعينيات من القرن الماضي، كان البحث في مطهرات العاثيات والعلاجات واعدا للغاية، لكن الاهتمام بتطوير إمكاناتها تضاءل بمجرد ظهور المضادات الحيوية المصنوعة من البنسلين في السوق.
ونظرا لأن مقاومة مضادات الميكروبات تقوض الآن قوة المضادات الحيوية الموجودة، فهناك اهتمام جديد مكثف بأبحاث العاثيات.
وقد ابتكر الباحثون الرذاذ الجديد باستخدام الميكروبيدات فقط، وهي جسيمات بوليمرية منتظمة، تتراوح أقطارها عادة من 0.5 إلى 500 ميكرومتر، ويمكن امتصاص الجزيئات ذات رد الفعل الحيوي أو مضاعفتها على سطحها الخارجي.
وتُستخدم الميكروبيدات لعزل مواد أو جزيئات خاصة والتحكم فيها، كما تستخدم في عدة مجالات أهمها التكنولوجيا الحيوية والطب الحيوي، وتكنولوجيا الفصل المغناطيسي. ومكنت الميكروبيدات مجموعة من الطرق المبتكرة التي تفيد البحث العلمي في مجالات الوقاية من الأمراض، والطب، ومجالات أخرى كثيرة تهدف إلى تحسين الحالة الصحية للبشر.
الباحثون ابتكروا رذاذا باستخدام الميكروبيدات فقط (دورية نيتشر كوميونيكيشنز)
مليارات من الجنود الصغار
يقف وراء هذا الاختراع فريق مكماستر الهندسي بقيادة الدكتورة زينب حسينيدوست، التي تشغل كرسي البحث الكندي في الهندسة الحيوية للعاثيات، وتوحد ديدار، الذي يشغل كرسي الأبحاث الكندية في المواد النانوية الحيوية، ولي تيان طالب الدراسات العليا بجامعة مكماستر (McMaster University)، والذي قاد الدراسة كجزء من بحث الدكتوراه الخاص به، والباحث فانيير شادمان خان الذي عمل مع تيان، لاختبار الرذاذ المضاد للبكتيريا على المنتجات الغذائية.
وحسب بيان صحفي للجامعة، يقول تيان “عندما نرش الميكروبيدات على الطعام، فإننا نجمع بشكل أساسي المليارات من الجنود الصغار لحماية طعامنا من التلوث البكتيري”.
يعتمد البحث على نفس العمل الكيميائي الذي استخدمه مختبر حسينيدوست سابقا لتحفيز العاثيات على الاتصال ببعضها بكميات كافية لتشكيل مادة هلامية.
تقول حسينيدوست، في البيان الصحفي، “إنها (العاثيات) ترتبط ببعضها مثل قطع الليغو المجهرية.. هذا الهيكل الطبيعي المنظم يجعلها أكثر متانة وأسهل في التعبئة والتخزين والاستخدام”، وعندما تلامس العاثيات البكتيريا المستهدفة، فإنها تتكاثر، وتزيد بشكل كبير من قوتها المضادة للميكروبات أثناء عملها.
ويقول ديدار “إنه تفاعل متسلسل، يخلق استجابة ديناميكية ومستمرة أكثر قوة من المضادات الحيوية”، ويضيف “لا يوجد أي منتج آخر مضاد للبكتيريا -ولا حتى المبيضات (مثل الكلوروكس)- له الخصائص المميزة التي تقوم بها العاثيات”.
باحثو جامعة ماكماستر نجحوا في تسخير الفيروسات الآكلة للبكتيريا ضد التلوث والعدوى (جامعة مكماستر)
مزايا استخدام العاثيات
الميزة الرئيسية لاستخدام العاثيات في الزراعة وإنتاج الغذاء هي أنها يمكن توجيهها على وجه التحديد للقضاء على السلالات الضارة من البكتيريا دون قتل البكتيريا المفيدة التي تعزز نكهة الأطعمة ورائحتها وملمسها.
ويقول الباحثون إن رذاذ العاثيات الجديد لديه إمكانات واعدة للتطبيق التجاري، خاصة أن العاثيات قد حصلت بالفعل على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية لاستخدامها في الغذاء.
وتُظهر الورقة البحثية أن المواد القابلة للرش يمكن أن تقضي على النوع المسبب للمرض من بكتيريا الإشريكية القولونية في الخس واللحوم، والتي غالبا ما تكون مصدر تفشي الأمراض.
ويؤكد الباحثون أن نفس النهج يمكن استخدامه بسهولة ضد البكتيريا الأخرى التي تسبب التسمم الغذائي، مثل السالمونيلا والليستيريا -بشكل فردي أو مجتمعة- كما يمكن استخدام بخاخات العاثيات في معالجة الأغذية وتعبئتها وتنظيفها، وحتى كعلاج لمياه الري والمعدات، مما يوقف التلوث عند المصدر.
يجمع البحث الأخير العمل السابق لمختبر حسينيدوست مع العمل الذي قام به ديدار وزملاؤه في جامعة مكماستر لإنشاء أجهزة استشعار وأسطح مجهرية لاكتشاف مسببات الأمراض الغذائية والتخلص منها.
وتخطط المجموعة بعد ذلك لاختبار التطبيقات الواعدة للمواد الجديدة في الطب، حيث يمكن استخدامها في تطهير الجروح، على سبيل المثال، ولكن من المتوقع أن تستغرق التطبيقات الطبية وقتا أطول حتى تثبت أنها آمنة وفعالة، ولكن المنتج المصمم للتطهير في معالجة الأغذية يمكن أن يتم تسويقه بسرعة أكبر.