الرئيسيةكندا اليوم نادين ألتونجي: كلّ الأرض أوطانها والصوت نذرته للإنسانية

[تقرير] نادين ألتونجي: كلّ الأرض أوطانها والصوت نذرته للإنسانية



صدر في مونتريال يوم الجمعة الماضي ميني ألبوم بعنوان ’’القصص التي تربطنا بالأشجار‘‘، بتوقيع نادين ألتونجي.وتتعاون الفنانة الكندية السورية في هذا الألبوم مع نخبة من الفنانين من موسيقيين ومغنيين وراقصين وتقنيين من دول الشرق الأوسط ومن دول أميركا اللاتينية، على رأسهم الفنان الأميركي مارك آلان هاينز الذي رافقها في كل أغنيات الألبوم، كتابة وتلحينا. هذا وصدرت كل أغنية من أغنيات الألبوم الخمسة في فيديو كليب، وهي باللغات الاسبانية والانجليزية والعربية.
تَعد نادين ألتونجي (نافذة جديدة) بالجزء الثاني لهذا الألبوم الذي سيكون بغالبيته باللغة الفرنسية مع حضور خاص لآلة العود، وسيكون هذا الجزء من دون أي تعاون مع فنانين آخرين، ويشكل باكورة في الأعمال الإفرادية لهذه الفنانة الشابة. يرتقب صدور هذا الميني ألبوم الثاني العام المقبل.
تقول نادين ألتونجي: ’’أنا خجولة بطبعي، واستخدم الموسيقى للتعبير بحرية عن كل ما أتمخض به من مشاعر وتمرّد‘‘.الصورة: Radio-Canada / Colette Darghamصباحات فيروزية في مونتريالكما يدل اسم الألبوم فهو مكرّس لجذور صاحبته الشرق-أوسطية، فهي مولودة في مونتريال لأبوين سوريين، وتزيد على ذلك أن جدتها لوالدتها لبنانية. الصباحات في المدينة الكندية كانت مجبولة بصوت فيروز مع ركوة القهوة في طقس شرقي بامتياز.
في هذا البيت أيضا كان يشدو صوت فرانك سيناترا وجاك بريل وشارل أزنافور ومايكل جاكسون، موسيقى غربية في موازاة مع الموسيقى الشرقية في بيت آل ألتونجي العاشق للفن.
هكذا ترعرعت نادين ألتونجي في مونتريال على الصوت والأنغام لتستشعر الوجود بالأغنية فحسب، وتدندن الأنغام في كل حين لأن بها تحيا.
الموسيقى كانت الملاذ لهذه الصبية التي تنتمي إلى أصول بعيدة وتحمل لكنة مختلفة، كانت تَعبر بهذه الموسيقى، وتُعبّر بها عن كل ما يجيش في أحشائها. الأغنية كانت تلك اللغة التي تسمح لنادين ألتونجي الطفلة بالتواصل مع الآخر وإخفاء فرط الخجل من اختلافها وظنها أن الآخر لا يتقبلها.

كنتُ مختلفة عن بقية الرفاق في الصف، لا أجد مكاني بينهم، خصوصا بـ لكنتي الشامية، ولكن مع مرور الزمن، اكتشفت أن هناك العديد من الناس مثلي وأن هناك الكثير من الجاليات الثقافية في المدينة الكوسموبوليتية.نقلا عن الفنانة الكندية السورية نادين ألتونجي
شكّلت الجذور الشرقية لنادين ألتونجي إلهاماً وتحليقاً في العالم الأرحب.الصورة: Radio-Canada / Victorine-Yokبدأت المتحدثة تعلّم العزف على آلة البيانو في سن الخامسة ولكن سرعان ما اكتشفت ميلها إلى الغيتار الإلكتريك وموسيقى الروك والبوب. ومنذ ذلك الحين وهي تطوف بين الآلات وكل أنواع الموسيقى بعدما وجدت فيها طريقا للتعبير وإخراج كل ما يعيث في داخلها من مرّ وحلو وفرح وغضب وتقبل ورفض، مكوّنة شخصية ذاتية وكيانا خاصا بها.
لا تشبه موسيقى نادين ألتونجي بشيء الموسيقات الأخرى، نكهتها شرقية وجذورها الكون بأسره.
بحثت الفنانة الشابة عن كل ما يشبه الإيقاعات الشرقية لا سيما في الموسيقى الاسبانية التي طبعتها الثقافة العربية في الأندلس. علماً أنه تجلّت تأثيرات الموسيقى الأندلسية التي انتقلت إلى مختلف بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي بأشكال مختلفة.
بعد المكتسبات التي حققتها في أسفارها لاكتشاف جذور الموسيقى الشرقية في مصر والبيرو في شكل خاص، كونت نادين ألتونجي هوية موسيقية خاصة بها ونجحت في المزج بين كل الميلوديات والأنغام بكل توافق وانسجام. علما أن أغنيتها تنتمي أكثر إلى العصر الحديث، وتغلب فيها الموسيقى الالكترونية.

لا يمكن لي أن أنجح، على الأقل اليوم، في تقديم موسيقى شرقية بحتة، أنا أنتمي إلى جيلي وبيئتي الاغترابية وأعمالي الفنية تواكب هذا الانتماء المزدوج، إن لم أقل المتعدد، لأننا في مونتريال منفتحون على كل الثقافات والاثنيات والأعراق مع كل ما يميزها من الخصائص الموسيقية.نقلا عن نادين ألتونجي، مؤلفة و ملحنة و مغنية وعازفة
تحلّق المتحدثة في فلك آخر مختلف تماما، وموسيقاها لها هويتها الخاصة، شرقية بجذورها، عالمية بانتمائها.
الميني ألبوم الثاني في مشوار نادين ألتونجي الفني بعنوان : ’’القصص التي تربطنا بالأشجار، يتضمن ثلاث أغنيات باللغة الاسبانية واغنيتين بالعربية والإنجليزية: ’’بنت البلد‘‘ و ’’على بالي‘‘. الصورة: Radio-Canada / Victorine-Yokالجذور الثقافية متأصلة في الحمض النوويتعتبر المتحدثة أنه على الرغم من أنها ولدت ونشأت وترعرعت خارج سوريا، وشهدت أنماط حياة أخرى مختلفة عما عاشه والداها، ’’إلا أن الجذور الثقافية متأصلة بعمق في حمضنا النووي‘‘ على حد تعبيرها.
كل يوم تجد هذه الفنانة أنها بحاجة أكثر إلى الخوض في جذورها والتعمق في ثقافة وحضارة الأجداد والآباء. إنها مشدودة رغما عنها إلى كل ذلك الماضي والإرث الموسيقي الذي تريد أن تتبناه وتعيد صياغته بأدواتها العصرية. وآخر مكتسباتها في الطريق إلى الجذور كان تعلم العزف على آلة العود، وهي تؤدي اليوم باحتراف التقاسيم على هذه الآلة الوترية وتسخرّها في موسيقاها الإلكترو.
Début du widget Youtube. Passer le widget ?Fin du widget Youtube. Retourner au début du widget ?الخلق الموسيقي هو نبض الحياةنادين ألتونجي موهوبة بالفطرة، ولكنها طورت موهبتها بالدراسة، كما أنها تدرّس الموسيقى والعزف. قد تكون الأغنية نتيجة تمخض أفكار في ذهنها، كما قد تأتي النغمة إلى رأسها من دون سابق إنذار بكل العفوية والتلقائية.
تعتمد نادين ألتونجي في هذا الألبوم على مشاركات مع فنانين آخرين. ولا تنبثق الأغنية إلا بعد أخذ ورد ومد وجزر وتبادل للأفكار، مما يضفي عمقا وغنى في كل مراحل تكوين الأغنية، وهي في هذه الألبوم تعرض لقضايا المرأة وحريتها في شكل خاص.

عملية الخلق الموسيقي ترّد فيّ الروح وتجعلني انبض بالحياة، غاية سروري هذا العناق مع الأنغام والألحان.نقلا عن نادين ألتونجي، فنانة كندية من أصل سوري
لا تعيش المتحدثة من الموسيقى بل تعيش من أجل الموسيقى، هي كل حياتها.
تقول ’’ إننا لبعض الوقت على هذه البسيطة، ولا ندري متى نرحل عنها. إن ما يعني لي حقيقة هي التجارب الانسانية والحوار الذي أقيمه مع المتلقي عبر الموسيقى. لا أبغي الشهرة بقدر ما أبغي وصول رسالتي إلى أكبر عدد من الناس، فهذا جل أهدافي وغاية سروري‘‘.
وهذا يفسر ربما أن نادين ألتونجي مقلّة جدا في إصداراتها الفنية، وفي رصيدها قبل الميني ألبوم الحالي، ميني ألبوم آخر أصدرته في العام 2016. هذا لأنها متفرّغة للاكتشافات والأسفار وتبادل الثقافات والخبرات، كما أنها تفضل أن تتقاسم خشبات المسارح مع فنانين آخرين، لاكتساب المزيد من الخبرة الفنية والانسانية، كما تقول.
Début du widget Youtube. Passer le widget ?Fin du widget Youtube. Retourner au début du widget ?’’بنت البلد‘‘، ولوج إلى حميمية المرأة الشرقية وتحريرها من سلطة الرجل لكل من ينعي فشل أغلب تجارب المزج بين الموسيقى الشرقية والغربية، أدعوه إلى الاستمتاع في مشاهدة الفيديو كليب لأغنية ’’بنت البلد‘‘، الذي احتاج انجازه إلى عامين كاملين. غالبية كلمات الأغنية بالانجليزية ولكن الموسيقى تدمج بين الايقاعات الشرقية على العود بشكل خاص والغربية الالكترو الحديثة القريبة من البوب و السول(SOUL) والجاز. نعم كل هذا المزيج في أغنية تتسلل إلى الروح وتشّع دفئا، طمأنينة وسلاماً، وسط زرقة سماء ورمال صحراء ومد وجزر الشواطئ، كأن نادين ألتونجي تريد تتويج ’’بنت البلد‘‘.
هناك تمكن أيضا لناحية إخراج الفيديو كليب الذي جمع عناصر شرقية بامتياز مع ثلاث بطلات من النساء، نشاهد ألتونجي تعزف على العود، وتشدو النساء ليس بأصواتهن فحسب، بل إنما بأجسادهن أيضاً في حركات تعبيرية منسجمة. كما نشاهد ركوة القهوة التركي والحنة والشيشة والعباءة والخلخال وحتى ’’مفتاح الحياة‘‘، رمز الحياة الأبدية عند المصريين القدامى (الفراعنة).
أغنية ’’بنت البلد‘‘، كما تقول نادين ألتونجي، هي صفحة مضيئة في تاريخ المرأة العربية، لأنها تقص تطور المرأة في الشرق الأوسط. ويظهر الفيديو كليب ملابس المرأة في الماضي واليوم، وتحولها من فتاة تقليدية إلى فتاة متحررة.
الأغنية مستوحاة من عنوان فيلم مصري يحمل الإسم ذاته، علماً ’’أن المفهوم الذي غالباً ما يتواجد في السينما المصرية، هو عن الفتاة البريئة التي تغادر ريفها وتصل إلى المدينة حيث أصبحت راقصة وينتهي بها الأمر في الخطيئة‘‘.
نساء ’’بنت البلد‘‘ كما صورتهن نادين التونجي حققن أنفسهن بالكامل وتحرّرن من ’’قبضة الرجال الاستبدادية‘‘.
بالإضافة إلى مارك آلان هاينز، تعاونت نادين ألتونجي في هذه الأغنية مع الفنانة اللبنانية نادية بشعلاني والفنانة المصرية دانا المصري، أما إخراج الفيديو كليب فهو بتوقيع الفنانة والمصورة الكندية فيكتورين سينتلس.
نادين ألتونجي هي ’’بنت البلد‘‘ بين التقليد والحداثة، الفولكلور والالكترو، بموسيقاها تحاول أن تزيل الحواجز والحدود بين أبناء البشر[…] تلفح وجهها أشعة الشمس الذهبية وتحدّق عيناها في الأفق البعيد لتستمد الحلم والخلق والإبداع.الصورة: Radio-Canada / Victorine-Yok
في كل مكان سافرت إليه وجدت أن الإنسان هو نفسه، في هذه البقعة أو تلك من بقاع العالم. يتقاسم البشر الأفكار والأسئلة الوجودية ذاتها، يصبون إلى الكمال وإلى تحقيق المصالحة مع الجذور والماضي. لا يختلف الإنسان الذي يعيش في البيرو عن الإنسان الذي يعيش في سوريا أو في كندا.نقلا عن نادين ألتونجي، فنانة كندية من أصل سوري
(أعدت التقرير كوليت ضرغام منصف)

Most Popular

Recent Comments