بطريرك السريان: نستنكر محاولة الاتّحاد الأوروبي فرض عقوبات على الكنيسة الروسية
قال البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، في افتتاح للجمعية العامة الثانية عشرة لمجلس كنائس الشرق الأوسط نجتمع في إطار الجمعية العامة الثانية عشرة لمجلس كنائس الشرق الأوسط في هذه أيّام القيامة المباركة تملأ قلوبنا اطمئناناً وفرحاً وسلامًا من خلال ظهورات السيّد المسيح القائم من بين الأموات للتلاميذ القدّيسين مطمئنًا إيّاهم ومُعطيًا لهم السلام، سلامه هو الذي لا يستطيع العالم أن يعطيه بعد أن كانوا في العليّة والأبواب مغلقة بسبب الخوف من اليهود.
وأضاف بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، ولكن واقعنا الذي نعيشه يشبه أكثر حال الرسل قبل القيامة من بعدها، فالخوف والقلق والحروب والمجاعات والهجرة تسيطر على حياة أبناء مشرقنا هذا المتألّم وكأنّ درب صليبنا لن ينتهي. لقد بات وضع المسيحيين في الشرق الأوسط أشبه بوضع الفتيان الثلاثة في أتون النار مع دانيال النبي: تحيط بهم النيران من كل حدب وصوب، نيران القتل والاضطهاد والدمار والحروب، نيران الانهيار الاقتصادي والهجرة وفقدان الطموح، وهم في الوسط يسبّحون الله.
وتابع، مرّت علينا ظروف قاسية جدًّا، أثقلت علينا نحن الكنائس المشرقية حملَ الصليب ولكن زادتنا قناعةً أنّ على الكنائس أن تعمل متّحدةً لتخدم الإنسان كما هي دعوتنا ورسالتنا، لتكون له حياة أفضل، بالفعل، أعطت لنا الظروف الاستثنائية التي واجهناها، من حروب متتالية وأزمات شتّى، دروساً في العودة إلى جوهر شهادتنا المسيحية، ألا وهو أن نقتفي اثر السيد المسيح ونسير في خطاه كتلاميذ حقيقيّين.
– سمات الكنيسة في الشرق
وأردف، هذه هي سمات الكنيسة في شرقنا: كنيسة متألّمة، مُضطهَدة ولكن تسعى على الدوام للحفاظ بأمانة على التعليم الذي تسلّمته من ربّ المجد عبر الرسل القدّيسين، كما وصلنا هذا التعليم قولاً وعملاً، شهادةً نقرّها بشفاهنا ونظهرها للآخرين بأعمالنا. وقد ظهر ذلك جليًّا من خلال الخدمات الكثيرة التي قدّمتها وتقدّمها الكنيسة لكل أبناء أوطاننا بدون تميّيز.
واستطرد من الواضح أنّ أزمات المنطقة تزداد تعقيدًا بدل الانفراجات التي نتمنّاها ونصلّي من أجلها. ففي سورية، ازدادت وطأة الأزمة التي طالت لمدّة أكثر من عشر سنوات. فعندما شعرنا أنّ الوضع الأمني بدأ يستقرّ، جاءت الأزمة الاقتصادية والعقوبات الجائرة التي فرضتها علينا دول منفردة دون أي شرعيّة، لتستنزف كلّ طاقتنا فسخّرنا كلّ إمكانيّاتنا وبمساعدة الأصدقاء في الخارج في مواجهة الفقر الذي بلغ أعدادًا كبيرة من الناس، محاولين دوماً المحافظة على كرامة الإنسان وتوفير ما يمكن من أساسيات الحياة وضروريّاتها.
وفي لبنان، ما زال صدى الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت يُدوي وتداعياته المؤلمة تهدّد المجتمع ممّا أدّى إلى موجة جديدة من الهجرة إثر اليأس الذي أصاب الناس وخاصة فئة الشباب حيث تحطّمت آمالهم وباتوا يرون كلّ الأبواب تُغلَق في وجه طموحاتهم. فنزلت الكنائس إلى ميدان الخدمة وساعدت قدر الإمكان لتثبيت مَن بقي في لبنان في جذوره، وفي الأراضي المقدّسة، ما زال الظلم واقعًا على أبناء فلسطين والاعتداء على المقدّسات المسيحيّة والإسلامية مستمرًا، فهل نشهد السلام في تلك الأرض المقدّسة التي مشى فوقها السيّد المسيح؟
و واصل وفي العراق، حيث قمنا بزيارة رسولية إلى شماله قبل بضعة أيّام، ما زال الكثير من كنائسنا ومؤسساتنا في حالة خراب ودمار كما الحال في مدينة الموصل ولكننا عاينّا أيضًا عزم المسيحيين الذين عادوا إلى بلدات وقرى سهل نينوى وهم يجدّدون كنائسهم ومؤسّساتهم وينسجون أفضل العلاقات مع أبناء وطنهم من مختلف المكوّنات الدينية والعرقية بأن يقاوموا الاضطهاد متمسّكين بأرضهم وكنيستهم. ولا بدّ أن ننوّه هنا بالمساعدة الكبيرة التي قدّمها ويقدّمها الشركاء والمؤسسات الكنسيّة في عملية إعادة البناء هذه، مصلّين لكلّ مَن يمدّ يد العون للعمل على بقاء المسيحّيين في بلادهم.
وأشار إلى أن الحرب الروسية-الأوكرانية إلا نداءً يصرخ إلينا نحن الكنائس لنقف جنباً إلى جنب، متّحدين في المسيح الذي يريد أن نكون واحدًا. فنسعى معاً إلى السلام الحقيقي. وبهذه المناسبة، نستنكر بشدّة رغبة ومحاولة الاتّحاد الأوروبي فرض عقوبات على رأس الكنيسة الروسية الأرثوذكسيّة البطريرك كيريل، الأمر الذي يُعدّ سابقة خطيرة وتجاوزاً لكلّ الأعراف والتقاليد. نصلّي من أجل السلام بين أبناء روسيا وأوكرانيا.
وتابع ومتى نظرنا إلى هذه الأزمات المتتالية والضيقات الكثيرة، إزداد شعورنا بحاجتنا الماسّة إلى وجود الربّ يسوع في وسطنا مطمئنًا إيّانا “تشجّعوا، أنا هو، لا تخافوا” (متى 14: 27)، شعار الجمعية العامة الثانية عشرة لمجلس كنائس الشرق الأوسط يدعونا إلى الاتّحاد معًا أوّلاً بالصلاة ثمّ بالعمل والخدمة، نأمل أن تتدارس كنائسنا اليوم في هذه الجمعية العامة بشكل جدّي وعميق ما يجب أن نفعله معًا في المرحلة المقبلة لنكون شهودًا للسيّد المسيح في هذا الشرق المعذّب، مذلِّلين العقبات كافةً، ومتفانين في تقديم الخدمة للإنسان المُحتاج. فينتعش جسد الكنيسة بأعضائه التي تعمل معًا موحِّدةً الجهود والهدف.
وفي ختام كلمته، قال نثني على عمل الأمين العام للمجلس الدكتور ميشال عبس، وجميع فريق العمل والموظفين الأعزّاء الذين عملوا في ظروف صعبة في ظلّ انتشار جائحة كورونا التي أثّرت على الكلّ وجعلت القيام بالواجب تحديًا كبيرًا، غير ناسين الأمناء العامين السابقين الذين خدموا هذا المجلس منذ انعقاد الجمعية العامة الماضية، مثمّنين جهودهم وتفانيهم في أداء عملهم وسائلين الله أن يباركهم فتثمر أعمالهم مزيدًا من النجاح، كما يطيب لي أن أشكر من أعماق القلب الكنيسة القبطية الأرثوذكسيّة الشقيقة بشخص أخي صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، على استضافته للجمعية العامة الثانية عشرة لمجلس كنائس الشرق الأوسط وحسن الضيافة في هذا البلد العريق والعزيز على قلوبنا جمهورية مصر العربية. بارك الله هذه البلاد وأحلّ الأمن والسلام في قلوب الجميع.