بطريرك أنطاكية : لم تصل الكنائس لوحدةٍ كاملة لكنهم عائلةٌ واحدةٌ
قال البطريرك يوحنّا العاشر يازجي، بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس، خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال كنائس الشرق الأوسط، بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون: يطيب لي أن أخاطبكم من هنا، حيث الأرض المقدّسة من مصر، حيث التّاريخ والحاضر، ومن وادي النّطرون الّذي يختصر بين ثناياه تاريخ المسيحيّة الأصيلة في هذا البلد الأصيل مصر، إنّها لبركة كبيرة أن نكون هنا بين إخوتنا وأحبّتنا في أرضٍ تعمّدت تاريخيًّا بإسم السيد المسيح، وأرضٍ تمسحنت فمسحنت الدّنيا بذكرى المسيح أبرارًا وقدّيسين ورهبانًا وشهداءَ رافقوا النّيل مذ وجد، وأقول كلّ هذا؛ لنؤكّد أنّنا كمسيحيّين أبناء هذا الشّرق لا بل وركن أساسٌ من هويّته وكينونته التّاريخيّة.
وأضاف: الشّكر لقداسة البابا تواضروس الثّاني، وللكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، الّتي تستضيفنا في هذا المكان التّاريخيّ، الّذي يشهد لحضور مسيحيّ عريق على أرض مصر الغالية.
وتابع: تجمعنا اليوم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، ويجمعنا اليوم مجلس كنائس الشّرق الأوسط في هذا المكان، ويجمعنا لا بل يضمّنا تاريخٌ عريقٌ فيه من الصّواعد والنّوازل الكثير، كما تجمعنا الشّهادة ليسوع المسيح ربًّا وإلهًا ومخلّصًا، فتشديدنا الأوّل والأخير هو أنّ ما يجمعنا كمسيحيّين أكثر بكثير ممّا يفرّقنا، ونحن لم نصل إلى وحدةٍ كاملة، لكن لقاؤنا هذا كما غيره من اللّقاءات لهو خير دليلٍ أنّنا عائلةٌ واحدةٌ ملتحمةٌ، رغم كلّ رواسب التّاريخ الّتي لا تخلو أبدًا من الأخطاء والضّعفات البشريّة، ولا من الظّروف الأخرى الّتي أُلبست في كثيرٍ من الأحيان الزّيّ العقائديّ اللّاهوتيّ، أقول كلّ هذا وترتسم أمامي آية بولس الرّسول “الكلّ أخطأوا وأعوزهم مجد الله”.
وأكمل: وكمسيحيّين في هذا الشّرق تجمعنا هذه الجغرافية المقدّسة وتجمعنا الشّهادة الواحدة ليسوع المسيح، ومن إيماننا أنّ ما يجمعنا هو أكثر بكثير ممّا يفرق كان مجلسُ كنائس الشّرق الأوسط في سبعينيّات القرن الماضي ويبقى ويستمرّ، دعوتنا اليوم أن ننظر بشيء من التّجرّد إلى مسيرة هذا المجلس الّتي تقترب من عمر النّصف قرن، دعوتنا أن ننبذ جميعًا كلّ اقتناصٍ يتلطّى تحت حرّيّة البشارة وتحت كيس الطّحين، دعوتنا أن نترفّع عن السّكر بأمجاد الماضي وعن المغالاة بالفئويّة اللّغويّة والتّاريخيّة، هذه المغالاة الّتي تبني أسوار التّقوقع بدلاً من جسور الانفتاح والمحبّة، دعوتنا أن نقارب وجودنا المسيحيّ في هذا الشّرق من منطلق الدّور والرّيادة وليس من منطلق العدد وأن نتعاضد بما يقوّي هذا الوجود في هذه الأرض الّتي جعلنا المسيح الإله منثورين على رباها منذ فجر المسيحيّة، ومن على هذا المنبر، أشدّد أنّنا نحن مسيحيّي هذا المشرق باقون ومتجذّرون فيه كأرز لبنان، ألفت ههنا إلى قضيّة مطراني حلب يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي الّتي دخلت عامها العاشر والّتي تختصر نذرًا يسيرًا ممّا تعرّض له إنسان هذا المشرق عامّةً والمسيحيّ خاصّةً من قتل وتهجيرٍ وإرهابٍ تلطّى بالدّين والدّين منه براء.
وواصل: صلاتنا من أجل شهداء المسيحيّة المشرقيّة، ومن أجل أهلنا في مصر، الّذين نتشاطر وإيّاهم شهادةً واحدة للمسيح المصلوب والقائم من القبر، صلاتنا من أجل مصر قيادةً وجيشًا وشعبًا، نستنكر أيّ عملٍ إرهابيّ يطال أوّلاً وأخيرًا كرامة الإنسان والإنسانيّة، مُضيفًا: كفانا إرهابًا وقتلاً وإيديولوجيّاتٍ لفظها الكلّ وتبرّأ منها الدّين دومًا وأبدًا، صلاتنا من أجل هذا الشّرق بكلّ بلدانه.
واختتم: صلاتنا من أجل مجلس كنائس الشّرق الأوسط، ومن أجل كلّ الأحبّة الّذين سهروا وعملوا؛ ليكون اجتماعنا في هذه الأرض الحبيبة، لمصر السّلام ولكم جميعًا الخير والمحبّة.