الرئيسيةأخبار الكنيسةأوكسيرنخوس.. البهنسا قديماً.. نقطة منسية على مسار العائلة المقدسة

أوكسيرنخوس.. البهنسا قديماً.. نقطة منسية على مسار العائلة المقدسة



ارتحلت وطنى على خطى العائلة المقدسة فى ربوع مصر كلها، وكان لها جولاتها فى محافظة المنيا حتى وصلت لنقطة البهنسا ذات التاريخ الكبير خاصة فى الحقبة القبطية، حيث اكتشف بها أكبر عدد من البرديات والمخطوطات من القرن الأول إلى القرن السابع الميلادي.
تحتوى البهنسا على شواهد أثرية لمكوث العائلة المقدسة بها، من بئر وشجرة العائلة المقدسة، ويظهر في صحرائها عمود روماني يعلن عن تاريخ شموخ هذه المدينة.
ومن الأماكن الفريدة هناك التي تبرز معتقدات الشعب البسيط، “ضريح السبع بنات” وهو المكان المعروف بحدوث معجزات شفاء من الأمراض لطالبيه ، ويأتي إلى هذا المكان الكثير من النساء اللاتي لا تحبلن لعل الله يستجيب لطلبهن وينلن بركات إعجازية.. البهنسا نقطة منسية على خريطة مسار العائلة المقدسة.. لها تاريخ وبها شواهد أثرية تستحق الاهتمام والتنمية.
 
في رحلة العائلة المقدسة ومسيرتها في الأراضي المصرية، عبرت نهر النيل من المعادي إلى مدينة منف ومنها توجهت جنوباً إلى الصعيد حتى وصلت إلى البهنسا أو كما عرفت قديماً باسم “أوكسيرنخوس”
ويقول المقريزى: “أن الأقباط يتفقون على أن العائلة المقدسة زارت البهنسا، ويقول التقليد الإسلامى أن العائلة المقدسة سافرت على جحش إلى البهنسا حيث توجد بئر فى كنيسة صغيرة من مائها يشفى المرضى والسقماء ومنها اغتسلت العذراء وابنها وغسلوا ثيابهم.”
 
 

 
تقع مدينة البهنسا، غرب النيل بالقرب من الجبل الغربي، فى طرف الصحراء على بعد مسافة 16 كم شمال غرب بنى مزار، و10كم جنوب قرية دير الجرنوس في محافظة المنيا.
وذكر الدكتور إسحق عجبان عميد معهد الدراسات القبطية، في كتابه “رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر” أن البهنسا كانت معروفة عند المصريين القدماء باسم “بيمازيت” بمعنى “الصولجان الذهبي”، ثم عرفت بمدينة “أوكسيرنخوس” في العصر اليوناني والبطلمي بمعنى “مدينة القنومة” نسبة لسمك “القنومة” وهو نوع من الأسماك مدبب الفم واعتبروه في ذلك الوقت دليل خير وبركة على اقليمهم، واتخذوا هذا السمك رمزاً للمدينة.
 

 
وفي العصر اليوناني كانت “أوكسيرنخوس” عاصمة اقليم أركاديا، وفي القرن الخامس صارت بها تجمعات رهبانية كبيرة. ومن كثرة عدد الكنائس والأديرة التي كانت موجودة بها، قال عنها “بالاديوس” – مؤرخ الرهبنة المصرية وأسقف هيلينوبوليس: “أوكسيرنخوس هي المدينة التي كان عدد كنائسها أكثر من عدد بيوتها”
وكانت البهنسا مقراً لايبارشية كبيرة حيث ذكر “بلاديوس” أنه كان يوجد بمنطقة البهنسا ثلاثون ألف راهب وراهبة، منهم الناسك درماطوس – مؤسس لأحد الأديرة، وأيضا هارمان اسقف قاو فى صعيد مصر، ومن أساقفتها نيافة الأنبا بطرس الذى حضر مجمع أفسس الأول عام 431م
كما كانت توجد بها كنائس ضخمة غير أن الرهبان أيضا كانوا قد حولوا المعابد الوثنية إلى كنائس وأديرة، وكان رجال الإكليروس يتواجدون في كل مكان في المدينة، وكانت تقام القداسات في الشوارع، كأنها كنيسة واحدة ضخمة أو كأنها دير كبير يسكنه الاكليروس والرهبان.
ولا توجد اليوم في البهنسا مبانٍ مسيحية غير دير العذراء والملاك ميخائيل بالبهنسا الذي تم تأسيسه حوالي 2016م ويقع على مقربة من شجرة مريم.
وفي تقرير المجلس الأعلى للآثار عن منطقة البهنسا، اكتشفت بالبهنسا كنيسة أثرية تتكون من طابقين، السفلي على الطراز البيزنطي والعلوي على الطراز البازيليكي، ولا يبقى الأن منها سوى الأساسات فقط.
 
تاريخ أوكسيرنخوس (البهنسا)
بحسب ما كتب في كتاب “أوكسيرنخوس” ترجمة وإعداد هيلجا ديل وناصر فوزي البردنوهي 2009م، قال إنه من القرون الأولى وحتى القرن السابع الميلادى، صعودًا وهبوطًا مع نهر النيل وحتى فى وجود الإحتلال الرومانى لم يتوقف البناء والتشييد فى المدن المصرية ولم يتوقف بناء الأديرة والكنائس فى كل مكان، وكانت العين ترى على ضفتى النهر قرى ومدنًا كثيرة جدًا عامرة ومزدهرة ؛ نذكر منها على سبيل المثال: ممفيس، ارسينوى، أوكسيرنخوس ، انتينوبوليس ، هرموبوليس وتنتيرا (دندرة)
كانت مدينة أوكسيرنخوس مثال جيد لواحدة من تلك المدن المصرية المسيحية الناجحة فى كافة أوجه أنشطة الحياة البشرية، وظلت كذلك حتى يوم تدميرها فى حدود سـنة 645 ميلادياً.
 

 
ملامح وتخطيط البهنسا قديماً
كانت مدينة أوكسيرنخوس محاطةً بأسوار متينة – مثل باقى المدن – مجموع أطوالها 8.4 كيلومتر وكان لها خمسة بوابات ضخمة . كتب عن سور مدينة أوكسيرنخوس (البهنسا) فى كتاب “فتوحات البهنسا – وقت الغزو العربي”: “كانت المدينة محصنة بجدران سميكة يتسع عرض السور لجوادين يسيران بجوار بعضهما البعض ”
بنيت المدينة فى البداية متمحورة علـى شـكل تجمعات سكنية حول المعبد فى ما قبل المسيحية، ثم لاحقاً تمركزت حول الكاتدرائيـة أو الكنيسـة الجامعة والأديرة والسوق المركزى للمدينة .
عندما زار العالم “فليندرس پترى” المنطقة سنة 1922 كتب أنه توجد بقايا معمارية كثيرة من مدينة أوكسيرنخوس (البهنسا) مازالت قائمة حتى الآن، لكن هذه كلها اختفت الآن بسبب الإستيلاء عليها بعد تدميرها.
 
مدينة العلم
مدينة أوكسيرنخوس مدينة علم وأدب وكان الأغنياء والقادرون من الناس سواء من الأقباط أو من الأجانب سواء يونانيين أو غيرهم هم الذين يرسلون أبنائهم للجمنازيوم أي للمعهد العلمى الذى كان يمول بشكل جيد، وكان لمدرسيه ومديريه وطلبته مكانة عالية وسط الناس، كانت الثقافة اليونانية من أحد أهم المواد التعليمية فى الجيمنازيوم بالإضافة لكافة العلوم التى كانت تدرس فى ذلك العصر، ومدينة أوكسيرنخوس (البهنسا) كان نصيبها من العلم كبيرًا جدًا وكانت واحدة من أفضل البلاد المصرية من الناحية التعليمية والعلمية .كما كان الجيمنازيوم هو المكان اُلمَفضلْ لمناقشة الكثير من الأمور الفلسفية والسياسية والدينية.
 
بلد الخير والكرم
زوار المدينة الأجانب الذين كانوا يتكلمون فقط بألسنتهم الأجنبية الغريبة ولا يفهمون لغة أهل البلاد – أى اللغة المصرية – لم يزعجهم ذلك البتة، فمعروف للجميع أنه فى المدينة يوجد أقباطاً كثيرون يتكلمون ويكتبون ويترجمون عدة لغات مختلفة وهم تعلموا هذه اللغات فى مدارس ومعاهد أوكسيرنخوس الكثيرة.
الغريب والفقير لا خوف عليهم فى مدينة أوكسيرنخوس فأسقف المدينة يأتى بنفسه مع مساعديه عند باب المدينة كل يوم كى يستقبلوهم ويعتنوا بهم ويعطوهم ما يحتاجونه من طعام وشراب ومكان للمبيت.
 
تدمير وسقوط البهنسا
إرتبط مصير مدينة أوكسيرنخوس (البهنسا) بمصير مصر .. ومصر إرتبط مصيرها بالوضع السياسى والعسكرى للقسطنطينية ، فى الواقع أن الأقباط لم يرغبوا فى الوجود البيزنطى فى البلاد وكانوا يسعون للإستقلال عن القسطنطينية، لذلك قاوموهم لمدة مائتي عام بسبب الخلافات العقائدية وبسبب الإستعمار. لكن القسطنطينية لم ترغب أبدًا فى إعطاء مصر إستقلالها لسبب بديهى وهو عدم توقف إمدادات مصر لها من الغذاء والذهب..
أرهق البيزنطيين الأقباط بشدة وبعدم حكمة لفترات طويلة خاصة تلك الفترة التى سبقت غزو العرب لمصر، مما جعلها ضعيفة أمام جيوش العرب الكبيرة وأسهمت بقوة فى سقوطها فى يد العرب.
كانت هناك حامية بيزنطيه وحامية وطنية مصرية للدفاع عن البهنسا بقيادة القائد يوحنا الماروسى، الذى كان يراِبطْ فى اللاهون، وعندما بدأ العرب يهددونْ أوكسيرينخوس (البهنسا) خرج إليهم وإلتقى بهم يوحنا ونجح فى أول الأمر فى صدهم. لكن العرب سرعان ما وصلت إليهم تعزيزات ضخمة واستولوا على المدينة. يوحنا ورجاله فروا إلى الجنوب وهناك تبعه العرب للقضاء عليه بسبب خطورته، واستشهد في النهاية.
فى سنة 645 ميلادية وفى أيام قليلة بدأت نهاية المدينة العظيمة العريقة حيث حطم سورها المنيع و سويت مبانيها المهمة(كنائسها وأديرتها) بالأرض.. حطمت وبعثرت أحجارها الضخمة وتماثيلها الجميلة وأسقطت في الشوارع وسترت أشلائها الرمال مع كل أهلها من بني البشر.. خربت مدينة الرهبان، مدينة القداسة، مدينة العلم والفن والجمال ( أوكسيرنخوس ) عن عمد وإلى الأبد كى تكون عبرة لباقى مدن الصعيد التى قد تفكر يومًا ما فى مقاومة الإحتلال الجديد .
 
 
ماذا تركت لنا البهنسا من كنوز وآثار؟
1- مزارات وبركات من القرن الأول
بوجود العائلة المقدسة بمدينة البهنسا، تباركت المدينة، وبرغم كل الدمار الذي لحق بها عبر السنوات إلا أن بركة السيد المسيح تركت لنا شجرة العائلة المقدسة باقية حتى الأن والبئر المقدس التي شرب منه الطفل يسوع وأمه العذراء مريم مازالت موجودة.
ومن الموروث الشعبي قصة، انه عند وصول العائلة المقدسة الى البهنسا ذهبت إلى مكان البئر المشهور وحينئذ طلب يسوع ماء وبدأ يبكى بسبب عطشه ولم يوجد ماء فى ذلك المكان ففى الحال ارتفع مستوى الماء فى البئر لكى يشرب يسوع ومنذ ذلك الوقت يحتفل المسيحيون بهذا الحدث.
ويذكر ميمر أنبا قرياقوص أن العائلة المقدسة عندما وصلت إلى مدينة البهنسا كان أهلها يعبدون الأوثان، التى سقطت على وجوهها ولم تستطع أن تقف أمام الإله خالق السماء والأرض، فهرب كهنتها.
وقد قابلهم راعى غنم يرعى قطيعه مع ولديه فأحسن استقبالهم وأعلمهم كيف أخبره الملاك بمجيئهم إلى البهنسا قبل وصولهم، وترجاهم أن يمكثوا معه، فوعده السيد المسيح ببركة خاصة لهذا المكان ثم أخذ منه ثلاثة عصى كانت له ولولديه، وقام بغرسها فأزهرت للوقت وصارت ثلاثة أشجار فظللتهم بعد أن نكست رؤوسها سجودًا للطفل الإلهى.
 

 
 

 

خريطة توضح مكان شجرة العذراء مريم والبئر المقدس بالنسبة لقرية البهنسا الحالية
 
 
2- كنز مخطوطات وبرديات البهنسا
بداية إكتشاف عظمة مدينة البهنسا حدثت بواسطة العالمين “برنارد جرنفيل” و”أرثر هانت”، فهما وحدهما عثرا على حوالى أربعمائة ألف مخطوطة وشذرة مخطوطة، لكن قبل هذين العالمين تم العثور على عدة آلاف من المخطوطات والكتب التى تم إرسال معظمها للخارج.
فى سنة 1896 ميلادية قاما المكتشفان “جرينفل” و”هانت” بعمل رحلة علمية إستكشافية لمنطقة البهنسا وقد كانا يبحثان تحديدًا عن شيئًا أثريًا وهذا الشيئ لم يكن على كل حال شيئًا قبطيًا .
جرينفل وهانت كانا كلاهما إنجليزى الجنسيه وينتميان للمعهد الملكى جامعة أكسفورد وكانا مهتمين بالأدب أكثر من أى شئ آخر، وكانا يبحثان عن أية أعمال أدبية أو نصوص مسرحية مجهولة من العصر اليونانى وهما قد علما أن أرسطوتوتليس قد كتب دستور مدينة أثينا على ورق بردى مصرى، وأنه قد اكتشف فى عام 1890 ميلادية فى مصر، هذا كان دافعهما الأكبر فى عمل هذه التنقيبات فى البهنسا.
 

العالمين جرينفل وهانت أثناء عملهما الاكتشافي في أوكسيرنخوس عام 1896م
 
لا توحى الملاحظات التي دونها برنارد جرينفل وآرثر هانت فى مذكراتهما أثناء عملية التنقيب أنهما كانا سعيدين بما عثرا عليه، وهو مئات الآلاف من البرديات المحفوظة فى سلال “قمامة ” مدفونة فى حفر فى الأرض لا تحتاج لأى مجهود يذكر لإستخراجها ولم يدركا أنهما عثرا على كنزًا ثميناً.
هذا العدد الضخم من حزم البرديات تفسيره أن سكان مدينة أوكسيرنخوس ( البهنسا ) والموظفين الحكوميين فى المكاتب ظلوا ولمدة ألف عام يقومون بوضع الأوراق التى لا يحتاجون إليها فى سلال قمامة مصنوعة من السعف ويطمرونها فى حفر في عدد من المواقع خارج أسوار المدينة فى رمال الصحراء. ا لحُفر التى وجدت فيها سلال ” القمامة ” من أوراق البردى قد وجدت على بعد حوالى 10 أميال إلى الغرب من النيل.
عملية إكتشاف أرشيف مدينة أوكسيرنخوس هو أعظم إكتشاف أثرى فى كل الأزمان . فما تم إكتشافه من مخطوطات يهم كل العلماء بكافة إختلافاتهم.
وهذه الوثائق القديمة أعطتنا لمحات عن شكل البيئة الحضرية التى كانت موجودة فى هذه المدينة .
يقول علماء الكلاسيكية: إننا نحزن كثيرًا عندما نتذكر أن مكتبة الإسكندرية قد احرقت ودمرت وضاعت إلى الأبد ومعها فقد الكثير جدًا من “الأعمال الإنسانية” التى وثقها علماء وأدباء العالم القديم فى كتب ومخطوطات وضعوها فى هذه المكتبة، لكن ما تم إكتشافة فى البهنسا يعوض الإنسانية بعض الشئ عن خسارتها الهائلة التى حدثت بسبب تدمير مكتبة الإسكندرية .
نحن نعرف الكثير جدًا عن مدينة أوكسيرنخوس كمدينة، فقد تم العثور على أعداد هائلة من البرديات المسيحية أهمها الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد والذى وجدت معه كميات ضخمة جدًا من المخطوطات، ثم تلك النصوص التى تعرف ب إسم ” أقوال يسوع ” وخطاب من البابا الشهيد بطرس أسقف الأسكندرية ( سنة 311 ميلادية ) وتقويم كنسى يرجع تاريخه لسنة 535 ميلادية كذلك عثر على أقدم نوتة موسيقية للحن كنسى فى العالم كله.
مدينة أوكسيرنخوس كانت واحدة من أهم المدن المسيحية فى مصر والعالم وهو الأمر الذى جعل الأمبراطور ديوكلتيان يأمر بإضطهاد أهل هذه المدينة بشكل مكثَّف وهناك العديد من القديسيين قد نالوا إكليل الشهادة هناك ومنهم على سبيل المثال : إلياس الخصى وإسحاق من تيفرى.
 

أعمال التنقيب عام 1903م
 
 
ما سر وجود البرديات في سلال قمامة؟
نقرأ كثيرًا أن الأربعمائة ألف بردية التى تم إكتشافها فى البهنسا كانت موجودة فى “مقلب للقمامة” فى البهنسا؛ ولكن ما أكده العلماء أن برديات أوكسيرنخوس لم تكن أبدًا قمامة ألقاها الأقباط هناك عن جهل أو تجاهل للأسباب التالية:
– لماذا يصر شعب متحضر قبطى أن يلقى ( قمامة ) فى نفس المكان بالذات ولمدة ألف عام؟ أن لم يكن يلقيها هناك بغرض الحفظ وليس بغرض التخلص منها.. كيف يمكن للشعب القبطى الشديد التدين أن يلقي بأسفار الإنجيل المقدس فى سلال القمامة حيث أنه تم العثور على عدد كبير جدًا من الأناجيل المقدسة علاوة على كتب تفسيرات لاهوتية كثيرة جدًا بالإضافة إلى سير القديسين وكُتب الطقوس الكنسية.. كيف يلقى القبطى بإيصالات دفع ضرائبه فى سلال القمامة وهو الإثبات الذى يعفيه من السجن والتعذيب والقتل أحيانا، حيث أنه من المعروف أن الشعب القبطى ظل طوال تاريخه يدفع الضرائب والجزية أو بالتعبير الشعبى الدارج ( الإتاوة ) لجيوش مستعمرة مختلفة الأجناس ؟ ..
لماذا يتكلف القبطى عناء وضع هذه الأوراق فى سلال بشكل منظم ثم يحمل هذه السلال لبضعة كيلومترات ثم يحفر حفر جديدة ليلقيها هناك؟ لماذا لم يلقوها بشكل عفوى فى أى مكان فى الصحراء وتقوم الشمس والرياح بتدميرها ؟ كما نفعل اليوم فى الصحراء عندما نلقى القمامة فى كل مكان فى المناطق السكنية وفى الصحراء .
الجدير بالذكر أن هذه المستندات والوثائق الهامة وجدت على شكل حزم ومجموعات مربوطه وقد وضعت بترتيبها التاريخى وبترتيب وبشكل معين يوحى بأن واضعيها عمدوا إلى وضعها بهذا الشكل وهذه الطريقة حتى يمكن الرجوع إليها عندما يكونون فى حاجة إلى ذلك. لذا يعتقد الباحثين أن المكان الذى أطلقوا عليه مكان ” السبخ” كان مكان الأرشيف المخصص لحفظ الأوراق.
فى كتاب “عالم الأقباط” يذكر أن الأقباط كانوا يقومون ِبحفظ المأكولات عن طريق حفر حفرة غير عميقة مزودة بباب يفتح لأعلى ؛ هذه الحفرة فى الأرض كانت درجات الحرارة والرطوبة فيها مناسبة على الدوام وطوال العام تقريبا ليست مرتفعة ولا منخفضة جدًا لكن بدرجة حرارة معينة لا تتلف معها الأغذية بسرعة بل تحتفظ لفترات طويلة.
الحفر التي حفرت ووضعت فيها السلال تم حفرها هى الأخرى كى تحافظ على البرديات من التلف بسبب عوامل الطبيعة وهو ما قد حدث بالفعل و بنجاح لمدة أكثر من ألفين عام من الزمان .
 

بردية من إنجيل متى 
 

ضمن آلاف البرديات المكتشفة في أوكسيرنخوس (البهنسا قديماً)
 
 
3- مباني مدفونة تحت الأرض
في عام 1922م جاء العالم الإنجليزي وليم فليندرس بيترى وأمضى بعض الوقت في موقع البهنسا، وأرسل خطاب إلى العالم “هانت” يصف فيه الأحوال في البهنسا أثناء تنقيبه عن الأثار في مصر، ومن أهم ما ورد في هذا الخطاب:
“‘نحن هنا منذ ثلاثة أسابيع، وبعد أن قمنا بالتنقيب عن بعض مئات من قبور الأسرة الأولى فى أبيدوس. نحن الآن فى بستان نخيل قديم، الذى تغير تمامًا بسبب خطوط السكك الحديدة التى تمر فوق البحر اليوسفى وكومة السبخ الموجودة خلف المدينة بالطول.. تم البحث فى السبخ بدقة وتم العثور على العديد من أوراق البردى” .
“إننى أحاول هنا أخذ فكرة ما عن المكان، والتخطيط ، ودراسة الأعمدة الموجودة هنا وهى أكثر من 27 عمود ، والدير الضخم جدًا لدراسته وكذلك القبور المقببة التى بنيت من القرن الثالث إلى القرن السادس الميلادى وهى توجد فى الشمال .. ”
” نحاول إنقاذ القليل من الهندسه المعماريه قبل أن تختفى جميعها إلى الأبد. أنا فى إنتظار أن نسمع بعض التقارير على مواقع الجنوب، والتى قد تكون أكثر فى دائرة إهتمامى ، لم نسمع أى أخبار من مكان التنقيب الرئيسى الذى كنا نعتقد أنه دير لكنه كان المسرح .”
وجد المكتشف بيترى بقايا أعمدة في مساحة أرض طولها 80 متر وقدر إرتفاع العمود الواحد بحوالى ستة أمتار، وفى الغالب كانت هذه الأعمدة موضوعة على جانبى شارع من شوارع المدينة المهمة أو أنها كانت جزء من مبنى دير ضخم أو جزء من أعمدة معبد أو مكان كانت تقام فيه السوق..
وقال بيترى في كتاباته: “يبدو أن هذه الأعمدة كانت عبارة عن أربعة أوجه لمكان كبير جدًا”
 

العالم الإنجليزي وليم فليندرس بيترى
 
 

اكتشافات من مدافن بأوكسيرنخوس
 
 

عمود كورنثي مازال مكتشف عام 1922م وموجوداً حتى الأن
 
 
 
البهنسا اليوم
مدينة أوكسيرنيخوس (البهنسا اليوم) هى قرية تقع على قناة يوسف في محافظة المنيا، وقد احتلت مكان مدينة قديمة كانت تقع غربى قناة يوسف وغطت الرمال القادمة من ليبيا كل أطلالها تقريبًا ولم يعد من الممكن قياس مداها.
وتوجد أيضًا تحت الرمال مدينة أخرى كانت قد أُنشئت بعدها على مسافة أقرب من قناة يوسف، ونجد فى الأطلال أجزاء كثيرة من أعمدة حجرية من الجرانيت والرخام، وقد نقل منها المسلمون كميات كبيرة داخل مساجدهم التى كانت فى الأصل كنائس قديمة، بين البقايا التى مازالت مرئية فى موقع المدينة القديمة.
وعلى بعد مسافة ما داخل الصحراء نلاحظ وجود عمود كورنثى قائم ذى حجم كبير وهو يظهر بالكامل فوق الرمال، وقد ظل تاج العمود فى مكانه ويحمل جزءًا من السقف ويبلغ إرتفاع هذا العمود ثمانية أمتار تقريبًا .ويبدو هذا الأثر رومانيًا وليس إغريقيًا.
ولو كان بالإمكان إجراء حفائر فى هذه الأطلال لوجدنا دون أدنى شك عددًا كبيرًا من الآثار المصرية القديمة والإغريقية والرومانية.
 
 
مزارات بركة بالبهنسا
دير العذراء والملاك ميخائيل في العصر الحديث
كلف قداسة البابا تواضروس الثاني نيافة الأنبا اسطفانوس أسقف ببا والفشن وسمسطا بتأسيس الدير وتجهيزه إنشائياً وروحياً لإعادة إحياء التراث الرهباني القديم لهذه المنطقة. وعلى أثر هذا التكليف تفضل نيافته بالقيام بأولى زياراته للدير يوم 24 ديسمبر 2015 لتفقد مباني الدير وإنشاءاته، ثم جاءت رسامة أول راهبين في الدير، الأن يعيش فيه 25 راهباً.
ويقع الدير على مساحة ستين فدان غرب البهنسا وشرق الطريق الغربي القاهرة – أسيوط، بحري مطاي وأمام طريق البويطي، ويبعد حوالي 30 كم عن مدخل دير الأنبا صموئيل المعترف جنوباً.
ويعتبر دير العذراء والملاك ميخائيل هو آخر حدود بني مزار من جهة الغرب، الظهير الصحراوي لقرية البهنسا.
وهذا الدير أيضا يعتبر نقطة تستطيع الوفود السياحية أن تتوجه إليه أثناء زيارتها للمكان ولتلك النقطة على مسار العائلة المقدسة.
 
 

دير العذراء مريم والملاك ميخائيل
 
 

رهبان الدير مع قداسة البابا تواضروس الثاني والأنبا اسطفانوس رئيس الدير
 
 

خريطة توضح مكان الدير وبُعده عن قرية البهنسا الحالية
 
 
بنات البهنسا
حكاية ضريح السبع بنات.. مكان بركة حوله حكايات متعددة.. أشهر هذه الحكايات جميعا، حكاية « السبع بنات » اللاتى انضممن لجيش عمرو بن العاص، وارتدين ملابس الرجال وأبلين بلاء حسناً فى تلك الفتوحات، وبينما هن فرحات بما حققن من إنجاز، إذ رحن يزغردن ابتهاجا وكشفت زغاريدهن حقيقتهن أمام جنود الروم الذين تسللوا إلى خيامهن ليلاً وذبحوهن.
وهناك من يقول أيضا إن هؤلاء البنات السبع – مجهولات الاسم – لم تكن مسلمات، بل هن سبع من الراهبات اشتركن مع الجيش الإسلامى أثناء توجهه لفتح البهنسا، وبذلن أنفسهن دفاعاً عنها، حتى تعقبهن الروم وقتلهن ودُفنَّ معا.
وإزاء هذه التضحيات النادرة خلد الوعى الشعبى سيرة المرأة البطلة، وخصيصاً “السبع بنات” حيث حول من ساحة مقابرهن بأعلى إحدى التلال الرملية إلى مكان مقدس.. يلجأ إليه الراغبون فى الإنجاب – رجالا ونساء- أو الساعون للتخلص من متاعب الجسد غير المفهومة، أو الباحثون عن الصفاء الروحي..بغرض الشفاء أو نوال البركة.. أغراض متعددة يجمعها طقس واحد، اسمه ” الدحرجة” حيث ينام المرء على جانبه الأيمن بعد أن يعقد يديه خلف رأسه، ثم تقوم خادمة المكان بدفعه من أعلى التبة لينزل متدحرجاً، ويكرر الفعل ذاته من ثلاث إلى سبع مرات، ليتم ما يبتغيه بحسب إيمانه.
 

قبة السبع بنات
 
 
تنمية قرية البهنسا
في تصريح خاص من الدكتورة كريستينا عادل فتحي كامل، بكلية سياحة وفنادق جامعة المنيا، بخصوص واقع التنمية المستدامة في قرية البهنسا بمحافظة المنيا، قالت:
يجب دراسة وتوثيق الوضع الراهن للمجتمع المحلي بالبهنسا بهدف تحديد المشكلات التي تواجه تفعيل آليات التنمية المستدامة في القرية، ويجب الإرتقاء بقرية البهنسا حضارياً بما يتناسب مع موقعها ومقوماتها التراثية وإمكانياتها كموقع أثري وكإحدى محطات مسار العائلة المقدسة، ووضعها على الخريطة السياحية.
وأكدت الدكتورة كريستين أنه من خلال دراستها للوضع في البهنسا، قامت بجمع بيانات عن الخدمات وعدد المدارس بها والمناطق الأثرية.. واتضح من الدراسة أنها منطقة تعاني من إهمال ألحق بها أضرار جسيمة؛ حيث أن التسويق لها مهمل، كما أن الأجهزة المعنية بالسياحة لم تنتهج حتى الآن من وضع أساليب لتفعيل استغلال المزايا التراثية التي تتمتع بها منطقة البهنسا، مما يُهدِر فرصاً كثيرة من النمو والإزدهار الإقتصادي والإجتماعي والثقافي.
وألقت الدكتورة كريستينا عادل، الضوء على أن منطقة لها قيمة تراثية وأثرية ثمينة كما سعت دراستها الميدانية جاهدة لتحديد معوقات التنمية بها، وتحديد فرص حماية التراث من خلال الوعي الأثري للمجتمع المحلي، مع الاهتمام بالمحافظة على مقومات التراث الحضاري والثقافي والطبيعي بها؛ لتكون مؤهله سياحياً لاستقطاب السياحة الدولية.
 
وأكدت الدكتورة كريستينا من خلال دراستها الميدانية لمنطقة البهنسا، أن معوقات التنمية بالقرية تنحصر في:
أ- معوقات مرتبطة بالمجتمع المحلي:
– ضعف الوعى بمفهوم الاستدامة وتطبيقاتها واهداف مصر 2030 المستدامة.
– ضعف مستوى المعيشة .
ب- معوقات متعلقة بالإجراءات الحكومية:
– البطء في تفعيل قرارات خطط التطوير والتنمية السياحية بالمنطقة (وضعت خطة تطوير منذ 2009 بدأ تنفيذ المرحلى الأولي منها في 2014 ).
– عقد إجتماعات ودراسات دون تفعيل توصياتها.
– تعدد الجهات المسئولة بالمنطقة (محافظة المنيا / الادارة المحلية – وزارة الثقافة / منطقة آثار المنيا ـ وزارة السياحة / مكتب تنشيط السياحة ).
ج- معوقات من داخل القطاع السياحي:
– قصور نمط السياحة بمنطقة البهنسا على السياحة الثقافية والدينية دون أي أنماط أخرى التي تمتلكها المنطقة (أو يمكن أن تمتلكها المنطقة من خلال تنميتها والإهتمام بها).
– ضعف برامج التسويق السياحي الإلكتروني أوالورقي لمقومات الجذب السياحي بالمنطقة.
– عدم دمج الدراسات والأبحاث العلمية بالواقع العملي ولو حتى على سبيل الإستفادة منها.
– عدم الإهتمام الحقيقي بكل وظائف التخطيط السياحي الذي يقوم على التقدير المسبق لما سوف يكون عليه المستقبل من توقعات وتنبؤات يضعها المخططون ومن ثم وضع الترتيبات اللازمة لمواجهتها. وهناك خطة للتنمية للمنطقة ولكنها غير مفعلة.
 
وأوصت الدكتورة كريستينا عادل ببعض التوصيات التي تساعد على الارتقاء بهذه النقطة المهمة منها:
– التوعية: تعريف المواطن بأهمية الآثار الثقافية ومردودها الاقتصادي عليه، وانتهاز الفرص لإثارة اهتمامه بالتراث الحضاري وإشعاره بالمسؤولية.‏
– إشراك المواطنين في اللجان والمؤسسات الحكومية والأهلية الراعية لتنمية مجتمعهم.
– طرح مشروع قومي شاملاً للاهتمام بالحرف والصناعات التقليدية؛ يهدف الى الوصول إلى رؤية جماعية تضمن مشاركة الجهات المعنية بالإنتاج الحرفي، ومتابعة تنفيذ البرامج التدريبية للحرفيين، وتذليل العقبات التي قد تعترضها، وتشجيعهم لمواصلة تطوير حرفهم عن طريق تنظيم المسابقات الإبداعية، وإقامة المعارض، وتسويق هذه المنتجات.
– قيام الجمعيات الأهلية بتنظيم مجموعة من اللقاءات لتوعية سكان المنطقة بأهمية التنمية المستدامة، وذلك بهدف المساهمة في رفع وعى السكان بأهمية المحافظة علي موارد البيئة ، وذلك لتعزيز مشاركة المجتمع المحلي في صنع القرار.
– رفع مستوى الوعى السياحي للأطفال بتوعيتهم بأهمية التنمية المستدامة ودورها في المحافظة علي موارد المجتمع للأجيال القادمة؛ من خلال الجانب التعليمي بقيام وزارة التربية والتعليم بإدراج جانب الاستدامة بطرق مبسطة في المناهج التعليمية ، وأما من خلال الجانب العملي بتنظيم مخيم صيفي يضم العديد من الأنشطة التطوعية واليدوية التي تساعد في فهم الأطفال لموضوع الصناعات اليدوية والحفاظ على البيئة.
 

الدكتورة كريستينا عادل
 
 
الأنبا اسطفانوس: أدعو سكان المنطقة للحفاظ على التراث وتقبل السياح
وفي تصريح خاص لوطني من نيافة الحبر الجليل أنبا اسطفانوس أسقف ببا والفشن وسمسطا والنائب البابوي لإيبارشية بني مزار والبهنسا، أكد على أهمية نقطة البهنسا التاريخية وطالب وزارة السياحة والأثار أن تهتم ببعض المتطلبات في هذا المكان منها:
– الاهتمام بتمهيد الطرق المؤدية لمزارات البهنسا السياحية لتكون آمنة لتحرك الأوتوبيسات السياحية عليها مع عمل مواقف سيارات تتناسب مع توافد السياح لهذه الأماكن السياحية.
– الاهتمام بوضع لافتات استرشادية ويفط على الطريق السريع القاهرة – أسيوط، حتى يكون الوصول للنقاط الأثرية واضحاً.
– الاهتمام بتطوير المكان حول المزارات المختلفة مع عمل أسوار تحمي المزارات من يد الإهمال وقلة الوعي لدى سكان المنطقة البسطاء، مع التوعية بأهمية وكيفية الحفاظ على تلك الأثار.
– توفير الخدمات الأساسية من دورات مياه وكافيتريا وبازارات لخدمة السياح حول نقطة الشجرة والبئر.
 
وناشد النائب البابوي لإيبارشية بني مزار والبهنسا، المجتمع المدني، لمساعدة الدولة في عمل دورات توعية لسكان البهنسا لمعرفة كيفية الحفاظ على الأثار بالمنطقة وكيفية تقبل السياح في الأماكن المحيطة بهم. وكذلك السعي لتعليم سكان المنطقة حرف يدوية بسيطة لخلق فرص عمل ينتج منها عائد لرفع المستوى الاقتصادي لأهل المكان.
وأوضح أهمية الترحيب بالسياحة الروحية في هذا المكان، مؤكداً أن دير العذراء مريم والملاك ميخائيل يفتح أبوابه لكل الزائرين للصلاة والتبارك بأراضي البهنسا التي وقف عليها الطفل يسوع وأمه العذراء مريم.
وأعلن لوطني أنه يتوفر في البهنسا أماكن مبيت للسياح ما بين دير العذراء والملاك ميخائيل و(يسع 100 فرد) وبيت أبونا ونس (سعة 100 فرد أيضا) ويوجد لدينا مركز مؤتمرات وقاعة طعام، ويتوفر أيضا قاعة للصلاة لغير الأرثوذوكس.
 
 

 

Most Popular

Recent Comments