تحتفل الكنيسة هذا الأسبوع بتذكار أحد السامرية من الصوم المقدس، وفى تلك القصة الخالدة نجد انسان يحمل العديد من الخطايا و يهرب من نظرات البشر، فيجد أمامه الرب يسوع ليعطيه الماء الحي الذي يرفع عنه جميع ما فعله.
فالماء الحيا جعل من السامرية امرأة قوية تعترف أمام الناس بخطاياها وتسعد بالغفران، ولكن يبقى السؤال ما مفهوم الماء الحى؟… وأين نجد الماء الحى؟.. وماذا نفعل لكي نحصل عليه؟، توجه موقع جريدة “وطنى” إلى مسئول الكنيسة حتى يجيب على كافة الأسئلة.
قال القمص فيلوباتير زكى، كاهن كنيسة العذراء مريم بالخصوص، خاض الرب يسوع طريق طويل وأخير تعب فجلس عند حافة بئر يعقوب جلس ينتظرنا لأن محبته الفياضة وقلبه الكبير يريدان خلاصنا من خطايانا، فهو يعرف أنه سيجد المرآة، ويدرك أنها خاطئة ومع ذلك جلس ينتظرها ليخلصها. ويعطيها حياة جديدة.. فهو جاء ليخلص الخطاة يشف مشاعرهم الجريحة وأجسادهم المريضة ويغفر لهم ، يحررهم من قيود الخطيئة ويمنحهم الفرح .. أنه ينتظر إي احد تعبان لانه مستعد أن يضحي براحته و حياته من أجلنا ومن أجل خلاصنا .
في هذا الوقت أرسل يسوع تلاميذه ليشتروا طعاماً من المدينة ولقد كان هذا الحدث جديد على التلاميذ فكيف لهم أن يأكلوا طعاماً لوثته أيدي السامريين بذلك غير يسوع نظرتهم إلى الأمور وأزال هذه الحواجز من داخلهم.. لأن فى ذلك الوقت كام يوجد خلاف بين اليهود والسامريين.
وجاءت المرأة السامرية فى وقت الظهر رغم أشعة الشمس الصعبة جاءت فى تلك الوقت حتى لا يراها أحد، وطلب يسوع من المرأة “أعطني لأشرب”. أنه يطلب منا أيضاً ليشرب. لماذا؟ هل يحتاجنا يسوع؟ نعم فيسوع يبحث عنا، يدعونا، يريدنا أن نلتفت له.
مفهوم الماء الحي
أن محبته لنا تجعله يسعى ورائنا ليجذبنا، يريدنا أن نعطيه جزء من وقتنا ولو قليلاً.. أنه يدعونا للجلوس معه وفتح قلوبنا له ليملأها هو بماء الحياة.. لكن السامرية تجيبه أنا سامرية وانت يهودي فكيف تطلب أن اسقيك.. فهي ترفض دعوة يسوع. وكثيراً ما نرفض دعوة الله لنا في حياتنا.. لكن يسوع لم يتركها رغم رفضها بل جاءها بالتدريج كي تفهم وتكتشف بنفسها العمق الذي يريده يسوع . .” لو كنتِ تعرفين من الذي يطلب منك لطلبتِ أنتِ منه ماء الحياة ” يسوع يعطي ماء الحياة وهو الروح القدس وما يعمله من تغيير الإنسان .. فعندما يملأ الروح القدس قلب الإنسان سيحدث تغيير في كل كيانه ويصبح أنسان جديد في الطباع والسلوك والأفكار ويصبح كنبع ماء يفيض دائماً ويروي عطش الروح.. وسوف يدرك محبة الله غير المشروطة له.. هذا التغيير يسمى (الولادة الجديدة) وهي تحدث عندما تلمس روح الله لروح الإنسان الميتة وتحييها في علاقة حية مع الله وهي عطية مجانية (هبة) من الله.. بهذا تولد بذرة في داخل الإنسان تنمو وتكبر يوم بعد يوم بمرافقة الله، تتعلم أن تصبح على صورة الله.
هذا هو هدف يسوع مع السامرية ومع كل واحد منا لنكون أبناء الله… ولكن السامرية لم تثق بيسوع بأنه قادر أن يعطيها الخلاص وهذا ظهر فى كلامها “لا دلو معك والبئر عميقة”.
وهذا يا أبنائى ما نفعل نحن عندما نغرق في مشاكلنا وتحت ضغوط الحياة لا نستطيع أن نثق بأن الله قادر على خلاصنا ونرى مشاكلنا بعمق هذا البئر بحيث لا يمكن حتى ليسوع الوصول لحلها..ورد يسوع بمحبة “كل من يشرب هذا الماء يعطش ثانية أما من يشرب من الماء الذي أعطيه لا يعطش أبداً”.
لأن من يشرب من ماء الروح القدس يصبح ينبوع ماء (يفيض) إلى حياة أبدية حيث تتدفق عطاياه كالأنهار.. فيسوع لم يقصد بالماء هنا معناه الحرفي لكن قصد الروح القدس وعمله في الانتعاش وما ينتج عنه من ارتواء روحي وحيوية دائمة.
ولكن لن تدرك السامرية هدف يسوع من الحديث حيث تصورت أن يسوع عندما سيعطيها هذا الماء ستبقى في بيتها ولا تعود إلى البئر ثانية بذلك توفر على نفسها الإحراج عند تقابلها مع الناس. فعند نوالنا الروح القدس واختبارنا الولادة الجديدة لا يعني أن حياتنا ستصبح سهلة وبدون مشاكل ، لأن الشر موجود في العالم والمشاكل مستمرة لكن الفرق هو أنه بعد الاهتداء سنصبح مدركين لحضور الله حتى وسط مشاكلنا لذلك فرجاءنا لن ينقطع في أن الله سوف ينقذنا وسنتعامل مع مشاكلنا بمفهوم الله وبطريقة الله وليس بطرقنا لأن طرقنا بالتأكيد لا تصلح لكن قيادة الروح القدس لنا تجعلنا نفهم عمل الله وقصده في حياتنا.
يسوع يكشف عن خطايا السامرية
بمحبة كشف الرب يسوع للسامرية عن ذاتها وأخطائها. فبعد خبرة اكتشاف يسوع بالولادة الجديدة فالله لا يتركنا بل يكشف لنا عن ذواتنا ودواخلنا. فنور الله سيسلط الضوء على أخطائنا ويعرفنا حاجتنا لله وهذا هو أعظم شيء بلقاءنا بالله فهو يرينا بانه كاشف لقلوبنا يفهمنا ويعرف كل شيء عن دواخلنا وحياتنا بشكل يدعو إلى الاندهاش كاندهاش السامرية عندما واجهها بحقيقة حياتها وبأنها تعيش مع رجل ليس زوجها.. حيث تحرك الالم بداخلها وشحب وجهها ورأت نفسها على حقيقتها وأجبرت أن تجابه حياتها وخطيئتها.
يسوع فتح أمام السامرية أفاق جديدة وعظيمة لم تدركها في جهلها وخطيئتها، جعلت مداركها تتفتح وتستوعب وتصل إلى هذا المستوى من التفكير والإدراك العالي.
بعد هذا الحديث الطويل بين السامرية ويسوع جاء التلاميذ وتعجبوا لأن يسوع يتحدث مع امرأة في الطريق مهما كانت قرابتها له ويعتبرون المرأة أقل شأناً من الرجل وليس من حقها تعلم الشريعة .. لكن يسوع حطم هذه الحواجز والعقلية الجامدة فلم يتجرأ أحد من التلاميذ أن يسأله عن المرأة لمعرفتهم بيسوع كونه معلم عظيم ..فليس لنا أن نتساءل عن تصرفات يسوع معنا أو مطاليبه منا فأمام أعماله وأوامره ينبغي أن يتلاشى كل اعتراض أو فضول ،هو بالحقيقة إنسان قد وصل إلى درجة رفيعة من التلمذة الحقيقية للمعلم الأعظم.
أما المرأة كانت قد تركت جرتها عند البئر وأسرعت إلى القرية ، وكونها قد تركت جرتها يشير إلى حقيقتين: الأولى أنها مسرعة للآخرين لإشراكهم معها في اختبارها المبارك.. الثانية أنها كانت مصممة أن تعود إلى يسوع لتقدم له خدماتها.
وفى النهاية يجب أن ندرك أن السامرية ولدت إنسان جديدة، ولدت من جديد ابنة لله.. الرب تعامل معها بنعمة وأقامها من الموت، أحياها وأعطاها امكانات جديدة لتحيا بها وأن اللقاء بالرب يسوع غير حياتها ونقلها من الظلمة إلى النور.