ميلدريد هارناك، هي شابة أميركية أمر الزعيم النازي أدولف هتلر بإعدامها بقرار شخصي عام 1943، لتسدل هذه النهاية المأساوية الستار على فصول قصة، ضجت بأحداث بوليسية مثيرة.
وبقيت قصة هارناك محجوبة لعقود عديدة حتى جاءت حفيدة شقيقتها، الكاتبة ريبيكا دونر، لتسرد الكواليس الحقيقية، في كتاب جديد اسمه “كل المشاكل المتكررة في أيامنا”، يصدر الثلاثاء 3 أغسطس، من وقع مستندات حصلت عليها دونر من مصادر عديدة.
وبحسب الكاتبة ريبيكا دونر فإنها بدأت تتعرف على قصة شقيقة جدتها عندما عثرت في طفولتها على خطابات موقعة من هارناك، ثم بدأت تتوجه إلى جدتها بالأسئلة عن هارناك.
وبعد حكايات متصلة، أوصتها الجدة في النهاية بكتابة قصة شقيقتها ميلدريد، ليكون هذا هو الحافز لخروج القصة المحجوبة إلى النور.
قصة مثيرة
وبحسب الكتاب الصادر عن دار نشر “ليتل براون وشركاه”، ولدت ميلدريد هارناك عام 1902 وترعرعت في ميلووكي بولاية ويسكونسن الأميركية، وبدأت قصتها مع الجاسوسية وهي في عمر 26 عاما عندما التحقت ببرنامج الدكتوراه في ألمانيا وشهدت صعود الحزب النازي.
في عام 1932، بدأت هارناك وزوجها أرفيد هارناك في عقد اجتماعات سرية في شقتها لمجموعة صغيرة من النشطاء السياسيين، نمت بحلول عام 1940 لتصبح أكبر جماعة مقاومة سرية في برلين.
وجندت هارناك ألمانا من الطبقة العاملة في المقاومة، وساعدت اليهود على الهروب، وخططت لأعمال تخريبية، وتعاونت في كتابة منشورات تدين هتلر وتدعو إلى الثورة.
وكان شركاؤها يتنقلون عبر برلين تحت غطاء الليل، وينزلون المنشورات إلى صناديق البريد، والمراحيض العامة، وأكشاك الهاتف.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية خاطرت ميلدريد هارناك بحياتها، وأصبحت جاسوسة تنقل معلومات حساسة من وزارة الاقتصاد الألمانية، حيث كانت تعمل.
وعشية هروبها إلى السويد، تعرضت لكمين من قبل الغستابو، وفي محكمة عسكرية نازية، حكمت عليها هيئة من خمسة قضاة بالسجن 6 سنوات في معسكر اعتقال، لكن هتلر نقض القرار وأمر بإعدامها في 16 فبراير 1943، حيث تم ربطها بمقصلة وقطع رأسها.
مصادر القصة
اعتمدت الكاتبة ريبيكا دونر، حفيدة أخت هارناك، على أبحاثها الأرشيفية المكثفة في ألمانيا وروسيا وإنجلترا والولايات المتحدة بالإضافة إلى الوثائق المكتشفة حديثا في أرشيف عائلتها لإنتاج هذا العمل المذهل من القصص الخيالية.
من خلال دمج عناصر من السيرة الذاتية، والإثارة السياسية الواقعية، والقصة البوليسية العلمية، دمجت دونر الرسائل، واليوميات، والملاحظات المهربة من سجن برلين، وشهادات الناجين، ومجموعة من الوثائق الاستخبارية التي تم رفع السرية عنها في قصة ملحمية قوية.
علمت دونر أيضا من جدتها أن هارناك وظفت ابن دبلوماسي أميركي كان يبلغ من العمر حينها 11 عاما، وكان يقوم بتسليم رسائل مشفرة إلى والديه، الذين أرسلا المعلومات إلى الولايات المتحدة.
كان اسم هذا الصبي دونالد هيث جونيور، وفي عام 2016 التقته دونر، إذ كان يعيش في كاليفورنيا، وكان عمره 90 عاما تقريبا.
وروى هيث لها كيف كان يسلك طريقا مختلفا إلى شقة هارناك في كل مرة يجتمعون فيها من أجل “جلسات الدروس الخصوصية”، وكيف يستخدم زجاج حوض السمك في حديقة حيوان برلين كمرآة للتحقق من متتبعيها.
وحكى أيضا عن نزهات الريف عندما كان يرافق هارناك وأبويه في كل مرة، حيث كان يرتدي زي شباب هتلر، ويغني أغان مختلفة كطريقة لتوصيل رسائل مفادها “لا أحد هناك”.
بعد هذا اللقاء بنحو شهرين توفى هيث، وفي الأسابيع التي تلت الوفاة، تلقت دونر مكالمة من عائلته، تخبرها بإمكانية الوصول إلى 12 صندوقا مليئا بالوثائق من برلين، حيث اُكتشفت مذكرات والدته.
واتضح من هذه الصناديق أن لويز هيث وميلدريد هارناك كانتا صديقتين حميمتين، كما اكتشفت دونر أيضا وثائق استخباراتية شديدة السرية تقدم نظرة ثاقبة جديدة حول تجسس هيث وهارناك.
وأعطت كل هذه الحكايات والمستندات الفرصة لدونر لتنفض الغبار عن واحدة من أكثر القصص البوليسية غموضا وإثارة في التاريخ الحديث، لتعيد في النهاية نسج حكاية شقيقة جدتها ميلدريد هارناك التي كاد أن يمحوها التاريخ.