في سعيها لتعزيز المراقبة وجمع المعلومات، أدخلت وزارة الداخلية البريطانية نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على مدار 24 ساعة للأشخاص المهددين بالترحيل والمُفرج عنهم بكفالة بعد ارتكابهم جنحا جنائية. خطوة أثارت قلق المنظمات الإنسانية التي تتهم الحكومة بأنها لم تفصح عن هذا التغيير بشكل علني، وقالت إن السلطات تنتهج سياسة “غير مسبوقة ولها آثار مقلقة” على حقوق الأشخاص.
في خطوة “غير مسبوقة”، بات من الممكن أن تراقب الحكومة البريطانية الأشخاص المهددين بالترحيل والمُفرج عنهم بكفالة* بعد ارتكابهم جنحا جنائية، على مدار الساعة. وتتوقع الجمعيات أن تُطبق هذه السياسة على شريحة أوسع من الأشخاص الحاصلين على قرار ترحيل.
وفقا لهذه السياسة الجديدة، هناك تحول من استخدام أجهزة مراقبة التردد اللاسلكي (التي تنبه السلطات إذا ترك مرتديها منطقة مخصصة) إلى أجهزة تعقب GPS على مدار الساعة (والتي يمكنها تتبع كل حركة يقوم بها الشخص)، مع منح وزارة الداخلية صلاحيات جديدة لجمع هذه البيانات وتخزينها والوصول إليها بشكل غير محدود.
الأشخاص المعنيين بوضع جهاز التعقب هم من الرعايا الأجانب الذين صدرت بحقهم قرارات ترحيل بعد إدانات جنائية لمدة 12 شهرا أو أكثر. وحاليا تختارهم الحكومة على أساس تقديري، لكنها تسعى للتوصل إلى أداة قانونية لجعل المراقبة إلزامية لآلاف الأشخاص، بغض النظر عن خطورة جرائمهم أو مخاطر هروبهم.
وتظهر بيانات هيئة “حرية المعلومات” (FOI)، التي حصلت عليها شركة المحاماة Leigh Day، أنه يوجد حاليا 269 شخصا يضعون أجهزة تعقب GPS على مدار الساعة.
سياسة “غير مسبوقة ولها آثار مقلقة” على حقوق الأشخاص، بحسب وصف مجموعة من المنظمات الإنسانية، والتي أشارت إلى أن الحكومة تعمل على إعداد صك قانوني لجعل المراقبة الإلكترونية إلزامية لجميع أولئك الذين يواجهون الترحيل باستثناء بعض الحالات، “ما يعني أن آلاف الأشخاص سيخضعون على الأرجح لهذا الشكل الأكثر توغلا من المراقبة”.
وفي حديث مع صحيفة “الغارديان” البريطانية، لفت رودي شولكيند، العضو في منظمة “Bail for Immigration Detainees” التي تدعم المهاجرين، إلى أن “ضحايا الإتجار بالبشر يرتكبون أحيانا جرائم نتيجة الإتجار بهم، مثل أولئك الذين تم استعبادهم في مزارع القنب البريطانية، ويواجهون الترحيل وتعقب نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) كنتيجة مباشرة”.
استخدام البيانات لأغراض أخرى
المنظمات غير الحكومية اعتبرت هذه الخطوة كوسيلة مراقبة تمكّن السلطات من جمع بيانات آلاف الأشخاص، بشكل لا يحترم حياتهم الخاصة. والأخطر من ذلك، أن الدولة تتمكن من الوصول إلى هذه المعلومات بشكل غير محدود، ويمكنها استخدام المعلومات لأسباب أخرى، بحسب الجهات الحقوقية.
ووقعت أكثر من 40 جمعية محلية على رسالة مفتوحة موجهة لوزارة الداخلية البريطانية، للتنديد بهذه السياسة الجديدة ولحث الحكومة على إعادة النظر في هذا الإجراء.
واعتبرت أن المراقبة المستمرة توسع “رقابة الدولة وتسمح لوزارة الداخلية بالوصول، بأقل قدر من الضمانات، إلى البيانات الشخصية الأكثر حساسية للأشخاص”.
وفيما يتعلق باستخدام هذه البيانات لأسباب أخرى، ذكر شولكيند مثالا حول قدرة السلطات على استخدام هذه البيانات في اتخاذ قرارات الترحيل، وليس فقط من أجل التأكد من أن الشخص لن يغادر المكان المحدد له. “قد يعني هذا أنه إذا طعن شخص ما في ترحيله لأن لديه طفلا في المملكة المتحدة، فيمكن للحكومة البحث في بيانات GPS الخاصة بهذا الشخص لمعرفة ما إذا كان قد زار طفله مرات كافية أثناء تعقبه”.
وتقول الجمعيات إن “هذه المحاولة لجمع كميات هائلة من بيانات تحديد الموقع الجغرافي لأغراض تتجاوز مراقبة الامتثال لشروط الكفالة لم يتم توقعها ولم يناقشها البرلمان. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع استخدام المراقبة الإلكترونية في نظام العدالة الجنائية، الذي ينص معالجة بيانات المراقبة الإلكترونية فقط لأغراض محددة وصريحة ومشروعة”.
وأضافت “يعتبر هذا التغيير في السياسة عقابيا”، ويحتمل أن يكون “غير قانوني”.
مراقبة غير محدودة تنجم عنها أضرار نفسية
ويبدو أن استخدام هذه المراقبة المعززة لا يخضع لمدة زمنية محدودة. أي أن الأشخاص الذين يخضعون لهذه المراقبة لا يعرفون متى ستنتهي إجراءات مراقبتهم لأنه لا يوجد حد زمني لفترة تعقب الأشخاص.
ولفتت الجمعيات في رسالتها إلى أن “الضرر النفسي الناجم عن المراقبة الإلكترونية موثق جيدا”، وتؤثر المراقبة على “كل مجالات الحياة تقريبا بما في ذلك القدرة على الانخراط في المجتمع، والعلاقات وتولد ضغوطات مالية وعاطفية”، إضافة إلى شعور هؤلاء الأشخاص “بوصمة العار”.
وقالت الجمعيات إن الحكومة لم تعلن عن هذا التغيير، “ولكنها قدمته بشكل متخفي عن طريق تغيير سياسة الكفالة الخاصة بالهجرة. هذا غير مناسب لتغيير من شأنه أن يتعارض مع الحق في الحرية والخصوصية لآلاف الأشخاص”.
واعتبرت أن هذه السياسة “تزيد من عزل الأشخاص المهمشين بالفعل وتؤدي إلى تطور أو تدهور حالات الصحة النفسية”.
*الكفالة هي الإفراج المشروط عن متهم مع وعد بالمثول أمام المحكمة عند الاقتضاء.