يعاني العراق من نقص كبير في الطاقة، رغم الإنتاج النفطي الهائل وتدفق العشرات من الأنهار الدولية إلى أراضيه، وفي ظل استثمارات حكومية في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، قدرتها مؤسسات دولية بقرابة مائة مليار دولار منذ عام 2005، إلى جانب تمتع البلد بمناخ دافئ مناسب لتوليد الطاقة الشمسية.
وتقول أرقام الحكومة العراقية في مجال الطاقة الكهربائية، إن حاجة البلاد لهذه الطاقة تتراوح بين 20 ألف ميغاواط/ساعة في الفصول المعتدلة، ولقرابة 25 ألف ميغاواط/ساعة في فصلي الصيف والشتاء.
ولا ينتج العراق سوى 19 ألف ميغاواط/ساعة، بينما يستورد الباقي، لكن المسألة لا تتعلق بالإنتاج فحسب، بل تتجاوزها إلى طبيعة الشبكات، حيث أن المنظومة العراقية بالكاد قادرة على نقل نصف هذه الكمية إلى المواطنين، لأن الباقي يُتلف لأسباب مختلفة.
ومن هذه الأسباب، عمليات السحب غير النظامية، وسوء الأداء والجودة وعدم الصيانة الدورية، علما أن مستوى السوء في الشبكة العراقية للكهرباء هي 7 أضعاف المعايير العالمية، التي تحدد سوء الشبكة فقط بـ8 في المئة.
انهيار منظومة الطاقة
الخبير العراقي في مجال الطاقة الكهربائية، الأستاذ السابق في كلية العلوم والتكنولوجيا، سميح الياسري، شرح في حديث مع الدور الرئيسي لغياب الاستراتيجية الحكومية في وصول العراق إلى هذا المستوى من «تصحر الطاقة»، كما أسماه.
وقال: «الطاقة الكهربائية هي المؤشر على الفشل العمومي، فحتى لإنتاجه، فإن العراق يستورد 28 مليون قدم مكعب من الغاز بشكل يومي من إيران، مما يراكم ديونا بمليارات الدولارات على الخزينة العامة سنويا، رغم أن العراق من أكثر بلدان العالم إنتاجا للغاز الطبيعي».
وتابع: «أي أنه وإلى جانب الفشل في إنتاج الكهرباء، ثمة فشل أكبر في إنتاج الغاز الطبيعي نفسه، حيث كانت منظومة إنتاجه في السبعينيات أفضل من الآن».
وأضاف الياسري: «كذلك يلاحظ الباحثون أن مختلف الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003، لم تبحث أو تخطط لإنتاج أي نوع من الطاقة النظيفة. فخلال هذه السنوات لم يُبنَ أي سد نهري قط، والسدود الـ17 التي بُنيت في عهود سابقة، أصبحت تقريبا خارج الخدمة الإنتاجية، بسبب الإهمال وعدم تخصيص الأموال الكافية للصيانة السنوية».
واستطرد: «وطبعا لا يوجد حتى تفكير في مجال إنتاج الطاقة الشمسية، في بلد لا تغادره الشمس تقريبا، ولا طاقة الرياح من جبال إقليم كردستان».
اتهامات لإيران
أثناء التظاهرات التي عمت الكثير من مدن العراق بسبب النقص الحاد في خدمات الطاقة، وجّه المتظاهرون العراقيون اتهامات مباشرة لإيران، معبرين عن اعتقادهم التام بأن الميليشيات العراقية التابعة لها تقوم بتحطيم أبراج النقل ومراكز إنتاج الكهرباء وكذلك نقاط توزيع المياه، لخلق تبعية عراقية تامة لإيران في مجال الطاقة، وبالتالي تحويل العراق إلى تابع سياسي لإيران.
وكانت إيران قد قطعت جميع السواقي والأنهار الإقليمية المتدفقة من أراضيها إلى العراق، والتي كانت تغذي أهم بحيرات وسدود العراق، مثل دربنديخان ودوكان وحمرين.
كذلك فإن إيران تورد للعراق أكثر من 4000 ميغاواط/ساعة من الكهرباء، وبأسعار احتكارية، وتمد منظومته الكهربائية بالغاز الطبيعي اللازم، الذي تبلغ قيمته قرابة أربعة مليارات دولار سنويا.
الناشطة والباحثة العراقية شاميران الجبوري شرحت البعد السياسي لهذا الفشل العراقي في مجال إنتاج وتوزيع الطاقة.
وقالت: «عدد كبير من القوى السياسية العراقية المركزية الموالية لإيران، تريد أن تحافظ على العراق كزبون دائم ومتلهف للطاقة الإيرانية، للادعاء بأن روابطهم مع إيران ليس عقائدية وولائية فحسب، بل أيضا لمصلحة العراق».
وأضافت: «لكن مسألة الطاقة تثبت مدى غرق النخب العراقية الحاكمة في مصالحهم الشخصية ضمن منظومة الفساد، ففقدان العراق لكل هذه الأنواع المختلفة من الطاقة، من ماء وكهرباء ومواد نفطية وطاقة شمسية، يدل بوضوح على أن أيا من الحاكمين للعراق بعد عام 2003 لم يفكروا بالمستقبل العراقي على المدى البعيد».
«فشل متوقع»
خلال العامين الماضيين، سعت الحكومات العراقية الثلاث التي حكمت البلاد على عقد اتفاقيات مع شركتي سيمنز الألمانية وجنرال إلكتريك الأميركية، لإنتاج وإعادة هيكلة وتطوير البنية التحتية للطاقة الكهربائية العراقية، لتكون قادرة على تلبية حاجة البلاد خلال السنوات العشرة القادمة.
لكن المراقبين للمشهد العراقي شككوا في قدرة الشركتين على تنفيذ مشاريعهما المنظورة، بالضبط لأسباب مشابهة لما تلاقيه الشركات النفطية والخدمية العالمية في العراق.
فالمنظومة الإدارية العامة في البلاد غير متعاونة مع هذه الشركات، كذلك فإن الميليشيات والقوى السياسية سترى في أعمال هذه الشركات ما يتعارض مع مصالحها.
وأخيرا لأن العراق «يفقد النخبة التقنية القادرة على التعاون ومراكمة الجهد الذي يمكن أن تقوم به هاتان الشركتان».