مازالت قضية اللاجئ العراقي الذي أوقفته السلطات الفرنسية في 2018 مدار جدل قضائي وإعلامي، في وقت عجزت فيه الأجهزة الأمنية الفرنسية عن إثبات تورطه بالجرائم التي نسبت إليه. وكان اللاجئ قد تم توقيفه بسبب اتهامه بالمشاركة في مذبحة “قاعدة سبايكر” في تكريت في العراق، والتي راح ضحيتها أكثر من 1700 جندي وضابط في الجيش العراقي.
لاجئ عراقي متهم بالمشاركة في مذبحة عام 2014 في بلاده، والتي عرفت بوسائل الإعلام “بمذبحة سبايكر”، حصل على حكم جديد بإطلاق سراحه في فرنسا، حيث تجهد السلطات في بناء قضية متماسكة ضده لإخضاعه للمحاكمة.
اللاجئ العراقي قيد المداولة هو أحمد حمدان محمود عياش الأسودي، 35 عاما، وُجّهت إليه في باريس في آذار\مارس 2018 تهم تتعلق بتنفيذ “اغتيالات إرهابية” وارتكاب “جرائم حرب”، يقول عنها إنها اتهامات ساقتها ضده السلطات العراقية التي أصدرت أمر اعتقال بحقه في 2015.
والتهم الموجهة لهذا اللاجئ مرتبطة بالمشاركة في مجزرة قاعدة سبايكر في تكريت يومي 12 و13 حزيران\يونيو 2014، حين أعدم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نحو 1700 مجند عراقي.
وفي عام 2016، أعدمت السلطات العراقية 36 رجلا “مرتبطين” بهذه المجزرة، بعد سلسلة محاكمة انتقدتها منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية غير الحكومية لافتقارها إلى الشفافية. وكان من بين المدانين حينها الشخص الذي “وشى” بالأسودي.
وكان المتهم، الذي حصل على وضعية اللجوء في 2017، قد رفض في عدد من المناسبات الاتهامات الخطيرة التي يواجهها.
صعوبة بإثبات التهم
ومنذ اعتقاله في 2018، سعى القضاء الفرنسي بصعوبة بالغة لإدانة المتهم دون نجاح، بتأكيد من قاضي التحقيق نفسه الذي اعتبر أن “التحقيقات الجارية والطويلة والمملة، خاصة على المستوى الدولي، لم تسمح بعد بتأكيد أو إبطال” التهم بحقه.
وفي الثامن من شباط\فبراير الجاري، اعتبر القاضي المشرف على القضية أن اعتقال الأسودي لم يعد “مبررا”، وأفرج عنه بموافقة نيابة مكافحة الإرهاب وتحت إشراف قضائي، وبشرط واحد الالتزام ببرنامج مكافحة التطرف المخصص للأشخاص الذين حوكموا أو أدينوا بتهم متعلقة بالإرهاب.
ومع ذلك، لا تزال هناك عدة نقاط غير واضحة في قصة اللاجئ، التي شملت انتماءات لعدة متعددة ومريبة ضمن المشهد العراقي، تنوعت بين الاعتقال لدى المنظمات الإسلامية إلى تعاونه مع الاستخبارات الأمريكية بين 2006 و2010 وصولا إلى ادعاءات حول انتمائه لتنظيم القاعدة وتعرضه للسجن في 2012 بسبب نشاطه السياسي “المعارض”، حسب قوله.
وحسب القصة التي زوّد المحققين بها، قال الأسودي إنه فر مع عدد من المحتجزين معه في 11 حزيران\يونيو 2014، واتصل بالقوات الكردية و”أنشأ شبكة استخبارات” لصالحها، قبل أن يسلك طريق الهجرة عام 2015 حتى وصوله إلى فرنسا.
وفي 2019، أكد مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي الجزء المتعلق بـ”عمله مع الأجهزة الأمنية العراقية” و”لقائه بممثلين عن عدة دول أخرى” في 2007، في إشارة إلى أنهم كانوا أجهزة أمنية أخرى.
لكنه عاد وأشار أيضا إلى الأسودي على أنه “مقاتل في صفوف القاعدة”، و”لعب دورًا تسهيليا لصالح داعش” قبل إعلان الخلافة، دون تقديم أي أدلة على تلك الادعاءات.
لا دليل مادي يثبت تورطه بتلك الجرائم
محامي الأسودي، محمد المنصف حمدي، قال “كلما تقدمنا كلما تضاءلت أهمية اتهامات السلطات العراقية”.
ورأى أنه “كانت هناك رغبة كبيرة في استغلال العدالة الفرنسية والدولية من جانب بغداد لتسوية مشاكل سياسية داخلية”، التي تسعى، حسب قوله، إلى تسمية الجناة لتهدئة غضب عائلات مذبحة تكريت.
واعتبر المحامي أن السلطات العراقية رفضت إرسال أي دليل مادي لدعم اتهاماتها لموكله، ويسأل “ما هو الفضل الذي يجب أن نعطيه لنظام غير قادر على تقديم أدنى ملف قضائي من قبله، والذي أصدر بحقه (الأسودي) مذكرة توقيف؟”.
وأضاف “بعد أكثر من 35 شهرا من الاحتجاز قبل المحاكمة، قضى معظمها في الحبس الانفرادي، موكلي متأثر نفسيا للغاية”. مؤكدا أنه لا زال على استعداد تام للتعاون من أجل الكشف عن الحقيقة”.
ويكتسب نجاح هذه القضية أهمية خاصة بالنسبة لمكتب “الجرائم ضد الإنسانية” في محكمة باريس، والذي تم إنشاؤه عام 2012 لمتابعة المحاكمات المشابهة على الأراضي الفرنسية.
ونفذ المكتب حتى الآن حوالي 40 تحقيقا، بدءا من جرائم الإبادة الجماعية في رواندا إلى سوريا والعراق. وقد أسفرت تلك التحقيقات حتى الآن عن توجيه لائحة اتهام إلى ثلاثة أشخاص، من بينهم الأسودي، لكن لم تتم محاكمة أحد بعد.
فر من فرنسا إلى ألمانيا
ووصل أحمد حمدان محمود عياش الأسودي إلى فرنسا صيف 2016 وحصل على اللجوء في حزيران\يونيو 2017.
وفي 2018، اعتقل في شمال غرب فرنسا. وبعد ثلاثة أيام، وجهت إليه اتهامات متعلقة بـ”ارتكاب أعمال قتل لها علاقة بتنظيم إرهابي” و”ارتكاب جرائم حرب” في العراق، وأودع السجن.
مصدر قضائي أكد حينها أنه تم الإفراج عن الأسودي ووضعه تحت إشراف قضائي في أيار\مايو 2020، لكنه أصيب “بالذعر” عندما اتصل به قسم الشرطة المسؤول عن مراقبته بعد فترة قصيرة معتقدا بأنه سيعود إلى السجن.
وأكد محامي الأسودي، لوكالة فرانس برس في حزيران\يونيو الماضي “لقد أعتقد أن ذلك كان بغرض إعادته إلى السجن” فغادر على عجل إلى ألمانيا، إلى ديغيندورف، حيث زوجته وابنته اللتان لم يرهما “منذ 26 شهرا”.
وتوجه لاحقا إلى مركز للشرطة في ألمانيا، في بافاريا، وادعى بأنه مطلوب في فرنسا.
وأصدر قاضي التحقيق الفرنسي المسؤول عن قضيته حينها مذكرة توقيف أوروبية، وتم إدراج الأسودي ضمن نظام تسليم المطلوبين، وتم نقله إلى فرنسا بعدها بأيام.
“أمير في تنظيم الدولة الإسلامية”
بدوره، أكد مسؤول رفيع في وزارة الداخلية العراقية يتولى التنسيق مع جهاز “إنتربول” عام 2018 أن الأسودي هو أحد كبار القادة في ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” الذين شاركوا في عملية إعدام 1700 من عناصر الجيش والشرطة وسط العراق في 2014.
وأضاف “أحمد حمدان محمود عياش الأسودي كان في سجن صلاح الدين الواقع في تكريت وفر بعد أن استولى تنظيم داعش على المدينة… وأصبح بعدها أميرا في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وشارك في مجزرة سبايكر الواقعة في تكريت شمال بغداد”.
وأكد أن شهادات حصلت عليها القوات الأمنية من متهمين آخرين في ارتكاب المجزرة، أظهرت أن الأسودي نفذ بيده عملية إعدام 103 أشخاص من الجنود وطلاب الكلية العسكرية داخل القصور الرئاسية في تكريت. وصرح المسؤول أنه طلب من فرنسا تسليمه للعراق.