في محاكمة هي الأولى من نوعها، أصدرت المحكمة الإدراية العليا في كوبلنز حكماً على ضابط سوري متهم بالمساعدة والتحريض على جرائم ضد الإنسانية. المحاكمة لم تنته بعد، فهناك متهم أخر ستتم محاكمته في أكتوبر/تشرين الأول القادم!
في أول محاكمة في العالم لارتكاب جرائم قتل وتعذيب من قبل الحكومة السورية، أصدرت محكمة كوبلنز الإقليمية العليا أول حكم لها. وحكمت المحكمة يوم الأربعاء (24 فبراير/شباط) على المتهم إياد الغريب بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف بتهمة المساعدة والتحريض على جرائم ضد الإنسانية في شكل تعذيب وسجن خطير.
وكان المدعي الفيدرالي قد طالب بالسجن خمس سنوات ونصف، لكن المحكمة أصدرت قرارا بسجنه لمدة أربع سنوات ونصف. ومن المتوقع أن تستمر المحاكمات ضد المتهم الرئيسي أنور رسلان حتى الخريف. وذلك بعد فصل القضية ضد كلا المتهمين الأسبوع الماضي. وبحسب لائحة الاتهام، فإن أنور رسلان وإياد الغريب ينتميان إلى المخابرات السورية التابعة لنظام بشار الأسد.
وإياد الغريب (44 عاما) متهم بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية. وهو متهم بالمشاركة في اعتقال وحبس ما لا يقل عن ثلاثين متظاهرا في دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق، في معتقل سري تابع للنظام ويسمى “الفرع 251” أو الخطيب في أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2011.
أشارت رئيسة المحكمة آن كيربر أثناء جلسة النطق بالحكم إلى النشاط الطويل لـ إياد الغريب لدى المخابرات السورية، والذي بدأعام 1996، حيث أشرف على التدريب البدني كمدرب، كان وصفه الذاتي: “عليك أن تجبر الناس على تحمل المزيد”.
منذ عام 2004 ، بدأ إياد الغريب تدريبه في مكافحة الإرهاب، وتعلم محاربة الكمائن ونصبها بنفسه والقيام بالاعتقالات. في دمشق، كان مسؤولاً عن أربع مناطق. كانت وظيفته مراقبة المساجد والتجسس على الأئمة وتمرير المعلومات إلى الرؤساء.
ويعد الحكم الذي أصدره القضاء الألماني حكما تاريخيا ضد عسكري سابق في الاستخبارات السورية تمت محاكمته في أول قضية تتعلق بانتهاكات نسبت إلى نظام بشار الأسد.
محاكمة هي الاولى من نوعها!
ومع اقتراب الذكرى العاشرة لانطلاق الانتفاضة الشعبية في سوريا في 15 آذار/ مارس 2011، هذه هي المرة الأولى في العالم التي تصدر فيها محكمة في العالم حكما في قضية مرتبطة بالقمع الوحشي والدامي من قبل دمشق للاحتجاجات من أجل الحرية التي جرت في إطار “الربيع العربي”. وبذلك يكون إياد الغريب وأنور رسلان أول متهمين يمثلان منذ 23 نيسان/إبريل أمام المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز لتلقي عقوبته بعد أن اختار القضاة تقسيم الإجراءات إلى قسمين.
أما المتهم الثاني أنور رسلان (58 عاما) فيعتبر أكثر أهمية في جهاز الأمن السوري الواسع وملاحق بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قتل 58 شخصا وتعذيب أربعة آلاف معتقل خصوصا. ومن المتوقع أن تستمر محاكمة هذا العقيد السابق حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر على الأقل. ولمحاكمتهم، تطبق ألمانيا مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم ومكان حدوث الجرائم.
تزداد الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم الوطنية في ألمانيا والسويد وفرنسا بمبادرة من اللاجئين السوريين الكثر في أوروبا. وهي حاليا الإمكانية الوحيدة للحكم على الانتهاكات المرتكبة في سوريا مع شلل القضاء الدولي.
وطلبت النيابة عقوبة السجن لمدة خمس سنوات ونصف السنة ضد إياد الغريب الذي كان مسؤولا في أدنى مستويات الاستخبارات قبل أن ينشق في 2012 ويهرب في نهاية المطاف من سوريا في شباط/فبراير 2013. وكان قد وصل في 25 نيسان/إبريل 2018 إلى ألمانيا بعد رحلة طويلة في تركيا ثم في اليونان ولم يخف ماضيه يوما.
هكذا برر المتهم أفعاله!
وعندما روى رحلته الشاقة للسلطات المسؤولة عن البت في طلب اللجوء الذي قدمه، أثار اهتمام القضاء الألماني ما أدى إلى اعتقاله في شباط/فبراير 2019. ويؤكد الادعاء أنه كان جزءا من نظام يُمارس فيه التعذيب على نطاق واسع. ولزم إياد الغريب الذي طغى على حضوره أنور رسلان خلال جلسات الاستماع التي استمرت عشرة أشهر، الصمت وأخفى وجهه عن الكاميرات. ومع ذلك فقد كتب رسالة أعرب فيها عن حزنه على الضحايا. وكان يبكي وهو يستمع إلى محاميه يطالبون ببراءته بحجة أنه كان سيعرض حياته وحياة أسرته للخطر إذا لم ينفذ أوامر في نظام يسحق كل نية العصيان.
كان المتهم تحت إمرة ابن خال بشار الأسد والمقرب منه حافظ مخلوف المعروف ببطشه. ومع ذلك ، استنكر أحد محامي الادعاء المدني باتريك كروكر صمته. وقال إن أشخاصا “من رتبته يمكن أن يكونوا مهمين جدا لإعطائنا معلومات (عن المسؤولين السوريين) الذين نستهدفهم بالفعل لكنه اختار عدم القيام بذلك”.
وأدلى أكثر من عشرة سوريين بإفاداتهم حول الانتهاكات المروعة التي تعرضوا لها في سجن الخطيب. وجرت مقابلة بعض الشهود كم دون كشف هوايتهم وتم إخفاء وجوههم أو وجعلهم يضعون شعرا مستعارا خوفا من الانتقام من أقاربهم الذين ما زالوا في سوريا.
وللمرة الأولى عُرضت صور من “ملف قيصر” على المحكمة. وقام هذا المصور السابق في الشرطة العسكرية بتسريب خمسين ألف صورة مجازفا بحياته، يظهر فيها 6786 معتقلا سوريا قتلوا بوحشية أو يتضورون جوعاً أو يعانون من آثار تعذيب.
والصور التي تم تحليلها في المحكمة من قبل أخصائي الطب الشرعي البروفسور ماركوس روتشيلد تشكل أدلة مادية دامغة.