الرئيسيةمنوعات عالميةمصر.. جرائم أسرية والمخدرات "العامل المشترك"

مصر.. جرائم أسرية والمخدرات “العامل المشترك”

تزايدت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬وتيرة‭ ‬الجرائم‭ ‬الأسرية‭ ‬المفجعة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري،‭ ‬ولعل‭ ‬أحدثها‭ ‬قيام‭ ‬أب‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬الفيوم‭ ‬بقتل‭ ‬زوجته‭ ‬وأبنائه‭ ‬الستة‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬المخدر‭.‬

ولم‭ ‬تقتصر‭ ‬الظاهرة‭ ‬على‭ ‬أنصاف‭ ‬المتعلمين‭ ‬أو‭ ‬محدودي‭ ‬الثقافة‭ ‬والدخل،‭ ‬بل‭ ‬شملت‭ ‬أيضا‭ ‬أطباء‭ ‬وأساتذة‭ ‬جامعيين‭ ‬وإعلاميين،‭ ‬مما‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬خضوع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجناة‭ ‬لضغوط‭ ‬أو‭ ‬أمراض‭ ‬نفسية،‭ ‬تقودهم‭ ‬للفتك‭ ‬بأقرب‭ ‬الناس‭ ‬إليهم،‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬عامل‭ ‬مشترك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬المخدرات‮»‬‭.. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نحاول‭ ‬التعرف‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خبراء‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭.‬

في‭ ‬البداية،‭ ‬يؤكد‭ ‬استشاري‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬وليد‭ ‬هندي،‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬خاصة‭ ‬لموقع‭ ‬‮«‬سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬للعقاقير‭ ‬والمخدرات‭ ‬بأنواعها‭ ‬تأثيرا‭ ‬سلبيا‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬المتعاطي‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬مختلفة،‭ ‬لم‭ ‬يكشف‭ ‬العلم‭ ‬تأثيرها‭ ‬كليا‭ ‬على‭ ‬مخ‭ ‬الإنسان‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وتكمن‭ ‬خطورتها‭ ‬في‭ ‬اختلاف‭ ‬مكونات‭ ‬المخدر‭ ‬وطبيعته‭ ‬وجرعته‭.‬

‮«‬الإستروكس‮»‬‭ ‬نموذجا

وتابع‭ ‬هندي‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬المواد‭ ‬المخدرة،‭ ‬موضحا‭ ‬أن‭ ‬مادة‭ ‬‮«‬الإستروكس‮»‬‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬أنواع‭ ‬المخدرات‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬لتغييب‭ ‬العقل‭ ‬وتدفع‭ ‬بمتعاطيها‭ ‬إلى‭ ‬اقتراف‭ ‬جرائم‭ ‬قتل‭ ‬لأهون‭ ‬الأسباب‭ ‬حتى‭ ‬بحق‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬إليه‭.‬

فهي‭ ‬تجعل‭ ‬المتعاطي‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬ويفقد‭ ‬ذاكرته‭ ‬خلال‭ ‬مدة‭ ‬تعاطيه‭ ‬المخدر،‭ ‬مع‭ ‬حدوث‭ ‬تقلبات‭ ‬مزاجية‭ ‬وتخيلات‭ ‬وأشياء‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تدفعه‭ ‬إلى‭ ‬القتل‭.‬

ويشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المتعاطي‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬تواجد‭ ‬المخدر‭ ‬في‭ ‬جسمه،‭ ‬يشعر‭ ‬وكأنه‭ ‬في‭ ‬حلم‭ ‬وهذا‭ ‬يجعله‭ ‬يقوم‭ ‬بأية‭ ‬جريمة‭ ‬دون‭ ‬الإحساس‭ ‬بفعله‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يزول‭ ‬تأثير‭ ‬المخدر،‭ ‬مما‭ ‬يفسر‭ ‬محاولة‭ ‬الجاني‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬زوجته‭ ‬وأبناءه‭ ‬للانتحار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أفاق‭ ‬على‭ ‬فداحة‭ ‬جريمته‭ ‬البشعة‭.‬

ومن‭ ‬الآثار‭ ‬النفسية‭ ‬لهذه‭ ‬المادة‭ ‬‮«‬عقدة‭ ‬الغيرة‭ ‬المرضية‮»‬،‭ ‬فيتخيل‭ ‬المتعاطي‭ ‬أي‭ ‬تصرف‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬مثلا‭ ‬باعتباره‭ ‬خيانة‭ ‬تستوجب‭ ‬القتل‭.‬

انتحار‭ ‬ممتد

ويفسر‭ ‬الهندي‭ ‬سبب‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬صاحب‭ ‬المخبز‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬وأولاده،‭ ‬بوجود‭ ‬مشاكل‭ ‬أسرية‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬أدت‭ ‬لإصابته‭ ‬بالاكتئاب‭ ‬الحاد،‭ ‬الذي‭ ‬دفعه‭ ‬لقتلهم‭ ‬ثم‭ ‬محاولة‭ ‬قتل‭ ‬نفسه‭ ‬أيضا،‭ ‬لافتا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬الانتحار‭ ‬الممتد‮»‬‭.‬

ويوضح‭ ‬أن‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬القاتل‭ ‬صاحب‭ ‬المخبز،‭ ‬ولماذا‭ ‬ارتكب‭ ‬الجريمة،‭ ‬هل‭ ‬لكونه‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬مخدر‭ ‬أم‭ ‬لإصابته‭ ‬بأمراض‭ ‬نفسية‭ ‬أو‭ ‬نتيجة‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬مركبات‭ ‬شخصيته؟،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يستوجب‭ ‬قيام‭ ‬المتخصصين‭ ‬بعمل‭ ‬الفحص‭ ‬العيادي‭ ‬أو‭ ‬الفحص‭ ‬السريري،‭ ‬وتحليل‭ ‬دم‭ ‬مع‭ ‬خضوعه‭ ‬للفحص‭ ‬الإكلينكي،‭ ‬ثم‭ ‬يتم‭ ‬عمل‭ ‬رسم‭ ‬مخ‭ ‬ومتابعة‭ ‬كهربة‭ ‬المخ‭ ‬لتحديد‭ ‬العقاب‭ ‬كمجرم‭ ‬أم‭ ‬كمريض‭ ‬نفسي‭.‬

‭ ‬علاج‭ ‬استباقي

في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬يؤكد‭ ‬استشاري‭ ‬الطب‭ ‬النفسي،‭ ‬جمال‭ ‬فرويز،‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬سبب‭ ‬لحدوث‭ ‬جرائم‭ ‬القتل‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬هو‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات،‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬اضطرابا‭ ‬عقليا‭ ‬يفقد‭ ‬المتعاطي‭ ‬توازنه‭ ‬ويجعله‭ ‬يرتكب‭ ‬‮«‬كوارث‮»‬‭ ‬دون‭ ‬إدراك،‭ ‬وهذه‭ ‬الحالة‭ ‬تصنف‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬العقلية‭ ‬أو‭ ‬مرض‭ ‬الانفصام‭ ‬الشخصي‭.‬

ويتابع‭ ‬أستاذ‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬خاص‭ ‬لموقع‭ ‬‮«‬سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المرضى‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬الانفصام‭ ‬تواجههم‭ ‬مشكلة‭ ‬‮«‬الهلاوس‭ ‬السمعية‮»‬،‭ ‬يعتقد‭ ‬خلالها‭ ‬المريض‭ ‬بأنه‭ ‬يسمع‭ ‬أصواتا‭ ‬تعطيه‭ ‬أوامر‭ ‬بالقتل،‭ ‬وينفذ‭ ‬تلك‭ ‬الأوامر‭ ‬حتى‭ ‬يرتاح‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الهلاوس‭ ‬التي‭ ‬تنتابه‭ ‬باستمرار‭.‬

ويلفت‭ ‬فرويز‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ملامح‭ ‬مريض‭ ‬الانفصام‭ ‬الشخصي‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬شخصيته‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬انفجارية‭ ‬اندفاعية‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬اللحظي‭ ‬أو‭ ‬الاندفاعي،‭ ‬وبعدها‭ ‬يشعر‭ ‬بالندم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعل‮»‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬تفسير‭ ‬آخر‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬الشخص‭ ‬مصاب‭ ‬بـ»الانفصام‭ ‬التشككي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬تاريخ‭ ‬مرضي‭ ‬وراثي‭ ‬في‭ ‬العائلة‭.‬

ويؤكد‭ ‬فرويز‭ ‬أن‭ ‬المخدرات‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬الشخصيات‭ ‬المريضة‭ ‬والمجرمة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬الشر‭ ‬بكل‭ ‬جدية،‭ ‬وقد‭ ‬تندم‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تندم،‭ ‬لكنها‭ ‬تسعى‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر‭ ‬لارتكاب‭ ‬الكوارث‭.‬

وينصح‭ ‬بأن‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بالعلاج‭ ‬النفسي‭ ‬الاستباقي،‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬تفادي‭ ‬حدوث‭ ‬أية‭ ‬جرائم،‭ ‬مع‭ ‬المتابعة‭ ‬المستمرة‭ ‬لهم‭.‬

Most Popular

Recent Comments