الرئيسيةعامأزمة تشاد والجوار الملتهب.. من الرمضاء إلى النار

أزمة تشاد والجوار الملتهب.. من الرمضاء إلى النار

يسود‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬تشاد‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الترقب،‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أعلن‭ ‬التلفزيون‭ ‬الرسمي‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬رئيس‭ ‬البلاد‭ ‬إدريس‭ ‬ديبي،‭ ‬الثلاثاء،‭ ‬وبحسب‭ ‬ما‭ ‬نقلته‭ ‬مصادر‭ ‬محلية‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬انجامينا،‭ ‬‬فإن‭ ‬الكهرباء‭ ‬وخدمات‭ ‬الإنترنت‭ ‬تنقطع‭ ‬بالساعات،‭ ‬وسط‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬هجوم‭ ‬للمعارضة‭ ‬المسلحة‭ ‬على‭ ‬العاصمة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭.‬

وكان‭ ‬المتمردون‭ ‬توعدوا‭ ‬بمواصلة‭ ‬التقدم‭ ‬نحو‭ ‬عاصمة‭ ‬البلاد،‭ ‬وذلك‭ ‬عقب‭ ‬مقتل‭ ‬الرئيس‭ ‬ديبي‭ ‬بساعات،‭ ‬معلنين‭ ‬رفض‭ ‬تشكيل‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬الانتقالي،‭ ‬الذي‭ ‬ترأسه‭ ‬نجل‭ ‬الرئيس،‭ ‬فيما‭ ‬سارع‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬الحكومة‭ ‬والبرلمان،‭ ‬وإعلان‭ ‬حظر‭ ‬التجوال‭.‬

وبحسب‭ ‬مصادر‭ ‬إعلامية‭ ‬محلية،‭ ‬فإن‭ ‬الجيش‭ ‬التشادي‭ ‬رفع‭ ‬من‭ ‬جاهزيته‭ ‬القصوى‭ ‬عند‭ ‬أطراف‭ ‬العاصمة،‭ ‬وحول‭ ‬المواقع‭ ‬الحساسة،‭ ‬تحسبا‭ ‬لأي‭ ‬محاولات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المعارضة‭ ‬لدخول‭ ‬العاصمة،‭ ‬فيما‭ ‬يترقب‭ ‬متتبعون‭ ‬مخاطر‭ ‬انفلات‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬نيجيريا‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬التشادية،‭ ‬مما‭ ‬يرفع‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬توجيه‭ ‬جماعة‭ ‬‮«‬بوكو‭ ‬حرام‮»‬‭ ‬المتطرفة‭ ‬أنظارها‭ ‬نحو‭ ‬البلاد‭.‬

وضع‭ ‬داخلي‭ ‬صعب

ويقول‭ ‬الباحث‭ ‬التشادي‭ ‬آدم‭ ‬يوسف،‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬‬إن‭ ‬‮«‬الفساد‭ ‬في‭ ‬تشاد‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬أمراً‭ ‬مسلّماً‭ ‬به‮»‬،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬الاحتقان‭ ‬الذي‭ ‬أحدث‭ ‬انتفاضة‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬جنوب‭ ‬تشاد‭ ‬والعاصمة‭ ‬أنجمينا‮»‬،‭ ‬مضيفا‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬‮«‬احتلت‭ ‬ومنذ‭ ‬العام‭ ‬2014‭ ‬مرتبة‭ ‬متأخرة‭ ‬ضمن‭ ‬المدن‭ ‬الأسوأ‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بحسب‭ ‬الدراسة‭ ‬السنوية‭ ‬للأماكن‭ ‬الأفضل‭ ‬للعيش،‭ ‬التي‭ ‬تعدها‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬ميرسير‮»‬‭ ‬للاستشارات‮»‬‭.‬

وأضاف‭ ‬المتحدث‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬بمركز‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬الإفريقية،‭ ‬أن‭ ‬الصراعات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬أدارها‭ ‬الرئيس‭ ‬ديبي‭ ‬قد‭ ‬خلفت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الآثار،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬دارفور‭ ‬على‭ ‬الحدودية‭ ‬التشادية‭ ‬السودانية،‭ ‬وقبائل‭ ‬القرعان‭ ‬أو‭ ‬التبو‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬تشاد‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬ليبيا‭ ‬وشمال‭ ‬تشاد،‭ ‬بحسب‭ ‬ذات‭ ‬المتحدث‭.‬

وأكد‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬تدخلات‭ ‬الجيش‭ ‬التشادي‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الترهل‭ ‬العسكري‭ ‬والأمني‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬العاصمة‭ ‬انجامينا‭ ‬مع‭ ‬معظم‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬تشاد‮»‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬التضاد‭ ‬بين‭ ‬‮«‬شمال‭ ‬البلاد‭ ‬المسلم‭ ‬وجنوبها‭ ‬المسيحي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬إمكانية‭ ‬تكرار‭ ‬سيناريو‭ ‬انقسام‭ ‬السودان،‭ ‬الجار‭ ‬الشرقي‭ ‬لتشاد،‭ ‬إذا‭ ‬تدهور‭ ‬الوضع‭ ‬أكثر‭.‬

وأوضح‭ ‬المتحدث‭ ‬أن‭ ‬‮«‬النخبة‭ ‬الجنوبية‭ ‬في‭ ‬تشاد‭ ‬لطالما‭ ‬بدت‭ ‬أكثر‭ ‬تماسكا‭ ‬قياسا‭ ‬إلى‭ ‬تأرجح‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬تفقد‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬الرئيس‭ ‬ديبي‮»‬‭.‬

متطرفون‭ ‬في‭ ‬جوار‭ ‬ملتهب

ومن‭ ‬جانبه،‭ ‬قال‭ ‬الباحث‭ ‬والإعلامي‭ ‬الليبي،‭ ‬محمد‭ ‬الأسمر،‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬،‭ ‬إن‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬تشاد‭ ‬يتأثر‭ ‬دائما‭ ‬بالأجواء‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬ليبيا‮»‬،‭ ‬موضحا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬تشاد‭ ‬قد‭ ‬سبقته‭ ‬تحركات‭ ‬قوية‭ ‬منذ‭ ‬أغسطس‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2018،‭ ‬حينما‭ ‬شنت‭ ‬قوات‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬الليبي‭ ‬لإنقاذ‭ ‬تشاد‭ ‬والمتمركزة‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الليبي،‭ (‬شنت‭) ‬هجوما‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬35‭ ‬كلمترا‭ ‬من‭ ‬تشاد‮»‬‭.‬

وأضاف‭ ‬أن‭ ‬‮«‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬4500‭ ‬آلاف‭ ‬مقاتل‭ ‬متشدد‭ ‬كانوا‭ ‬يقاتلون‭ ‬في‭ ‬دارفور،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنصار‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬حسين‭ ‬حبري،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬من‭ ‬قبائل‭ ‬القرعان،‭ ‬وبعض‭ ‬من‭ ‬معارضي‭ ‬الرئيس‭ ‬ديبي‭ ‬في‭ ‬قبيلته‭ ‬‮«‬الزغاوة‮»‬‭.‬

واعتبر‭ ‬الأسمر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الوضع‭ ‬في‭ ‬تشاد‭ ‬يلقي‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬الجنوب‭ ‬الليبي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬منفذا‭ ‬للإرهابين،‭ ‬وعلى‭ ‬غرب‭ ‬السودان،‭ ‬وكذلك‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتحركات‭ ‬القاعدة‭ ‬وداعش‭ ‬المتمركزين‭ ‬في‭ ‬صحاري‭ ‬مالي‮»‬،‭ ‬منبها‭ ‬إلى‭ ‬احتماليات‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬المعارضة‭ ‬التشادية‭ ‬وبين‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الليبي‭ ‬سابقا‭.‬

وتعتبر‭ ‬جبهة‭ ‬الوفاق‭ ‬والتغيير،‭ ‬المؤسسة‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬الرئيس‭ ‬إدريس‭ ‬ديبي،‭ ‬وتتكون‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬تنظيمات‭ ‬عسكرية‭ ‬تتشكل‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬قبائل‭ ‬قرعان‭ ‬كانم‭.‬

أدوار‭ ‬عربية‭ ‬ودولية‭ ‬مأمولة

وأشار‭ ‬محمد‭ ‬الأسمر،‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬التصريح،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الدور‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬والسنغال‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ناجحا‭ ‬بما‭ ‬يكفي‮»‬،‭ ‬منبها‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أهمية‭ ‬استقرار‭ ‬تشاد‭ ‬باعتبارها‭ ‬حليفا‭ ‬رئيسيا‭ ‬لفرنسا‭ ‬في‭ ‬تحركاتها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬ليبيا‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬جانبه،‭ ‬أكد‭ ‬الباحث‭ ‬المالي‭ ‬مختار‭ ‬ميغا،‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬‬أن‭ ‬‮«‬ما‭ ‬حدث‭ ‬سيؤثر‭ ‬على‭ ‬جهود‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬شخصية‭ ‬الرئيس‭ ‬ديبي‭ ‬وخبرته‭ ‬العسكرية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬التواجد‭ ‬العسكري‭ ‬التشادي‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجوار‮»‬‭.‬

ويتوقع‭ ‬مهتمون‭ ‬بالشأن‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء،‭ ‬انكفاء‭ ‬القوات‭ ‬التشادية‭ ‬نحو‭ ‬الداخل،‭ ‬لمواجهة‭ ‬مخاطر‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬الرئيس‭ ‬ديبي،‭ ‬فيما‭ ‬يرتقب‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬مواجهتها‭ ‬للمخاطر‭ ‬الإرهابية‭ ‬المحتملة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

ونبه‭ ‬ميغا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أهمية‭ ‬التدبير‭ ‬الأمني‭ ‬للأوضاع‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬ديبي،‭ ‬وسط‭ ‬آمال‭ ‬بأن‭ ‬تحظى‭ ‬المنطقة‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬لتجفيف‭ ‬تلك‭ ‬المخاطر‭.‬

Most Popular

Recent Comments