«نجيب زاهي زركش».. يتقدم بخطوات محسوبة للجمهور مستندا إلى إيقاعه الخاص.. نعم الشاشات العربية مليئة بكل ما هو مبهر وجاذب ولديه مساحات من القدرة على الاستحواذ، أحدث واقعية وأخرى خيالية، والماراثون الرمضاني في عز عنفوانه، إلا أنه هناك مساحة أخرى تماما ذهب إليها «زركش»، وكأنه خارج السياق والسباق الدرامي السائد.
نغمة مغايرة هادئة ومختلفة، يقف فيها على شاطئ دراما الشخصية، وفي نفس الوقت يتحرك بهامش محسوب بدقة من «الفانتازيا»، لا نُطل عليه بزاوية رؤية واقعية تماما، ولا هي أيضا خيالية تماما، فهي مزيج بينهما .
لمعلومات المتداولة عن أصل تلك العائلة لا صلة لها قطعا بالتاريخ الموثق، حيث يحكي في الحلقة الأولي الممثل محمد محمود عن أصول العائلة ودورها في التاريخ الفني المصري وتحديدا السينما، واختيار السينما ليس عشوائيا، فهو يمنح الخيط الأول للخيال، ولكن ليس له قطعا صلة بحقيقة نشأة السينما في مصر. محمد محمود، هذا الممثل الذي ربما لم يكن يعرف اسمه كثيرون قبل الحلقة الأولى من (زركش) يقف لأول مرة بطلا موازيا وفاعلا مع يحيى الفخراني، ليقدم معلومات عن تاريخ العائلة والشخصيات التي سنلتقيها، وكسر الخط الوهمي مع الجمهور، يوقظ بداخلك ما هو أبعد من الحكاية، حيث يتنبه العقل لظلال الحكاية وليس الحكاية.
ولا يكتفي محمد محمود فقط بالقيام بهذا الدور في الحلقة الأولى، بل تستمر لعبة الإيقاظ العقلي ومع تتابع الحلقات، وتعاد مجددا تشكيل العديد من الخيوط .
مثل هذه الأعمال الخارجة عن السياق والمألوف تتكئ على نجم له مصداقية بل تراكم نوعي من النجاحات، وهو ما ينطبق بالضبط على يحيى الفخراني، صاحب الرصيد الأكبر من العلامات الدرامية عربيا عبر ما يربو على أربعة عقود من الزمان .
يقف الفخراني مجددا مع الكاتب عبد الرحيم كمال بعد لقائهما الأول في ( شيخ العرب همام) قبل أكثر من عشر سنوات، وتعددت النجاحات ووصلنا بتواجد شادي الفخراني المخرج إلى الذروة في مسلسل (الخواجة عبد القادر) 2012 ، وتعددت الأعمال التي جمعت هذا الثالوث مثل (ونوس) و(دهشة).
يحيى يقدم شخصية بها وقع وروح السنين التي يعيشها، وبها أيضا التمرد الذي كان أحد أهم أسلحته للبقاء كل تلك العقود من الزمن.
الشخصية الموازية دراميا، طريف أو محمد محمود ( الجوكر)، الذي يؤدي كل الأدوار في حياة نجيب ، فهو الصديق والسكرتير والسائق والعقل المدبر للكثير من المكائد، فهو يملك كل المفاتيح .
الكاتب عبد الرحيم كمال يقدم شخصية (زركش) لها مقومات شكلية وحركية ونفسية، بينما لا يزال هناك من يحاكم العمل الفني أخلاقيا، وهكذا استفز البعض تلك الكؤوس من الخمر التي احتساها الفخراني، والتي كانت بالصدفة في الحلقة الأولى وتكررت بعدها، متجاهلين أنها تحدد ملامح زركش وليس لها علاقة بمن يلعب دور زركش، حيث كان يروي علاقته بالزمن وتوقفه عن حساب السنين بعد الكأس الرابع والذي يُمثل العقد الرابع أيضا من العمر، حيث لا جدوى بعدها من استمرار العد.
الهامش المحسوب بدقة من (الفانتازيا) تمثل في غموض شخصية هالة فاخر (شفيقة)، التي رأيناها في القصر وقد استقرت في غرفة نوم.
كيف تسللت للفيلا وأقامت علاقة مع الفخراني؟ كانت في شبابها فتاة ليل، قبل الرحيل يحقق لها أمنيتها المستحيلة ويتزوجها، وكأنها لحظة خارج الزمن، وهكذا جاء رحيلها مع تحقيق حلمها المستحيل، ليتوافق مع حالة المسلسل دراميا .
عناصر إبداعية يقودها المخرج شادي الفخراني الذي يتعامل باحترافية مع يحيى الفخراني فهو الممثل الموهوب بالنسبة له، كما أن الفخراني يختار شادي لأنه المخرج القادر على تقديم رؤية فنية، بالطبع تظل هنا مساحة خلاف في الحكم على موهبة شادي، لا يحسمها سوى ما تُسفر عنه الشاشة مع الحلقة الأخيرة .
القصر هو المكان الأساسي الذي تجري داخله الأحداث، برع في رسم الديكور خالد أمين، كما أن موسيقي خالد حماد تذوب داخل الكادر، ويرسم ومدير التصوير سامح سليم الملامح العامة للقصر بالإضاءة التي تؤكد الفخامة.
داخل العائلة بدأت تتشكل شخصية الشقيقة المتسلطة أنوشكا (شيرين)، وابنتها رنا رئيس التي تؤدي دور (نانسي)، وهي الأقرب لقلب الفخراني، وتتواصل اللعبة مع دخول 3 من الشباب يعتقد الفخراني بأن ابنه واحدا منه.
ولنا وقفة قادمة مع ( نجيب زاهي زركش) لنرى هل اكتملت الرؤية؟