الرئيسيةالهجرةمهاجر مغربي يوظف الرياضة لإدماج اللاجئين في ألمانيا

مهاجر مغربي يوظف الرياضة لإدماج اللاجئين في ألمانيا

‮«‬على‭ ‬قدر‭ ‬أهل‭ ‬العزم‭ ‬تأتي‭ ‬العزائم‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬الشعري‭ ‬يلخص‭ ‬قصة‭ ‬الشاب‭ ‬محمد‭ ‬الوهابي،‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬نشأته‭ ‬الصعبة‭ ‬محفزاً‭ ‬له‭ ‬لشق‭ ‬طريق‭ ‬نجاحه‭ ‬من‭ ‬بلده‭ ‬المغرب‭ ‬والحصول‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬جيدة‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭. 

غالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬للنشأة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬فقيرة‭ ‬وصعبة‭ ‬تأثير‭ ‬كبيرعلىسلوك‭ ‬الإنسان‭ ‬وأسلوب‭ ‬تفكيره‭. ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتخذ‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬النشأة‭ ‬مدرسة‭ ‬يتعلم‭ ‬منها‭ ‬التحدي‭ ‬والتغلب‭ ‬على‭ ‬مصاعب‭ ‬الحياة‭ ‬ووسيلة‭ ‬لتكوين‭ ‬شخصية‭ ‬قوية‭. ‬فعبارة‭ ‬ولدت‭ ‬فقيراً،‭ ‬وسأموت‭ ‬فقيراً‭ ‬لم‭ ‬تنطبق‭ ‬قط‭ ‬على‭ ‬الشاب‭ ‬المغربي‭ ‬محمد‭ ‬الوهابي،‭ ‬25‭ ‬عاماً،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يرَ‭ ‬وسيلةً‭ ‬لنجاحه‭ ‬سوى‭ ‬الكد‭ ‬والعمل‭ ‬ليخلق‭ ‬لنفسه‭ ‬وبنفسه‭ ‬مكاناً‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.‬

الإصرار‭ ‬والتحدي‭ ‬مفتاح‭ ‬الفرج

يرى‭ ‬محمد‭ ‬الوهابي‭ ‬أن‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬اجتماعي‭ ‬فقير‭ ‬مماثل‭ ‬للوسط،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعيشه‭ ‬فيه‭ ‬بالمغرب،‭ ‬له‭ ‬انعكاسات‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬الشباب‭. ‬فمعظم‭ ‬أصدقائه‭ ‬من‭ ‬الوسط‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬الذي‭ ‬ترعرع‭ ‬فيه،‭ ‬وهو‭ ‬وسط‭ ‬‮«‬خطير‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬وصفه،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬الآن‭ ‬يقبعون‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬أو‭ ‬سلكوا‭ ‬طريق‭ ‬الانحراف‭.‬

وفي‭ ‬لحظة‭ ‬تأمل‭ ‬يسترجع‭ ‬محمد،‭ ‬الذي‭ ‬ولد‭ ‬وكبر‭ ‬بمدينة‭ ‬فاس‭ ‬المغربية،‭ ‬محطات‭ ‬مشواره‭ ‬الدراسي‭. ‬في‭ ‬البداية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لديه‭ ‬إمكانيات‭ ‬لتحقيق‭ ‬حلمه‭ ‬بإتمام‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬فقرر‭ ‬دراسة‭ ‬الأدب‭ ‬الألماني‭ ‬في‭ ‬فاس‭ ‬وحكي‭ ‬في‭ ‬حواره‭ ‬مع‭ ‬DW‭ ‬عربية‭: ‬‮«‬خلال‭ ‬دراسة‭ ‬الأدب‭ ‬الألماني‭ ‬بفاس‭ ‬تعرفت‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬وتاريخ‭ ‬ألمانيا،‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الجميل‭ ‬،الذي‭ ‬يشهد‭ ‬له‭ ‬الجميع‭ ‬بالعظمة‭ ‬والتقدم‭ ‬والازدهار،‭ ‬وتصوره‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬كعالم‭ ‬آخر؛‭ ‬ولهذا‭ ‬حلمت‭ ‬بإتمام‭ ‬دراستي‭ ‬بألمانيا،‭ ‬لكن‭ ‬ظروفي‭ ‬المادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الصعبة‭ ‬حالت‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭.‬‮»‬

لم‭ ‬يشعر‭ ‬محمد‭ ‬باليأس‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة؛‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬شعور‭ ‬بداخله‭ ‬يخبره‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬تحقيق‭ ‬حلمه‭ ‬بضع‭ ‬خطوات‭ ‬فقط‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الشعور‭ ‬في‭ ‬محله،‭ ‬إذ‭ ‬حصل‭ ‬بسبب‭ ‬تفوقه‭ ‬الدراسي‭ ‬بالمغرب‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬على‭ ‬منحة‭ ‬دراسية‭ ‬لمدة‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬الهيئة‭ ‬الألمانية‭ ‬للتبادل‭ ‬العلمي‭ (‬DAAD‭).‬

هذه‭ ‬التجربة‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬إيجابي‭ ‬على‭ ‬نفسية‭ ‬الشاب‭ ‬المغربي‭ ‬وتعرف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬ألمانيا،‭ ‬البلد،‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬رغب‭ ‬بإتمام‭ ‬الدراسة‭ ‬به‭ ‬وازدادت‭ ‬رغبته‭ ‬هذه‭ ‬عند‭ ‬عودته‭ ‬للمغرب،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬أمامه‭ ‬سوى‭ ‬مواصلة‭ ‬الاجتهاد‭ ‬أكثر‭ ‬وإكمال‭ ‬دراسة‭ ‬الأدب‭ ‬الألماني‭ ‬بالمغرب‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬الإجازة،‭ ‬أي‭ ‬الشهادة‭ ‬الجامعية‭.‬

كان‭ ‬محمد‭ ‬الوهابي‭ ‬يعمل‭ ‬مدرباً‭ ‬للرياضة‭ ‬البدنية‭ ‬لذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وبعد‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬الإجازة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬الألماني‭ ‬وبحكم‭ ‬إطلاعه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السياسة‭ ‬والعمل‭ ‬التطوعي،‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬منحة‭ ‬ثانية‭ ‬من‭ ‬البرلمان‭ ‬الألماني‭ ‬عام‭ ‬2016‭. ‬وأتيحت‭ ‬له‭ ‬فرصة‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬شخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬مهمة‭ ‬كالرئيس‭ ‬الألماني‭ ‬الحالي‭ ‬فرانك‭-‬فالتر‭ ‬شتاينماير‭ ‬والمستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬أنغيلا‭ ‬ميركل‭. ‬وعن‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬كان‭ ‬لي‭ ‬الشرف‭ ‬كمغربي،‭ ‬وبالأخص‭ ‬كشاب‭ ‬ينحدر‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬اجتماعي‭ ‬بسيط‭ ‬للغاية،‭ ‬أن‭ ‬أحظى‭ ‬بفرصة‭ ‬تدريب‭ ‬بالبرلمان‭ ‬الألماني‭.‬‮»‬

‮«‬الاندماج‭ ‬عبر‭ ‬الرياضة‭ ‬أفضل‭!‬‮»‬

يعشق‭ ‬محمد‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظافره‭ ‬لعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬وتكوين‭ ‬فرق‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يسكن،‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬مباريات‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭. ‬وبعدها‭ ‬عمل‭ ‬كمدرب‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬عامي‭ ‬2013‭ ‬و2014‭ ‬وكان‭ ‬وقتها‭ ‬أصغر‭ ‬مدرب‭ ‬منطقة‭ ‬فاس‭ ‬ويقول‭: ‬‮«‬بدأت‭ ‬مسار‭ ‬التدريب‭ ‬الرياضي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وكنت‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬من‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬هناك‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬انخراطي‭ ‬داخل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الجمعيات،‭ ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬تطوعية‭ ‬لمساعدة‭ ‬اللاجئين‭ ‬من‭ ‬السنغال‭ ‬والكاميرون‭ ‬وجزر‭ ‬القمر‭ ‬على‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الرياضة‭.‬‮»‬

خلال‭ ‬فترة‭ ‬تدريبه‭ ‬بالبرلمان‭ ‬الألماني‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬علم‭ ‬محمد‭ ‬بوجود‭ ‬مبادرة‭ ‬لتقديم‭ ‬مقترحات‭ ‬مشاريع‭ ‬لفائدة‭ ‬اللاجئين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭. ‬وبحكم‭ ‬اهتماماته‭ ‬بالسياسة‭ ‬والرياضة‭ ‬والعمل‭ ‬التطوعي،‭ ‬وخبرته‭ ‬بمشاريع‭ ‬الاندماج‭ ‬عبر‭ ‬الرياضة‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬المغرب؛‭ ‬قام‭ ‬بعرض‭ ‬فكرة‭ ‬مشروع‭ ‬على‭ ‬المسئولين،‭ ‬الذين‭ ‬أعجبوا‭ ‬بالفكرة‭ ‬فحصل‭ ‬الشاب‭ ‬المغربي‭ ‬بموجب‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬عمل‭ ‬براتب‭ ‬جيد‭ ‬لدى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الرياضي‭ ‬بولاية‭ ‬برلين‭.‬

ويوضح‭ ‬محمد‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬فكرة‭ ‬اندماج‭ ‬اللاجئين‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الرياضة‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬هي‭ ‬فكرة‭ ‬جديدة‭ ‬وفعالة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالطرق‭ ‬التقليدية؛‭ ‬لأن‭ ‬وجود‭ ‬عنصر‭ ‬الترفيه،‭ ‬يجعل‭ ‬المعلومة‭ ‬تصل‭ ‬بسلاسة‭ ‬للإنسان،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالاندماج‭ ‬بمجتمع‭ ‬كالمجتمع‭ ‬الألماني،‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬بالدقة‭ ‬والانضباط‭ ‬ويختلف‭ ‬كليَاً‭ ‬عن‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأخرى‮»‬‭.‬

‮«‬الفضل‭ ‬لأساتذتي‭.. ‬وأحن‭ ‬لوطني‮»‬

يعترف‭ ‬محمد‭ ‬بفضل‭ ‬أساتذته‭ ‬المغاربة‭ ‬عليه،‭ ‬لتشجيعهم‭ ‬الدائم‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬الدراسة‭ ‬ومتابعة‭ ‬مساره‭ ‬الرياضي‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ظروفه‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمادية‭ ‬الصعبة‭ ‬آنذاك‭. ‬‮«‬كان‭ ‬لدي‭ ‬أساتذة‭ ‬أكفاء‭ ‬ولديهم‭ ‬خبرة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التدريب‭ ‬والتكوين‭ ‬العلمي‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الحس‭ ‬الإنساني‭.‬‮»‬

محمد‭ ‬الوهابي،‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬تقريباً‭ ‬شق‭ ‬طريقه‭ ‬المهني‭ ‬بخطوات‭ ‬متأنية‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬حواره‭ ‬مع‭ ‬DW‭ ‬عربية‭ ‬إن‭ ‬لديه‭ ‬طموحات‭ ‬أكبر‭ ‬ويريد‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬وتجارب‭ ‬الألمان‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاندماج‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الرياضة،‭ ‬ويضيف‭ ‬أنه‭ ‬يعمل‭ ‬بدوره‭ ‬على‭ ‬إفادة‭ ‬اللاجئين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬جمعه‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬وما‭ ‬يتعلمه‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭.‬

ويعتز‭ ‬ابن‭ ‬مدينة‭ ‬فاس‭ ‬بكونه‭ ‬نموذجاً‭ ‬لشاب‭ ‬مغربي‭ ‬بدأ‭ ‬من‭ ‬الصفر‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬بصدد‭ ‬إكمال‭ ‬مشوار‭ ‬التحدي‭ ‬والنجاح‭ ‬بألمانيا‭. ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يحن‭ ‬كثيراً‭ ‬لبساطة‭ ‬الحياة‭ ‬والناس‭ ‬ببلده‭ ‬المغرب،‭ ‬حسب‭ ‬تعبيره‭.‬

Most Popular

Recent Comments