توقعات إيجابية صادرة عن صندوق النقد الدولي حيال مسار الاقتصاد العالمي ورحلة تعافيه من تداعيات فيروس كورونا، وفق ما أعلن عنه قبيل أيام النائب الأول لمديرة صندوق النقد الدولي، جيفري أوكاموتو، في خطاب ألقاه أمام منتدى التنمية الصيني.
ويستعد الصندوق إلى تحديث توقعاته في مطلع شهر أبريل المقبل، بعد آخر تقاريره في شهر يناير الماضي التي توقع فيها نسبة نمو عالمي تصل إلى 5.5 بالمئة.
ويتجه الصندوق إلى زيادة توقعاته بشأن النمو الاقتصادي العالمي في العام 2021، وذلك انطلاقاً من عدة عوامل يشرحها محللون وخبراء اقتصاديون في تصريحات متفرقة لموقع «سكاي نيوز عربية»، وتأتي على رأسها خطط التحفيز المالي التي اعتمدتها دول العالم لدعم الاقتصاد، خاصة الولايات المتحدة التي اعتمدت خطة الـ 1.9 تريليون دولار.
ويأتي ذلك أيضاً في ظل التعايش العالمي مع الفيروس والحرص على دعم النشاط الاقتصادي، بما يخفف من وطأة تداعيات كورونا الاقتصادية بشكل مباشر، وفي ظل الخطط الوطنية المختلفة للتعامل مع تلك التداعيات على المستوى الاقتصادي.
وسبق لصندوق النقد الدولي في آخر تحديث له في الشهر الأول من العام الجاري، أن حذر من حالة «الضبابية» تلك على مسار الاقتصاد العالمي، لكنه في الوقت ذاته توقع نسبة نمو تصل إلى 5.5 بالمئة. وجاءت تلك النسب «المتفائلة» مدعومة بالبدء في توزيع اللقاحات.
مسار الاقتصاد العالمي
المستشار والخبير الاقتصادي الدكتور كمال أمين الوصال، يشير في تصريحات خاصة لموقعنا، إلى أن «مسار الأداء الاقتصادي العالمي تتجاذبه قوتين؛ القوة الأولى هي الحزم التحفيزية التي أعلنت عنها حكومات الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة.. أما القوة الثانية فهي التداعيات المستمرة لجائحة كوفيد-19». والسؤال هنا هو: «أي القوتين ستتغلب على الأخرى؟»، وبناءً على ذلك تتحدد معالم المسار الاقتصادي.
ووفق الوصال، فإنه من الصعوبة بمكان تحديد الوجهة في ظل حالة الضبابية التي تسود الآفاق الاقتصادية العالمية، لكنه في الوقت ذاته يلفت إلى عدة نقاط جديرة بالذكر؛ أولها تأثير الحزم التحفيزية التي تم الإعلان عنها سواء في الولايات المتحدة أو في دول أوروبية وحتى الاقتصادات الأصغر نسبياً مثل سنغافورة وهونغ كونغ، ذلك أن العالم كله يحاول تحفيز الاقتصاد، وهذا «بلا شك سيكون له مردود إيجابي على مسار الأداء الاقتصادي العالمي».
النقطة الثانية مرتبطة بالتوقعات الصادرة عن صندوق النقد الدولي لمسار الاقتصاد، ففي آخر تحديث له في أواخر يناير الماضي قال إن النمو المتوقع سيتجاوز الخمسة بالمئة، وهذا يرجع إلى أن تداعيات الجائحة أدت لانخفاض ملموس في حجم الناتج القومي أو حجم الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات الكبرى، وبالتالي بعد المستوى المنخفض للنشاط الاقتصادي نتيجة تداعيات كورونا، سيمثل أي تحسن نسبة نمو مناسبة.
أما العامل الثالث الذي يشير إليه الخبير الاقتصادي، من بين العوامل التي يمكن من خلالها التكهن بمسار الأداء الاقتصادي العالمي، فمرتبط أساساً بالكلمة الفصل في تحديد مدى التعافي، وهي كلمة «العلم والطب» لجهة مدى نجاح اللقاحات التي ظهرت في الآونة الأخيرة في التغلب على الموجات أو التحورات الجديدة للفيروس، ومن ثم يؤثر ذلك بشكل مباشر على الاقتصاد.
ويردف الخبير الاقتصادي المقيم بدولة الإمارات العربية المتحدة، قائلاً: «بالتالي إذا نجحت هذه اللقاحات في تخفيض معدلات العدوى وقاربت الجائحة على الانتهاء، فمعنى ذلك أن الغلبة ستكون للحزم التحفيزية التي أعلنت عنها الدول، وبالتالي يكون هناك زخم واستمرار لهذا التعافي».
وحذر صندوق النقد الدولي، مما وصفه بـ «اتساع الهوة» بين الاقتصادات الكبرى (المتقدمة) والاقتصادات الناشئة، وأثر ذلك على طبيعة التعافي، في الوقت الذي كشف فيه الصندوق أن الصين سبقت اقتصادات العالم في التعافي بالفعل والوصول لمستويات النمو السابقة قبل انتشار الوباء.
وتشير توقعات الصندوق -حسب ما أعلن أوكاموتو- إلى تهديد خطير يواجه الأفراد في البلدان الناشئة والنامية، ممثلاً في نصيب الفرد من الدخل التراكمي بتلك البلدان ليكون أقل من 22 بالمئة مما كان عليه قبل الجائحة، وذلك في الفترة بين عامي 2020 و2022.
الأسباب والتوقعات
الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي، يعتقد بأن «التوقعات الخاصة ببدء الاقتصاد العالمي رحلة تعافيه تنطلق من عدة أسباب رئيسية؛ السبب الأول متعلق بخطة التعايش مع فيروس كورونا التي اتفق العالم أجمع عليها؛ ذلك أن العالم صار يتحرك بناءً على مبدأ التعايش في ظل الإجراءات الاحترازية لمواجهة تداعيات الجائحة».
والسبب الثاني مرتبط باستمرار الدعم للنشاط الاقتصادي، وهو مرتكز مهم يتحرك العالم بناءً عليه بشكل كبير، بدءًا من الولايات المتحدة التي أعلنت عن حزمة تعتبر هي الأكبر مقارنة بدول العالم بقيمة 1.9 تريليون دولار كحزمة مساعدات للنشاط الاقتصادي. وإلى جانب ذلك أيضاً استمرار حوافز الاتحاد الأوروبي، وحتى على مستوى الدولة النامية والاقتصادات الناشئة التي قدمت أيضاً مجموعة كبيرة من الحوافز المالية.
وتحدث الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه، في تصريحات لموقع «سكاي نيوز عربية»، عن حالة «عدم اليقين» التي تنتاب العالم، في ظل غياب المعلومات الأكيدة حول موعد انتهاء الفيروس وتلاشيه، ومن ثم فإنه صار على العالم أن يستمر في العمل والتشغيل والإنتاج والتعايش مع هذا الأمر، الأمر الذي قلل بعض الشيء من حجم الخسائر التي تعرض لها العالم العام الماضي، وهذا ما جعل صندوق النقد يتبنى توقعات متفائلة من حيث توقعاته لمعدلات النمو.
لكن الإدريسي لا يعتقد في الوقت ذاته بأن تصل نسبة النمو إلى 5.5 بالمئة، لاسيما ظل الموجة الثالثة من الفيروس التي بدأت تسود العالم ويصاحبها ارتفاع في أعداد الإصابات.
ويرى أن «الاقتصاد العالمي لن يتعافى بشكل سريع جراء تلك الأزمة، وبعد انتهاء الجائحة سوف يستمر لفترة ليست بالقليلة حتى الوصول للتعافي الكامل، وستختلف عملية التعافي من اقتصاد لآخر».
وفي الوقت الذي يقول فيه صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد العالمي يتعافى بصورة أكبر من المتوقع، فإنه حذر في السياق ذاته من عدة مخاطر تلف مصير اقتصادات العالم، أبرزها حالة الغموض بشأن تحورات الفيروس، والتي من شأنها تقويض عملية التعافي الاقتصادي بالشكل المطلوب.
بداية التحسن
وإلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي السعودي سليمان العساف، في تصريحات لموقع «سكاي نيوز عربية»، إن «التصريحات الصادرة عن صندوق النقد الدولي بتعافي الاقتصاد العالمي المقصود بها أن الاقتصاد العالمي بدأ التحسن سواء من ناحية معدلات الفائدة ومن ناحية الحركة الاقتصادية وحتى أسعار النفط وكذلك العملية التبادلية».
ويلفت إلى أنه «من الطبيعي بعد كل أزمة عالمية في التاريخ منذ أزمة الكساد الكبير، أن يحدث نمو وارتفاع في الأسواق بشكلٍ كبير جداً؛ من أجل التعويض، وبالتالي فإن التعافي المشار إليه هو أمر طبيعي وإيجابي».
الميزة في ذلك التعافي -وفق الخبير الاقتصادي السعودي- أنه «يحدث أسرع مما كان متوقعاً»؛ ذلك أنه «كان هناك توقع أنه في أفضل الأحوال تبدأ نسب النمو في التعافي من العام المقبل 2022». ويلفت إلى أن المؤشرات الراهنة تساعد حتماً في أن يكون هناك تحسن.
ويعتبر الخبير الاقتصادي السعودي أن «القائد الرئيسي في تحسن الاقتصادات العالمية هي الصين والولايات المتحدة»، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يكون هناك نمو يتجاوز خمسة بالمئة بالنسبة للاقتصاد الأميركي».