وقعت إيران في الآونة الاخيرة تحت وطأة حراك اجتماعي وشعبي واسع، شمل أفرادا وقطاعات متفاوتة، كما اتسعت قاعدته بين عدة مناطق في طهران وأصفهان ومشهد، وصولا إلى بلوشستان وسيستان، وتراوحت صور التذمر بين الاجتماعي والسياسي والحقوقي.
ففي الثلاثاء الماضي، تجمع موظفو شركة النفط الإيرانية للاحتجاج أمام البرلمان في العاصمة طهران، وذلك بالتزامن مع تظاهرات مماثلة في قطاعات الكهرباء، والسكك الحديدية، وكذلك قطاع الصحة الإيراني، وفق وكالة أنباء العمال الإيرانية (إيلنا) والتي تضيف أن «موظفي العقود المؤقتة في وزارة النفط الإيرانية تجمعوا أمام البرلمان الإيراني وطالبوا بتغيير عقود توظيفهم».
وتابعت الوكالة: «نظم متقاعدو مؤسسة الضمان الاجتماعي الإيرانية احتجاجات أسبوعية واعتصامات في جميع أنحاء إيران، احتجاجا على عدم تقاضيهم رواتب متساوية».
ولفتت وكالة أنباء «هرانا» الإيرانية، المعنية بقضايا حقوق الإنسان، إلى قيام عمال شركة السكك الحديدية، في مدينة كرج، غرب طهران، بتنظيم وقفة احتجاجية على خلفية عدم حصولهم مستحقاتهم، وحق التأمين من قبل الشركة المقاولة.
ومن جانبها، تشير منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في تقريرها العالمي لعام 2021، إلى أن النظام الإيراني يواصل ممارسة القمع ضد المواطنين وذلك بـ»ضوء أخضر» من المرشد علي خامنئي.
وأوضح التقرير الأممي أنه «لم يظهر الرئيس حسن روحاني وإدارته استعدادا لوقف الانتهاكات الحقوقية الخطيرة التي تمارسها الأجهزة الأمنية الإيرانية أو مواجهتها، بينما استمر المرشد في إعطاء الضوء الأخضر لهذه الانتهاكات المستشرية».
ولذلك، شكلت الاحتجاجات الأخيرة التي قام بها المتقاعدون، امتدادا للتظاهرات الفئوية والاجتماعية التي تطالب بتحسين الأحوال المعيشية، حيث تجمع المتظاهرون، أمام البرلمان الإيراني، في العاصمة طهران، كما انطلقت المظاهرات في مدن أخرى، من بينها كرج وأراك والأهواز ونيسابور وإيلام وكرمانشاه وأصفهان وشيراز.
وفي تقرير رسمي لمركز الإحصاء الإيراني، الصادر في مارس الجاري، فإن نسبة الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر قد وصل إلى 55 في المئة، وذلك تبعا للتأثيرات الناجمة عن العقوبات الأميركية، والتراجع الهائل في قيمة العملة الوطنية، واستمرار معدلات التضخم المرتفعة، موضحا أن «ما لا يقل عن 50 في المئة من سكان إيران يعيشون تحت خط الفقر المطلق»، وهي النسبة التي تضاعفت عن الأرقام الواردة في بيانات عام 2011، والتي لم تتخط 18 في المئة، وارتفعت في عام 2018 إلى حوالي 24 في المئة، وفي عام 2019 وصل إلى 35 في المئة.
هتافات حادة
وردد المحتجون الذين طالبوا بتعديل معاشاتهم حتى تتناسب والأوضاع الاقتصادية التي شهدت زيادة في الأسعار، خلال السنوات الأخيرة، لاسيما بعد تنفيذ العقوبات الاقتصادية الأميركية، عدة هتافات مثل: «مطلبنا الرئيسي، مرتبات تتناسب مع التضخم»، و»تكفي الوعود، موائدنا فارغة»، و»استولى اللصوص على صندوق التقاعد»، و»سفينة المتقاعدين رست على الطين».
كما طالبوا بتدشين تنظيم نقابي مستقل يدافع عن حقوقهم، ويضمن توفير الرعاية الاجتماعية والصحية المجانية لهم.
ومن بين الهتافات الأخرى التي عكست تذمرا سياسيا «عدونا هنا في إيران»، و»يكذبون عندما يقولون أميركا هي العدو»، و»المتقاعدون يموتون ولا يقبلون التمييز».
أزمة اقتصادية متفاقمة
ويشير القيادي في المعارضة الإيرانية، سيد فاضلي، إلى أن احتجاجات المتقاعدين في إيران، تعد أحد أعراض الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والتي ظهرت آثارها على فئات وقطاعات مختلفة، وبالتبعية تتسع قاعدتها الجغرافية في مناطق عديدة، موضحا لموقع «سكاي نيوز عربية»، أن الأوضاع الاقتصادية أثرت سلبيا على منظومة الحكومة، وأبرزت فشلها في معالجة الأزمات، حيث وصلت المؤسسات الاقتصادية من المصارف والبنوك إلى درجة الإفلاس، إذ أن الحرس الثوري الإيراني يستعين بصناديق المتقاعدين المالية أو ما يعرف بالتأمين الاجتماعي في السنوات الأخيرة، للاعتماد عليها لسد العجز المالي، وتوفير نفقاته الخاصة».
وتابع فاضلي قائلا إن «قوانين التقاعد في ايران، قديمة وترجع لسبعينات القرن الماضي، ولذلك تحتاج إلى المراجعة والتعديل، لافتا إلى أن هناك «مافيا فاسدة من الحرس الثوري تسيطر على صناديق المتقاعدين لحساباتها التوسعية والطائفية بالمنطقة، وفي حين يقر قانون الضمان الاجتماعي بزيادة المعاشات بالصورة التي تتناسب والوضع الاقتصادي كل عام، غير أن الحكومة تتهرب من ذلك بدعوى الضغوط الاقتصادية، وهو ما يتناقض مع تدفق النفقات والدعم المالي والعسكري لحساب ميليشيات الحوثي في اليمن وميليشيا حزب الله في لبنان».
ومن جانبه، يرى الباحث الاقتصادي بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، أحمد شمس الدين ليلة، أنه لم يعد خافيا فداحة الوضع الاقتصادي الراهن بعد قرابة ثلاث سنوات من العقوبات الأميركية، والتي أسفرت عن معدلات خطيرة من الكساد والتضخم والبطالة وعجز الميزانية، وقد تخللت تلك السنوات متغيرات دولية زادت الأمر تعقيدا، كتراجع أسعار النفط والمعادن الأساسية والبتروكيماويات وانتشار فيروس كورونا.
ولفت الباحث الاقتصادي، في حديثه لموقع «سكاي نيوز عربية»، إلى تأثيرات هذا الوضع المتأزم اجتماعيا على الوضع المعيشي اليومي للإيرانيين والذي «تأثر وبشدة خلال العام الماضي الذي شهد أكبر تراجع لقيمة العملة المحلية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار كل شيء وبخاصة الغذاء، ثم تراجع القوة الشرائية للإيرانيين لنحو عشرين عاما إلى الوراء. وفق الإحصاءات الإيرانية الرسمية، فقدت الرواتب والمعاشات قيمتها الشرائية، ناهيك عن معاناة من ليس لهم دخل ثابت».
ولذلك، لا يستغرب تزايد الاحتجاجات الفئوية والعمالية في الآونة الأخيرة في طهران وغيرها من المدن، بحسب المصدر ذاته، خاصة في ظل استمرار الإنفاق العسكري في الخارج، والذي لا يزال رغم التذمر والغضب الشعبي من أولويات النظام.
وتابع قائلا: «على الرغم من شح إيرادات الموازنة والعجز المتزايد، إلا أن رفع الإنفاق العسكري بحوالي ملياري دولار على الأقل، كان من ضمن أولويات موازنة العام المالي الجديد في إيران، مما ينم عن استمرار التوجهات الخارجية ورهان القيادات على تحمل وصبر الشارع الإيراني، وهو رهان محفوف بالمخاطر».