الرئيسيةالهجرةقصة نجاح مهاجر.. نظّاراتيّ سوري في بون الألمانية

قصة نجاح مهاجر.. نظّاراتيّ سوري في بون الألمانية

يُتمم‭ ‬حالياً‭ ‬30‭.‬000‭ ‬لاجئ‭ ‬شاب‭ ‬تكوينهم‭ ‬المهني‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭. ‬ومن‭ ‬وصل‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬فإنه‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬تسير‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭. ‬DW‭ ‬تأخذكم‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬مع‭ ‬شاب‭ ‬سوري‭ ‬هرب‭ ‬من‭ ‬نار‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬ليخوض‭ ‬معارك‭ ‬مع‭ ‬البيروقراطية‭ ‬الألمانية‭.‬

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬كانت‭ ‬لدى‭ ‬محمود‭ ‬الحمصي‭ ‬مخططات‭ ‬أخرى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬حياته‭. ‬فالسوري‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬28‭ ‬عاماً‭ ‬كان‭ ‬ينوي‭ ‬العمل‭ ‬كمدرس،‭ ‬لأنه‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬الأدب‭ ‬الفرنسي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬قلب‭ ‬حياته‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب؛‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬كان‭ ‬يتوجب‭ ‬عليه‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬قوات‭ ‬الأسد‭ ‬لقتال‭ ‬المعارضةـ‭ ‬لكنه‭ ‬هرب‭ ‬عبر‭ ‬تركيا‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬سالكاً‭ ‬طريق‭ ‬البلقان‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا‭. ‬وفي‭ ‬2015‭ ‬وصل‭ ‬الشاب‭ ‬السوري‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬بون‭. ‬وحصل‭ ‬الحمصي‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬ولمّ‭ ‬شمل‭ ‬عائلته‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬لاحظ‭ ‬أن‭ ‬حلمه‭ ‬قد‭ ‬تبخر‭: ‬‮«‬وجب‭ ‬علي‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬الصفر‭: ‬دراسة‭ ‬جامعية‭ ‬لمدة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديي‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لذلك‮»‬‭.‬

وعوض‭ ‬ذلك‭ ‬تصفح‭ ‬الشاب‭ ‬كراسة‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬الوكالة‭ ‬الاتحادية‭ ‬للعمل‭ ‬تعرض‭ ‬كافة‭ ‬أنواع‭ ‬التكوين‭ ‬المهني‭ ‬والتأهيل‭ ‬الحرفي‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭. ‬وقرر‭ ‬الشاب‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬أخصائي‭ ‬بصريات‭ ‬وعدسات‭ ‬طبية‭: ‬نظّاراتيّ‭. ‬وبعد‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬سيبدأ‭ ‬الحمصي‭ ‬تكوينه‭ ‬الذي‭ ‬يستمر‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بون‭. ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬سعيد‭ ‬لهذا‭ ‬الاختيار‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬عمل‭ ‬متعدد‭ ‬الجوانب‭ ‬وله‭ ‬فرص‭ ‬مستقبلية‭ ‬جيدة‭. ‬ويمكن‭ ‬لي‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الورشة‭ ‬أو‭ ‬البيع‭ ‬وتقديم‭ ‬المشورة‭ ‬للزبائن‭. ‬هذا‭ ‬التكوين‭ ‬المهني‭ ‬ممتاز‭ ‬لي‮»‬‭.‬

معركة‭ ‬تكللت‭ ‬بالنجاح‭ ‬ضد‭ ‬البيروقراطية

وما‭ ‬كان‭ ‬لمحمود‭ ‬الحمصي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سعيداً‭ ‬اليوم‭ ‬بالآفاق‭ ‬المتوفرة‭ ‬لديه‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬السيدة‭ ‬الألمانية‭ ‬التي‭ ‬يتدرب‭ ‬عندها‭ ‬قبل‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬عنيدة؛‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬بدأت‭ ‬كفاحاً‭ ‬في‭ ‬2016‭ ‬ضد‭ ‬البيروقراطية‭ ‬الألمانية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬تكوين‭ ‬لسوري‭ ‬آخر‭. ‬‮«‬لقد‭ ‬ضغطت‭ ‬على‭ ‬نفسي‭. ‬وقلت‭ ‬الآن‭ ‬أريد‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬يحصل‮»‬،‭ ‬تقول‭ ‬السيدة‭ ‬أولى‭ ‬فاس‭ ‬بندر‭. ‬المرأة‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر57‭ ‬عاماً‭ ‬تقلب‭ ‬بفخر‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الورق‭ ‬جمّعتها‭ ‬خلال‭ ‬معركتها‭ ‬مع‭ ‬البيروقراطية‭ ‬الألمانية‭: ‬طلب‭ ‬التدريب‭ ‬المهني،‭ ‬ومراسلات‭ ‬مع‭ ‬وكالة‭ ‬العمل،‭ ‬ورسائل‭ ‬إلكترونية‭ ‬متبادلة‭ ‬مع‭ ‬الجهة‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬بلدية‭ ‬مدينة‭ ‬بون‭. ‬‮«‬حاولت‭ ‬تدوين‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭. ‬كانت‭ ‬حينها‭ ‬فعلاً‭ ‬كارثة‮»‬،‭ ‬تضحك‭ ‬السيدة‭ ‬الألمانية‭.‬

والكفاح‭ ‬الناجح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمكين‭ ‬لاجئين‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬تكوين‭ ‬جاء‭ ‬بثماره‭. ‬فشركة‭ ‬السيدة‭ ‬فاس‭ ‬بندر‭ ‬التي‭ ‬مكنت‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الاثني‭ ‬عشر‭ ‬الماضية‭ ‬21‭ ‬شاباً‭ ‬إتمام‭ ‬تكوينهم‭ ‬كأخصائيين‭ ‬في‭ ‬البصريات‭ ‬والعدسات‭ ‬تمت‭ ‬مكافئتها‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬الحرف‭ ‬اليدوية‭ ‬في‭ ‬كولونيا‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬بفضل‭ ‬عملها‭ ‬المجتمعي‭. ‬وهذه‭ ‬السنة‭ ‬كُرمت‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬وكالة‭ ‬العمل‭ ‬بفضل‭ ‬الدعم‭ ‬الممتاز‭ ‬لتكوين‭ ‬الناشئ‭. ‬‮«‬في‭ ‬حفل‭ ‬التكريم‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع،‭ ‬سردت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬الحكاية‭ ‬كلها‭ ‬لعام‭ ‬2016‭. ‬والناس‭ ‬في‭ ‬وكالة‭ ‬العمل‭ ‬تذكروا،‭ ‬وقالوا‭ ‬كنت‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭!‬‮»‬‭.‬

اللاجئون‭ ‬لسد‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬المهن‭ ‬الحرفية

مساعدة‭ ‬السيدة‭ ‬السورية‭ ‬للسوريين‭ ‬الشباب‭ ‬ليست‭ ‬بدون‭ ‬فوائد‭ ‬عليها‭. ‬‮«‬لدينا‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬باد‭ ‬غودسبيرغ‭ ‬نسبة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتكلم‭ ‬لغتهم‭ ‬وبفضله‭ ‬أكسبهم‭ ‬زبائن‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الألمانية‭ ‬إيجاد‭ ‬شباب‭ ‬يهتمون‭ ‬بمهنة‭ ‬الأخصائي‭ ‬في‭ ‬البصريات،‭ ‬تقولالسيدة‭ ‬فاس‭ ‬بندر‭ ‬مضيفة‭: ‬‮«‬نبحث‭ ‬منذ‭ ‬شهور‭ ‬بكل‭ ‬جهد‭ ‬عن‭ ‬حرفيين‭ ‬ومهتمين‭ ‬بالتكوين‭ ‬والتأهيل‭ ‬المهني‭. ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬طول‭ ‬مدة‭ ‬العمل‭ ‬تخيف‭ ‬الناس،‭ ‬لأننا‭ ‬نعمل‭ ‬أيام‭ ‬السبت‭ ‬أيضاً‮»‬‭.‬

ومحمود‭ ‬الحمصي‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬أية‭ ‬مشكلة‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الورشة‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تصنيع‭ ‬جميع‭ ‬النظارات‭. ‬‮«‬قمت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬بمساعدة‭ ‬شقيقي‭ ‬في‭ ‬مصنع‭ ‬النجارة‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنني‭ ‬أتمتع‭ ‬ببعض‭ ‬المهارات‭ ‬اليدوية‮»‬‭.‬

والأهم‭ ‬لوضع‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬ثابت‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الانضباط‭ ‬في‭ ‬المواعيد‭ ‬والدقة،‭ ‬اللغة‭. ‬وتمكن‭ ‬الحمصي‭ ‬مؤخراً‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬امتحان‭ ‬الدرجة‭ ‬الخامسة‭ (‬C1‭) ‬في‭ ‬سلم‭ ‬الكفاءة‭ ‬اللغوية‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬درجات‭. ‬‮«‬يجب‭ ‬الإلمام‭ ‬بالألمانية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفشل‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭. ‬لكن‭ ‬اللغة‭ ‬هي‭ ‬مفتاح‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬هنا‮»‬‭.‬

Most Popular

Recent Comments