في شارع صغير بمحافظة قنا جنوبي مصر، يجلس علي الجيزاوي الرجل الذي بلغ السبعين من عمره، يمسك بمصحف قديم يصلحه، ويحوله من حالته القديمة إلى مصحف جديد، وإلى جواره تتراص مجموعة من المصاحف والأناجيل، التي تنتظر دورها لتعود إلى حالتها الجديدة.
الجيزاوي بدأ رحلته في تجليد الكتب بشكل عام منذ عام 1969، فقد كان والده يعمل في دار الكتب المصرية، وتمكن من مساعدة نجله على الالتحاق بمطبعة الدار، وهناك تعلم أسرار تغليف الكتب بكافة أشكالها.
على مدى سبعة سنوات تنقّل الجيزاوي بين العديد من المطابع في القاهرة، وتحديدا في شارع محمد علي، الذي كان يشتهر بوجود العديد من المطابع، وخلال تلك التنقلات أتقن فنون التغليف، وصار واحدا من أكثر العاملين بالصنعة مهارة.
بعد أعوام التنقل قرر مغلّف الكتب أن يستقر في بلدته، وافتتح ورشته الخاصة، وقرر أن يركز عمله على تغليف الكتب السماوية، سواء المصاحف الشريفة أو الأناجيل، ومنذ ذلك الحين يعمل 6 أيام أسبوعيا واكتسب شهرة تدريجية في بلدته والبلاد المجاورة.
أصل المهنة
يقول الجيزاوي إن مهنة تغليف الكتب لم تكن متطورة في مصر، لكن الإيطاليون الذين كانوا يعيشون في مصر قديما علموها للمصريين، وجاءوا بالماكينات اليدوية التي تساعدهم على تنفيذ العمل بمجهود أقل، وورثه المصريون بعد رحيل الطليان.
أما عن مراحل تجديد المصاحف والأناجيل، فتبدأ بتفكيك المجلد تماما، وإزالة جميع الخيوط منه، ثم إعادة تجميع أوراقه بخيوط جديدة، ويتبع ذلك مرحلة تغليف خارجية بعدة طبقات من الورق المقوى والكارتون، وأخيرا مرحلة التغليف باستخدام لفافات المشمع، حسب شرح الرجل السبعيني.
الطرق التقليدية في التغليف هي المفضلة لدى أقدم مغلف مصاحف في مصر، فهو يعمل بنفس الطرق التي تعلمها قبل أكثر من خمسين عاما، ولا يحب أن يُدخل التكنولوجيا الحديثة في عمله، فهو يستمتع بالعمل بالمعدات اليدوية البسيطة، التي تساعده على تجديد أغلفة المصاحف.
يوضح “الورشة على حالها منذ ثمانينيات القرن الماضي، لم أغير لها أي أداة، سواء ماكينة قص الورق، أو مكبس المجلدات أو بقية الأدوات التي أستخدمها في مراحل إعادة التغليف”.