في هروب جديد من المشكلات التي تعاني منها الحكومة التركية وتردي الأوضاع المعيشية في البلاد، لجأ الرئيس رجب طيب أردوغان إلى حملة اعتقالات في صفوف حزب الشعوب الديمقراطي المعارض.
ويحاول أردوغان من خلال اعتقال أنصار حزب الشعوب الديمقراطي، وتنفيذ غارات على مواقع حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق لفت الأنظار عن المشكلات التي تستشري في المجتمع التركي منذ سنوات.
ويرى مراقبون للشأن التركي أن الهجمات التركية على مراكز حزب العمال الكردستاني في العراق وحملة الاعتقالات في تركيا مؤشر على محاولات الحكومة التركية إشعال الصراع مع الكرد أكثر فأكثر، من أجل «دغدغة» المشاعر القومية المتطرفة في الشارع التركي.
ويعتقد عدد من المراقبين أن تحرك حكومة أردوغان في هذا الاتجاه، يهدف إلى تحويل أنظار المواطنين الأتراك عن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الطاحنة التي حولت حياتهم إلى جحيم، بفعل الغلاء والبطالة وتدني سعر الليرة وهزال القدرة الشرائية في ظل حكم أردوغان.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها حملات اعتقال بحق أفراد حزب الشعوب الديمقراطي ذي الغالبية الكردية، كما ان العملية الأخيرة في جبال غارا في كردستان العراق ليست الأولى.
لكن اللافت هو توقيت الحدثين وتزامنهما مع محاولات النظام التركي تعديل الدستور بما يزيد من فرص بقائه وتكريس سلطاته، في وقت تشير مختلف استطلاعات الرأي إلى أنه سيخسر الانتخابات القادمة.
النفخ في «البعبع الكردي» وفي نظرية المؤامرة، كما تتفق آراء المراقبين للوضع التركي، ما هو إلا سوى محاولة لتكريس الانقسامات وتعميقها داخل المجتمع للعب عليها وتوظيفها في سياق محاولات النظام المأزوم للفكاك من طوق الأزمات الذي تكاد تخنقه.
حتى أن كل ما يصدر عن أنقرة بات محط شبهة وتشكيك وتكذيب داخل تركيا وخارجها، ولعل تشكيك الخارجية الأميركية بالرواية التركية حول كيفية مقتل العسكريين الأتراك خير مثال، الأمر الذي استدعت على إثره الخارجية التركية السفير الأميركي للاحتجاج.
وتقول القيادية في حزب الشعوب الديمقراطي ناهدة أرميش، في حديث مع «سكاي نيوز عربية»: «رغم أننا حزب ممثل في البرلمان، فإن السلطات تتعامل معنا كحزب إرهابي وغير شرعي، وذلك بهدف منعنا من التحول لمركز جذب واستقطاب لكافة القوى المعارضة لسلطة أردوغان».
وأضافت أن «المشكلات في تركيا لا تقتصر فقط على القضية الكردية، بل هناك قضايا فساد السلطة والنهب المنظم لمقدرات البلاد ومواردها ورعاية الحركات الإرهابية في الداخل والمنطقة ككل والأزمة الاقتصادية الوجودية وكبت الحريات وغيرها الكثير».
وأكدت أن «الأزمة التي خلقها أردوغان أزمة مركبة، تطال مختلف مستويات المجتمع في تركيا، وتطال كافة مناحي الحياة، وحيال هذا الواقع الفائض بالأزمات نتصدر نحن المعارضة ضد هذا النظام الفاسد، مما يفسر حملات التصفية والاعتقال المتواصلة بحق قيادات وكوادر ومناصري حزبنا على امتداد تركيا».
واعتبرت حملة الاعتقالات التي تطال المئات بل الآلاف من الأكراد «امتداد لسياسات القمع السلطوية الممنهجة بحقنا».
وتابعت: «لا تقتصر سياسات أردوغان المعادية للديمقراطية والكرد كرأس حربة المعارضة الديمقراطية لنظامه الاستبدادي على الداخل التركي فقط، بل تمتد حتى للخارج، فقبل أيام قليلة بدأ عملية عدوان على الأراضي العراقية عبر قصف جبال غارا بحجة استهداف مقرات حزب العمال الكردستاني وليجر أذيال الهزيمة مرة أخرى».
وأردفت: «في سياق قصف الطيران التركي، قتل عدد من أسرى الجيش والاستخبارات الأتراك لدى حزب العمال الكردستاني، والنظام يحاول تبرئة نفسه من هذه الفعلة عبر اتهام الثوار الكرد بقتل الأسرى، في حين أنهم منذ أشهر وبعضهم من سنوات محتجزون لدى الكرد ولم يصبهم أذى».
وتتساءل باستغراب: «كيف تنكر مسؤوليتك عن مصرع الأسرى الأتراك وعشرات طائراتك المعتدية قذفت حممها على المكان الذي كانوا فيه طيلة أيام».
وتتابع أرميش: «لقد كانت هذه العملية فشلا عسكريا ذريعا وللمرة الألف، حيث مُني الجيش التركي بهزيمة نكراء، ولينقلب السحر على الساحر، فبدلا من أن تسهم تلك العملية في خدمة أردوغان كما كان يخطط، تحولت إلى نقمة عليه، وزادت من السخط الشعبي في تركيا عليه كما على الصعيد الدولي والعربي».
وختم بالقول: «مع تراكم عجزه وفشله يحاول الرئيس التركي واهما مرة أخرى عبر البدء بحملة اعتقالات جديدة وواسعة لأعضاء حربنا التخفيف من حدة انحدار نظامه نحو الهاوية والعزلة، ليس إقليميا ودوليا فقط، وإنما بالدرجة الأساس داخليا».