الرئيسيةمنوعات عالمية"القرية الدافئة".. مبادرة مغربية لحماية المشردين من البرد

“القرية الدافئة”.. مبادرة مغربية لحماية المشردين من البرد

‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬كان‭ ‬فؤاد‭ ‬يتخذ‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬منزلا‭ ‬له‭. ‬غرفة‭ ‬نومه‭ ‬كانت‭ ‬جوار‭ ‬مدرسة‭ ‬ثانوية،‭ ‬سريره‭ ‬رصيف‭ ‬وغطائه‭ ‬سماء‭ ‬مدينة‭ ‬الصخيرات،‭ ‬30‭ ‬كيلومترا‭ ‬جنوب‭ ‬العاصمة‭ ‬المغربية‭ ‬الرباط‭.‬

وكانت‭ ‬الأقدار‭ ‬والظروف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬القاسية‭ ‬قد‭ ‬دفعت‭ ‬فؤاد‭ ‬إلى‭ ‬التشرد،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يلتقي‭ ‬شباب‭ ‬من‭ ‬النشطاء‭ ‬الاجتماعيين،‭ ‬اللذين‭ ‬وفروا‭ ‬له‭ ‬المأوى‭ ‬ليصبح‭ ‬فردا‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬‮«‬القرية‭ ‬الدافئة‮»‬‭. ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يحظى‭ ‬اليوم‭ ‬فقط‭ ‬بالدفء،‭ ‬بل‭ ‬بأسرة‭ ‬جديدة‭ ‬وأصدقاء‭.‬

يقول‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الخمسيني‭ ‬بكل‭ ‬عفوية‭ ‬و‭ ‬بابتسامة‭ ‬لم‭ ‬تنزعها‭ ‬منه‭ ‬ظروفه‭ ‬القاهرة‭ ‬‮«‬‭ ‬نعيش‭ ‬هنا‭ ‬كإخوة،‭ ‬نتشارك‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬مائدة‭ ‬واحدة‭ ‬و‭ ‬المبيت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الخيم‭ ‬و‭ ‬تجمعنا‭ ‬نفس‭ ‬الظروف‭ ‬و‭ ‬نتقاسم‭ ‬نفس‭ ‬المصير‮»‬‭.‬

يحكي‭ ‬ابن‭ ‬مدينة‭ ‬فاس‭ ‬لموقع‭ ‬‮«‬سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية‮»‬،‭ ‬بتحفظ‭ ‬قصة‭ ‬تشرده‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬و‭ ‬كابده‭ ‬في‭ ‬الليالي‭ ‬الماطرة‭ ‬و‭ ‬في‭ ‬العراء،‭ ‬متحسرا‭ ‬على‭ ‬اشتغاله‭ ‬كعامل‭ ‬مياوم،‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بتحمل‭ ‬مصارف‭ ‬إيجار‭ ‬غرفة‭ ‬تقيه‭ ‬برد‭ ‬ومخاطر‭ ‬الشارع‭. 

يضيف‭ ‬فؤاد‭:‬‮»‬‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬يبدلون‭ ‬جهدا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬أجلنا،‭ ‬إنهم‭ ‬يوفرون‭ ‬لنا‭ ‬يوميا‭ ‬وجبات‭ ‬الطعام،‭ ‬كما‭ ‬يسهرون‭ ‬على‭ ‬راحتنا‭ ‬و‭ ‬نظافتنا،‭ ‬و‭ ‬تقديم‭ ‬خدمات‭ ‬طبية‭ ‬إن‭ ‬اقتدى‭ ‬الأمر‭ ‬ذلك‭ ‬داخل‭ ‬القرية‮»‬‭.‬

المأوى‭ ‬ثم‭ ‬الطعام

‮«‬القرية‭ ‬الدافئة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬مبادرة‭ ‬إنسانية‭ ‬أطلقها‭ ‬شباب‭ ‬المنظمة‭ ‬المغربية‭ ‬للكشافة‭ ‬والمرشدات،‭ ‬جمعية‭ ‬‮«‬بسمة‮»‬،‭ ‬وجمعية‭ ‬السبيل‭ ‬للتنمية‭ ‬والتكافل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬هدفها‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬للأشخاص‭ ‬المشردين‭ ‬وإيوائهم،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬موجة‭ ‬البرد‭ ‬القارس‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬المأوى‭ ‬والدفء‭ ‬والملابس‭ ‬والطعام‭.‬

وتتألف‭ ‬‮«‬القرية‭ ‬الدافئة‮»‬‭ ‬من‭ ‬خيم‭ ‬متفرقة،‭ ‬تم‭ ‬نصبها‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الملاعب‭ ‬بمدينة‭ ‬الصخيرات،‭ ‬تأوي‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬أربعة‭ ‬أشخاص،‭ ‬كما‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬دورات‭ ‬مياه‭ ‬ومطبخ‭.‬

فكرة‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬التطوع‭..‬عطاء‭ ‬يلزمنا‮»‬،‭ ‬تولدت‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الشباب‭ ‬المتطوع‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الميداني،‭ ‬الذي‭ ‬مكنهم‭ ‬من‭ ‬ملامسة‭ ‬واقع‭ ‬ووضعية‭ ‬الأشخاص‭ ‬المشردين،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬عندما‭ ‬كانوا‭ ‬يوزعون‭ ‬عليهم‭ ‬وجبات‭ ‬طعام‭ ‬ليلا‭ ‬خلال‭ ‬فترات‭ ‬البرد‭ ‬القارس‭.‬

يقول‭ ‬يونس‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬منسق‭ ‬المبادرة‭ ‬ورئيس‭ ‬المنظمة‭ ‬المغربية‭ ‬للكشافة‭ ‬والمرشدات‭: ‬‮«‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرات‭ ‬توزيعنا‭ ‬للطعام‭ ‬على‭ ‬الأشخاص‭ ‬بدون‭ ‬مأوى‭ ‬كنا‭ ‬نلمس‭ ‬بأن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يتوقون‭ ‬إليه،‭ ‬هو‭ ‬المأوى‭ ‬الدافئ‭ ‬و‭ ‬الحماية‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬يضيف‭ ‬يونس‭ ‬لموقع‭ ‬‮«‬سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية‮»‬،‭ ‬انبثقت‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬القرية‭ ‬الدافئة‮»‬‭ ‬لمؤازرة‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المجتمع،‭ ‬و‭ ‬تتشكل‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬غير‭ ‬مؤهلين‭ ‬لتحمل‭ ‬قساوة‭ ‬البرد،‭ ‬و‭ ‬غالبيتهم‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن،‭ ‬ممن‭ ‬وجدوا‭ ‬انفسهم،‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬دون‭ ‬مأوى‭.‬

الدعم‭ ‬والاستقرار

ولتنفيد‭ ‬فكرتهم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬تلقى‭ ‬الشباب‭ ‬المتطوع‭ ‬دعما‭ ‬لوجستيا‭ ‬من‭ ‬الهلال‭ ‬الأحمر‭ ‬المغربي،‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬خيام‭ ‬وأفرشة‭ ‬وأغطية،‭ ‬فيما‭ ‬وفرت‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬المساحة‭ ‬والموقع‭ ‬المناسب‭ ‬لإقامة‭ ‬القرية‭.‬

يقول‭ ‬منسق‭ ‬المبادرة‭: ‬‮«‬فور‭ ‬توصلنا‭ ‬بالدعم‭ ‬اللازم‭ ‬شرعنا‭ ‬في‭ ‬استقبال‭ ‬المستفدين،‭ ‬مع‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بجميع‭ ‬التدابير‭ ‬الاحترازية‭ ‬تجنبا‭ ‬لانتشار‭ ‬العدوى‭ ‬بفيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬و‭ ‬قمنا‭ ‬بتوفير‭ ‬جميع‭ ‬الشروط‭ ‬الكفيلة‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬تباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬و‭ ‬كمامات‭ ‬و‭ ‬مطهرات‮»‬‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الدعم‭ ‬المادي‭ ‬يقول‭ ‬يونس‭: ‬‮«‬توصلنا‭ ‬بمساهمات‭ ‬من‭ ‬محسنين،‭ ‬تساعدنا‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬المأكل‭ ‬و‭ ‬المشرب‭ ‬و‭ ‬الملبس‭ ‬للوافدين‭ ‬على‭ ‬القرية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مساهمة‭ ‬جمعيات‭ ‬مدنية‭ ‬والجمعيات‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬المبادرة‮»‬‭. ‬

كما‭ ‬يشير‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬إلى‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬تكتسيها‭ ‬الخدمات‭ ‬الطبية‭ ‬المقدمة‭ ‬للمستفيدين‭ ‬من‭ ‬الإيواء‭ ‬في‭ ‬القرية،‭ ‬حيث‭ ‬يعاني‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬جراء‭ ‬آثار‭ ‬البرد‭ ‬الذي‭ ‬كانوا‭ ‬عرضة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الشارع‭.‬

‮«‬هذه‭ ‬القرية‭ ‬التي‭ ‬ستواصل‭ ‬تقديم‭ ‬خدماتها‭ ‬لمدة‭ ‬3‭ ‬أشهر‭ ‬منحتهم‭ ‬شعورا‭ ‬افتقدوه‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬إنه‭ ‬الشعور‭ ‬بالاستقرار‭ ‬النفسي‮»‬‭ ‬يقول‭ ‬الشاب‭ ‬المتطوع،‭ ‬ويضيف‭: ‬‮«‬‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬صالحهم‭ ‬ويقدرونه،‭ ‬لذلك‭ ‬نشأت‭ ‬فيما‭ ‬بيننا‭ ‬علاقة‭ ‬وطيدة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‮»‬‭.‬

ترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬التضامن

وتطلق‭ ‬جمعيات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬مبادرات‭ ‬إنسانية‭  ‬للتكفل‭ ‬بالأشخاص‭ ‬المشردين‭ ‬طوال‭ ‬السنة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬خلال‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬تنخفض‭ ‬فيها‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭.‬

وتتكفل‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬بتقديم‭ ‬الطعام‭ ‬والملابس‭ ‬وتوفير‭ ‬الدفء‭ ‬لمن‭ ‬دفعتهم‭ ‬ظروفهم‭ ‬إلى‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تعزيز‭ ‬قيم‭ ‬التضامن‭ ‬والتآزر‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي،‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬وسط‭ ‬الشباب‭.‬

ويأمل‭ ‬الشباب‭ ‬المتطوعون‭ ‬في‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬القرية‭ ‬الدافئة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬مركز‭ ‬قار‭ ‬يمكنهم‭ ‬من‭ ‬استقبال‭ ‬الأشخاص‭ ‬بدون‭ ‬مأوى‭ ‬على‭ ‬طوال‭ ‬السنة،‭ ‬ويقول‭ ‬يونس‭ ‬‮«‬‭ ‬نأسف‭ ‬لكون‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬ستنتهي‭ ‬بعد‭ ‬3‭ ‬أشهر،‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬سيعود‭ ‬الأشخاص‭ ‬اللذين‭ ‬استقبلتهم‭ ‬القرية‭ ‬إلى‭ ‬وضعهم‭ ‬السابق‮»‬‭.‬

ولا‭ ‬يخفي‭ ‬فؤاد‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬بعد‭ ‬انقضاء‭ ‬مدة‭ ‬عمل‭ ‬‮«‬القرية‭ ‬الدافئة‮»‬،‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬مركز‭ ‬الإيواء‭ ‬إن‭ ‬تم‭ ‬إحداثه،‭ ‬لأنه‭ ‬يبقى‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الشارع‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬قساوتها‭ ‬سوى‭ ‬من‭ ‬عاش‭ ‬بين‭ ‬الأزقة‭ ‬والدروب‭ ‬دون‭ ‬مكان‭ ‬يأويه‭. 

Most Popular

Recent Comments