على بعد 20 كيلومترا عن مدينة طبرقة، شمالي تونس، ووسط أشجار الفلين والزان في غابة «عين الصبح» الكثيفة، تزهر ورود تفانت امرأة في العناية بها، لتحولها إلى أزهار معدة للاستهلاك الغذائي، تضفي على الأطباق لذة استثنائية.
القصة بدأت في سنة 2018، عندما شاركت امرأة تدعى سنية الأبيضي في مسابقة «سوق التنمية»، وتقدمت بدراسة لبعث مشروع زراعة الورود البيولوجية المعدّة للاستهلاك الغذائي، وهو الأول من نوعه في تونس والوطن العربي.
وقالت سنية إن «الدراسة التي قدمتها نالت موافقة اللجنة وتحصلت على تمويل قدر ب 35 بالمئة من التكلفة الإجمالية لمشروعها، ثم قضت سنة وثلاثة أشهر في إتمام جميع المحطات المستوجبة قبل بدء عملية الإنتاج، وقامت بشراء أرض دولية في منطقة غابية بطبرقة، بمساحة 3 هكتارات ونصف، لأن زراعة الورود المعدة للأكل تتطلب مناخا مناسبا وتوفر المياه الحلوة».
وتقول صاحبة المشروع: « تجاوزت صعابا كثيرة عند تهيئة الأرض ممّا كلفني أموالا إضافية ولذلك قمت ببيع سيارتي وحصلت على قرض من البنك وتشبثت باستكمال الحلم»، وتضيف سنية الأبيضي: «صحيح أن تكلفة المشروع لم تتجاوز 110 ألف دينار (40 ألف دولار) وهو يعد مبلغا متواضعا في مجال بدء المشاريع غير أنه كان كبيرا بالنسبة لي في تلك الظروف المادية التي عانيتها».
وانطلقت الشابة المثابرة سنة 2020 في زراعة الورود، وفي شهر مارس قطفت أول محصول لها من الورود المعدة للأكل، زهور صغيرة بألوان زاهية، وتستعمل في إعداد أطباق شهية.
وقالت سنية لسكاي نيوز عربية: «سلّمت أول طلب منذ سنة وكم كنت سعيدة حينها وشيئا فشيئا زاد عدد زبائني وأولهم النزل والمطاعم الفاخرة ولاحظت أن التونسيين أقبلوا على تناول الورود وأحبوا طعمها».
أطباق مزهرة
وأوضحت سنية الأبيضي أنه يوجد أكثر من 40 نوعا من الورود المعدة للاستهلاك وذات فوائد صحية، وقد اختارت الاكتفاء بزراعة 5 أنواع منها «زهرة أبو خنجر»، التي يشبه مذاقها الفجل ويحتوي 100 غرام منها على 300 غرام من فيتامين سي، وتؤكل في السلطة والشوربة و تخلط مع العصير، كما تتميز برائحتها الزكية، كما يمكن استعمال ورقة «الزهرة أبو خنجر» في المحشي بأنواعه ويمكن أيضا تخليل بذورها ولها مذاق طيب، وتسمى «زهرة أبو خنجر» ملكة الزهور المعدة للاستهلاك الغذائي، وتعرف منذ القدم بأنها تعالج الجروح وتعتمد كمضاد حيوي لنزلة البرد.
وتقوم سنية أيضا بزراعة «زهرة الثالوث» وتستخدم خاصة في إعداد الحلويات، و»زهرة البنفسج» وتتميّز بطعمها الحلو، و»زهرة لسان الثور» وطعمها يشبه الخيار.
وتضيف أن «زهرة لسان الثور» أو ما يسمى في تونس «البوخريش» منتشرة طبيعيا في عدة مزارع، وعلى حافة الطرقات، لكننا لا ندرك قيمتها الغذائية لذلك «فقد وضعت لنفسي هدفا كبيرا وأعمل على تحقيقه وهو أن تصبح الورود جزءا من عاداتنا الاستهلاكية».
صناعة الشاي
وكشفت سنية أنها بصدد التحضير لمشروع جديد يتمثل في تجفيف الورود المعدة للأكل وأوراقها كمنتج جديد، «وقد بدأت بتجربة تمثلت في شاي الفراولة الذي يكتسب 16 فائدة صحية ومن أولها العناية بصحة العين وتدعيم صحة جهاز المناعة وتحسين وظائف الدماغ وعلاج الاكتئاب، ونظمت حصص تذوق، ولاحظت مدى إعجاب الناس بمذاقه وانطلقت في ترويجه،» خصوصا بعد انتشار فيروس كورونا المستجد وتأكد أهمية الأعشاب الطبيعية والحشائش والمستخلصات الطبيعية في الرفع من مناعة الجسم.
تقول سنية «اليوم أشعر بغاية السعادة والرضا عندما أدخل مزرعتي وأحس وكأن الورود تحتضنني، ولشدة إعجابي بها أفكر في بدء مشروع إقامة ريفية داخل مزرعة الورد.
ستكون جنتي الصغيرة. لقد أيقنت أنه يكفي أن يتأمل الإنسان من حوله في محيطه الصغير وسيجد عدة أشياء يمكن أن يثمنها ويستنبط منها مشاريع ناجحة».