بعد تسجيل أدوية وعمليات الإخصاب في المغرب أسعارا باهظة، قررت الحكومة أخيرا الاستجابة لمطلب «قديم» للأزواج الذين يعانون من صعوبة في الإنجاب.
ووافقت وزارة الصحة وقطاع التأمين على إدراج ثمانية أدوية تدخل في علاج الخصوبة، ضمن الأدوية المشمولة بالتغطية الصحية والتعويضات.
ومن شأن هذه الخطوة غير المسبوقة في السجل الطبي المغربي، أن تخفف من ثقل مصاريف العلاج عن فئة كبيرة تقصد عيادات المساعدة على الإنجاب.
وتصل كلفة بعض الأدوية، التي أصبحت خاضعة لنظام التعويض، إلى أكثر من 200 دولار للجرعة الواحدة، علما أنه غالبا ما يتم اللجوء إلى جرعات متعددة خلال كل محاولة علاجية.
نسبة الخصوبة في تراجع
لا تتوفر وزارة الصحة المغربية على إحصاءات حول عدد الأزواج الذين يعانون من صعوبات في الإنجاب، في ظل غياب سجل وطني يحصي عدد الحالمين بالأمومة والأبوة.
إلا أنه في مقابل ذلك، توجد تقديرات للأطباء الاختصاصيين، تشير إلى وجود ما بين 15 و25 في المئة من الأزواج المغاربة الذين يحاولون الإنجاب، عبر طرق أبوب العيادات والمراكز الخاصة بطب الخصوبة.
وبحسب دراسة نشرت في العام 2019، كشفت المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة الأبحاث الحكومية، أن معدلات الخصوبة في المغرب، سجلت انخفاضا ملحوظا منذ بداية ستينيات القرن الماضي، لتستقر في حدود طفلين لكل امرأة في سنة 2018.
وعزت المؤسسة الحكومية هذا الاتجاه التنازلي للخصوبة إلى عاملين رئيسيين، أحدهما يتعلق بتراجع سن الزواج، الذي انتقل في المتوسط من 17 سنة، عند النساء، في 1960 إلى 25 سنة في 2014.
أما العامل الثاني فيتعلق باعتماد وسائل منع الحمل، التي انتقلت بما يقدر بـ 19في المئة في بداية سنوات الثمانينات، ولم تتوقف عن الارتفاع حتى بلوغ حوالي 71 في المئة سنة 2018.
وعلى الصعيد العالمي، تشير أرقام منظمة الصحة العالمية، إلى أن واحدا من بين 7 أزواج يصعب عليه تحقيق حلمه بالأمومة أو الأبوة.
أمنية تحققت
وبارتياح كبير استقبلت الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة، القرار الحكومي بإدراج معظم أدوية الخصوبة ضمن نظام التغطية الصحية.
وقد أكدت عزيزة غلام، رئيسة الجمعية التي تدعم الأزواج في وضعية البحث عن الإنجاب، أن هذا الخبر يعد «مفاجأة سارة بالنسبة إلى جميع الحالمين بالأمومة والأبوة، لأنه جاء بعد سنوات من النضال والترافع لدى المؤسسات الرسمية المعنية».
وتوضح غلام في تصريح لموقع «سكاي نيو عربية» أنه منذ تأسيس الجمعية التي تحمل اختصارا اسم «مابا»، تم رفع مطلب التغطية الصحية على رأس قائمة المطالب التي وجهتها الجمعية إلى مختلف الجهات المسؤولة، وفي مقدمتها الوكالة الوطنية للتأمين الصحي ووزارة الصحة، لتمتيع الزوجين بحقهما في تغطية مصاريف تشخيص وعلاج ضعف الخصوبة.
وتشير رئيسة جمعية «مابا» إلى أنه في السابق لم تكن أدوية علاج الخصوبة تدخل ضمن نظام التعويضات، «وهو ما يضاعف الكلفة الباهظة التي تتطلبها المراحل المختلفة للعلاج والتي تناهز أحيانا 4 آلاف دولار، للمحاولة الواحدة».
وتشمل الأدوية المدرجة في إطار التغطية الصحية، أدوية الجهاز البولي والتناسلي والهرمونات الجنسية، وضمنها منشطات التبويض، التي تدخل في علاجات المساعدة الطبية على الإنجاب.
وتؤكد رئيسة جمعية الحالمين بالأمومة والأبوة «أن المشوار ما يزال طويلا» من أجل إدراج باقي الخدمات الصحية الأخرى ضمن التغطية الصحية، وتشمل مجموع الخدمات الصحية المرتبطة باستعمال تقنيات المساعدة الطبية على الإنجاب والتعويض على جميع التحاليل المخبرية والفحوصات الإشعاعية والعمليات الجراحية التي توصف طبيا لأجل علاج ضعف الخصوبة أوالعقم.
كما تأمل الجمعية التي تستقبل أعدادا متزايدة من الأزواج الراغبين في الإنجاب، إدراج المكملات الغذائية الطبية التي تدخل في علاج الخصوبة ضمن التغطية الصحية.
التكاليف.. عائق أمام تحقيق الحلم
وتضم المدن الكبرى بالمغرب، عددا متزايدا من المراكز المتخصصة في المساعدة على الإنجاب.
وتؤكد سميرة جلولي، الطبيبة المختصة في أمراض النساء والتوليد والمساعدة على الإنجاب، أن العيادات المغربية تتوفر تقريبا، على كل تقنيات المساعدة على الانجاب، المعتمدة على الصعيد العالمي.
وتشدد على أن الأطباء المغاربة يطلعون باستمرار على أحدث الأبحاث والتقنيات عبر المشاركة في دورات ومؤتمرات تعقد في أوربا والولايات المتحدة.
وفي تصريحات لموقع «سكاي نيوز عربية» تكشف سميرة جلولي، وهي عضو في الجمعية المغربية لطب الإنجاب، أن أسعار العلاجات تختلف حسب طبيعة المشكل ومدى تعقيده، «أحيانا نكتفي ببعض الأدوية والتدخلات الجراحية البسيطة، وأحيانا أخرى قد نلجأ للحقن المجهري أو حتى للتلقيح الاصطناعي».
وهذا الأخير، أو ما يطلق عليه بتقنية أطفال الأنابيب، هو الأعلى كلفة بين كل التدخلات، بحيث قد يصل إلى 4 آلاف دولار للمحاولة الواحدة.
وفي هذا السياق تكشف طبيبة النساء والتوليد، أن ارتفاع التكلفة، مقابل انخفاض فرص نجاح العملية التي لا تتعدى 30 في المئة في أحسن الأحول، تقفان عائقا أمام حلم الإنجاب لدى عدد كبير من الأزواج، الذين يعجزون عن دفع التكاليف في غياب التغطية الصحية الشاملة، «خاصة وأننا قد نضطر لإعادة محاولة التلقيح لمرتين أو أكثر».
وتشير عضو جميعة المغربية لطب الإنجاب، أن كل مراكز المساعدة على الانجاب المتواجدة في المغرب هي مراكز خاصة، باستثناء مركز واحد عمومي يتواجد في العاصمة الرباط، ولكنه لا يعرض كل الخدمات مجانا، بل يتم دفع التكاليف.
بين القانون والممارسة
وبالموازاة مع البطء المسجل على مستوى توسيع التغطية الصحية في مجال طب الإنجاب في المغرب، فإن النصوص القانونية التي تنظم هذا المجال، عرفت على مدى سنوات مجموعة من الثغرات.
وبعد طول انتظار من قبل الأزواج الذين يعانون من ضعف القدرة على الانجاب، أفرجت الحكومة المغربية في العام 2019، عن القانون المتعلق بالمساعدة الطبية على الإنجاب، بعد حصوله على الموافقة البرلمانية.
وقد اعترف هذا النص القانوني، الأول من نوعه في المغرب، بضعف الخصوبة كمرض، مما أسهم في الاعتراف بحق الأزواج في العلاج، ومهد بالتالي، للإفراج عن لائحة الأدوية التي أصبحت خاضعة للتعويض.
وينظم هذا النص التشريعي، الإطار القانوني لممارسة المساعدة الطبية على الإنجاب داخل المراكز المتخصصة.
وينص القانون في بابه الأول على أنه «يشترط في المستفيدين من المساعدة الطبية رجلا وامرأة متزوجين، على قيد الحياة، وأن تكون الأمشاج متأتية منهما وحدهما دون غيرهما».
فيما ينص في بابه الثاني على «على منع، الاستنساخ التناسلي وانتقاء النسل، والتبرع بالأمشاج واللواقح والأنسجة التناسلية أو بيعها، وكذا الحمل من أجل الغير».