فتحت وزارة الصحة المصرية خلال اليومين الأخيرين تحقيقين إداريين في وفاة عدد من مصابي فيروس كورونا داخل المستشفيات الحكومية نتيجة نقص الأكسجين، في الوقت ذاته أعلنت النيابة العامة تلقي بلاغًا بوفاة مريضين بمستشفى “زفتى العام” بمحافظة الغربية بدلتا مصر بسبب نقص الأكسجين.
ما بين التحقيقات المختلفة، تبقى رحلة إسطوانة الأكسجين في مصر طويلة، وتنظمها إجراءات إدارية لا تبدو معالمها واضحة بالنسبة لكثيرين لا يتخيلون أن يمثل الأكسجين أزمة خلال تلقيهم العلاج، خاصة في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد.
ارتفاع جنوني في أسعار الأسطوانات
أكرم محمد مسؤول شركة “أكسجين تريت” في محافظة الإسكندرية، ثالث أكثر المحافظات إصابة بالفيروس، يشير في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى تعاقده مع 4 مستشفيات لتوريد الأكسجين، توقف عن التوريد لإحداها وهي مستشفى صدر المعمورة لنقص الأكسجين بشكل كبير، حيث ارتفع سعره بشكل جنوني الفترة الأخيرة.
يضيف أكرم أن القانون يشدد على المستشفى ضرورة الاستلام من مصانع معتمدة، وهنا يقع دوره، حيث يستلم الأسطوانات من المستشفى أو المالك لها هو شخصيا، ليقوم بتعبئتها من المصانع الكبرى للكيماويات، في البداية كان سعر التعبئة 20 جنيه للأسطوانة الواحدة، ليتم توريدها للمستشفى بقيمة 45 جنيهاً، في الفترة الحالية يتم توريدها بـ95 جنيها، حيث ارتفع سعر التعبئة إلى 80 جنيهًا كاملة.
حسب هيئة الرقابة الصناعية، تم تحديث المواصفات القياسية للغازات الطبية عام 2005، وإقرارها كمواصفات ملزمة بقرار وزير التجارة والصناعة وبيانها مواصفة رقم 512 جزء أول الخاصة بالأكسجين الصناعي ومواصفة رقم 512 جزء ثاني والخاصة بالأكسجين الطبي، ومواصفة قياسية دولية رقمIso07390-1 والخاصة بشبكة توزيع الغازات داخل المستشفيات.
قرار مرتقب بحظر البيع إلا بوصفة
تصل قيمة إسطوانة الأكسجين إلى 2800 جنيه في الأوقات الطبيعية، لكن ارتفع سعرها إلى 4 آلاف جنيه في الفترة الحالية نظرا لزيادة الطلب حسب الدكتور محمد إسماعيل رئيس شعبة المستلزمات الطبية، الذي يوضح أن الإسطوانة نفسها مستوردة من الصين، لكن يتم التعبئة في المصانع المصرية.
يضيف لموقع “سكاي نيوز عربية” أن قرارًا سيصدر خلال ساعات بحظر البيع إلا بموجب وصفة طبية من قبل المشتري، ومنع البيع بالجملة للمستخدم العادي والمواطنين، ولا يتم البيع إلا للمصانع نفسها والمشهرة والمسجلة في الدولة وفقًا للإجراءات العادية والطبيعية.
قرار وزيرا الصحة والتجارة يلزم جهات الاستخدام والإنتاج بالتعامل بموجب عقود أو أوامر توريد تنص على مطابقة الأسطوانة والغاز للمواصفات القياسية المصرية الصادرة فى هذا الشأن، مع تحمل جهة الاستخدام مسؤولية التداول والتتبع بعد تسلمها الأسطوانات من الجهة المنتجة.
على خط سريع، يستلم أكرم حمولته من عدة مصانع، مطلوب منه أن يوصل نحو 70 إسطوانة للمستشفى الواحد يوميا في الفترة الحالية، بينما يكتفي المصنع بتحميل نحو 58 فقط، يشير إلى أن الأزمة صعبة خاصة مع غلق أحد أكبر المصانع في محافظة الإسكندرية المعروف باسم الغازات الصناعية.
الدكتور محمد إسماعيل أكد بدوره أن المصانع أغلقت لعدم تحملها تكلفة الإنتاج، حيث أن الدولة ممثلة في المستشفيات الجامعية وهيئة الشراء الموحد مديونة بنحو 60 مليون جينه لهذه المصانع، ما أدى إلى إغلاق 3 من أكبر المصانع في مصر وتوقف 5 آخرى عن الإنتاج بشكل كامل.
ومن أهم الغازات الطبية المتواجدة في المستشفيات هي الأكسجين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون، لكن أكثرها استخداماً للمرضى في أقسام الرعاية المركزة والحضانات هو غاز الأكسجين.
نظام إنذار حال نقص الأكسجين
حسب الدكتور محمد حسين طبيب العناية المركزة بمحافظة الأقصر، فإن شبكة الغاز الطبيعي في أي من المستشفيات المصرية، تتكون من أسطوانات الغاز و”تانك” للغاز إلى جانب أسطوانات احتياطية، ويجب أن تكون بنفس عدد الأسطوانات الرسمية، ومنظم غاز ابتدائي وثانوي لتشغيلها.
يشير حسين في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى أنه وفقًا لنظم التشغيل يجب أن تشمل الشبكة نظام إنذار يتم إطلاقه في حال نقص الغاز، بالإضافة إلى محبس، على أن يكون لكل أسطوانة نظام أمان لتفريغ الضغط، حتى لا يشكل مشكلة في الحالات الطارئة والضرورية، وهي شروط يجب توافرها عند افتتاح أي منشآة صحية جديدة.
وحسب وزارة الصحة المصرية، غرفة العمليات يُركب بها نفس شبكة الرعاية مع زيادة مخرج هواء حجمه 7 بار فى غرف عمليات العظام، لتشغيل مثقاب العظام، كما يوجد مخرج شفط غازات التخدير المتطايرة وهى الغازات التي تنتج من عمل جهاز التخدير لمدة طويلة فيتم شفطها وطردها خارج غرف العمليات.
لماذا تلجأ المستشفيات لموردين؟
لسنوات عديدة، اشتغل المهندس خالد القرش في تعبئة وتوريد أسطوانات الأكسجين للمستشفيات في محافظة الشرقية، إذ تخرج من كلية الهندسة قسم الميكانيكا وتمكن من افتتاح مصنع بالمنطقة الصناعية في العاشر من رمضان “شرق القاهرة”، واجتياز الأمر الصعب، وجود ماكينة التعبئة التي يبلغ سعرها نحو 10 ملايين جنيه.
يقول خالد لموقع “سكاي نيوز عربية” إن ذلك أصعب ما في الأمر، حتى لا تصبح تحت وطأة الشركات الكبرى، وبالتالي تقوم بعدها بالتعبئة والتوريد بشكل مباشر للمستشفيات، ومن ثم توافر ميزة إضافية، هي أن المصانع الكبرى ليس لديها وسائل نقل وبالتالي تلجأ للموردين والمصانع الأصغر التي يعتبر مكسبها الرئيس في النقل.
طبقاً لقانون إنشاء مصانع الغازات الطبية، لابد أن يحصل المصنع على ترخيص من الوحدة السكنية ومساحة معقولة لتوفير مكان للتكنات أو عمود الفصل أو المحولات ومخزن للأسطوانات وعربات نقل ووسائل أمان وإطفاء لخطورة تلك الصناعة والتانك قد يصل سعره لقرابة نصف مليون.
ويشدد خالد إلى أن الأمر صعب جدا في الفترة الحالية، حيث يحتاج القطاع الصحي في الشرقية نحو 5 آلاف أسطوانة أكسجين يوميا، بينما وصل مصنعه لأكبر معدل يومي بالتوريد لنحو 1500 إسطوانة فقط، الأمر الذي يشكل أزمة، إذ لا يمكنه توريد هذه الكميات الكبيرة.
أكد خالد أنه في الأيام العادية كان المصنع يعمل لوردية واحدة، ويحتاج القطاع الصحي من 400 إلى 600 إسطوانة فقط، ومع ذلك ارتفعت هذه الكمية عدة أضعاف، وبالتالي يوجد أزمة في كميات الإسطوانات نفسها، إذا قورنت على مستوى مصر في الإجمال.
إجراءات رسمية
عقدت وزيرة الصحة والسكان، هالة زايد، اجتماعا مع المهندس كمال بشاي رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات “بشاي” للصلب، لمناقشة سبل التعاون في تلبية احتياجات المستشفيات من الأكسجين الطبي.
وذكر المتحدث الإعلامي للوزارة في بيان صحفي، أن منظومة إدارة إمداد الأكسجين الطبي للمستشفيات التي تستقبل مرضى فيروس كورونا المستجد تشمل 3 طرق وهي التعاقدات التي تبرمها مديريات الصحة مع شركات الأكسجين السائل بكل محافظة وفقًا للاحتياج الروتيني، والتعاقد المركزي مع كبرى شركات الغازات حيث يتم توريد 400 ألف لتر يوميا مركزيا تحت تصرف الوزارة يتم استخدامها في الإمداد الطاريء للمديريات في حالة الزيادة المفاجئة للاستهلاك عن المعدل الطبيعي، فضلا عن إمداد روتيني مركزي للمحافظات الكبرى التي لديها ارتفاع في معدل الاستهلاك وهي (القاهرة، الجيزة، البحيرة، القليوبية، دمياط، الشرقية، الدقهلية، الغربية).