Colette Darghamتاريخ النشر: 19:50من الاستهجان التام إلى عدم الاكتراث التام، لا حدود وسطى في موقف الكنديين العرب في مونتريال من الحكم الذي أصدره مؤخرا القاضي في محكمة كيبيك دوني جالياتساتوس والذي أجاز فيه ’’رفع الإصبع الوسطى في وجه جار مزعج‘‘ معتبرا أن هذا الأمر حق أساسي تضمنه شرعة الحقوق والحريات الكندية.برأ القاضي المواطن نيل إبستين من تهمة ’’المضايقات الإجرامية وممارسة التهديد‘‘، وجاء في حكمه الصادر في 24 شباط / فبراير الماضي ’’ليس فقط المتهم غير مذنب، بل إن اعتقاله ومقاضاته هما الظلم بعينه […] لكي أكون واضحا تماما، إن رفع الإصبع في وجه شخص ما ليس جريمة، بل هو حق منحه الله ومكرس في ميثاق الحقوق والحريات‘‘.
رفع الإصبع الوسطى حركة بذيئة تعبر عن الازدراء في العديد من الثقافات ، تاريخ بدايتها غير مؤكد لكنها على الأرجح تعود إلى آلاف السنين. في الكوميديا اليونانية، استخدمت للإهانة وعند شعوب البحر المتوسط في القرن الأول كانت تستخدم لدرء العين الشريرة. وتقول الرواية الشعبية إنها تعود إلى عام 1415 أيام معركة ’’اجينكورت‘‘ (Battle of Agincourt) بين الإنجليز والفرنسيين، بتر أولا الفرنسيون الأصابع الوسطى للأسرى الإنجليز حتى لا يعودوا قادرين على إطلاق السهام بينها القوس النشّاب. ولكن انقلبت المقاييس عندما تحول نصر الفرنسيين الى هزيمة، فصار الجنود الإنجليز يقومون بهذه الحركة دلالة على أنه لا يزال بإمكانهم الرماية حتى لو تمت إزالة اصابعهم الوسطى، لتعرف هذه الحركة أيضا للتعبير عن التحدي والقوة.
الصورة: Getty Images / Photographer, Basak Gurbuz Derma
قد لا تكون حركة رفع الإصبع الأوسط متحضرة أو نبيلة وقد لا تكون مهذبة أو لائقة كسلوك اجتماعي، ومع ذلك، فإنها لا تؤدي إلى مسؤولية جنائية.نقلا عن دوني جالياتساتوس، قاضي في محكمة كيبيك
شجارات في الحييذكر أن شرطة مونتريال كانت اعتقلت المدرس إبستين (45 عاما) عام 2021 بعد شكوى تقدم بها جاره مايكل نقاش (34 عاما) يقول فيها ’’إن جاره تلفظ بتهديدات بالقتل ومارس مضايقات جنائية‘‘.
وقد رفع إبستين إصبعه الوسطى في وجه النقاش بعد مشادة كلامية بينهما متابعا طريقه. إلا أن النقاش زعم أن جاره قام أيضا بإيماءة قطع الرأس، وهو ادعاء لم يقبله القاضي.
هذا ووجه هذا الأخير توبيخا لاذعا للجار صاحب الشكوى، مايكل نقاش، قائلا ’’إن مظالمه ليست أكثر من تفاهات دنيوية وتافهة في الحي‘‘.
ويخلص القاضي إلى القول: ’’تميل المحكمة إلى أخذ الملف ورميه من النافذة […] لكن للأسف، لا تحتوي قاعات قصر العدل في مونتريال على نوافذ‘‘.
يقول نقولا شلهوب: ’’إن الشخص الذي يرفع إصبعه الوسطى في وجهي له أسبابه، إنه لم يكن ليقدم على ذلك من دون سبب، إنني أبرر هذا التصرف وأتساءل في نفسي في ما قد أكون قمت به عن قصد أو غير قصد لتأجيج غضب الآخر‘‘.الصورة: Radio-Canada / Colette Darghamاختلاف بين الثقافاتلم تتفق آراء المتحدثين العرب في مونتريال على موقف واحد متجانس، فمنهم من اعتبر أن الأمر تافه جدا ولا يستاهل مطلقا أن يصل إلى أروقة قصر العدل. فيما اعتبر آخرون أنه كان لا بد من أن يُحجّم القاضي حركة تؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث ما لا يُحمد عقباه.
في نظر الشاب بيتر ابن العشرين ربيعا ’’فإن رفع الإصبع أفضل بكثير من رفع السلاح‘‘، ولكنه يجد أن القاضي ذهب بعيدا في قوله ’’إنه حق منحه الله‘‘، وكان يكفي القول ’’إنه حق مكتسب‘‘.
تقول ماري ’’لم تعن لي قط في حياتي هذه الإشارة التي قد يقوم بها سائق لم تعجبه قيادتي على الطرقات، أرد عليه بلا مبالاة تامة وأكمل طريقي، وهو يستشيط غيظا وغضبا‘‘. وتجد المتحدثة بأن ’’قرار القاضي سيساهم أكثر فأكثر في عدم إعطاء هذه الحركة أهمية في مجتمعاتنا، في نظري يجب ألا تتعدى إطار كونها ’’فشة خلق‘‘ لا أكثر ولا أقل‘‘.
طوني بيطار، رجل متقدم في السن يؤكد أنه لم يقم في حياته قط بهذه الحركة ’’بكل بساطة لا أحبها وأجدها مقيطة‘‘.
يقول جورج حمصي: ’’ إنها شتيمة شاء القاضي أم أبى وقلة أدب أيضا، لا يجوز مطلقا السماح بها […] إنني في الغالب متسامح وأتظاهر بأنني لم أر شيئا، خصوصا أنني أجهل رد فعل الآخر بحكم أنني لا أعرفه، حيث أن الشتيمة المقيتة توجه إلي في أغلب الأحيان وأنا وراء مقود سيارتي‘‘.الصورة: Radio-Canada / Colette Darghamمن جهته، يجد أستاذ التاريخ سابقا إميل سارة أن قرار القاضي الكندي يفتح الباب على مصراعيه على الاختلاف بين الثقافات، ويذهب بحدود المسموح والممنوع الى مساحات تصل إلى حد التناقض. يقول المتحدث: ’’إن قواعد التهذيب هنا أصبحت مسألة يثار حولها الجدل، ولا يندرج رفع الإصبع الوسطى في إطار حرية التعبير فحسب، بل أيضا يحميه القانون بموجب ميثاق الحقوق‘‘. ويتساءل المتحدث عما إذا كان قرار المحكمة ذاك سيسمح برؤية المزيد من هذه الإيماءة التي تبقى في نظره، كشخص ينحدر من أصول شرق أوسطية، ’’غير مقبولة ومستفزّة‘‘، على حد تعبيره.
بدوره يؤكد ماهر فودة أنه لجأ أكثر من مرة في حياته إلى رفع إصبعه الوسطى في وجه ’’أناس سيئين لا يحسنون التصرف‘‘. يوضح المتحدث أن ردود الأفعال على حركته تلك تكون غالبا بالمثل، أما هو فمن عادته ألا يقوم بأي ردة فعل.
يبرر المتحدث تصرفه بأنه يأتي ردا على تصرف غير لائق، ’’أنا مهذب بالعادة ولكن تستفزني التصرفات الخارجة عن القواعد وعندما أرفع إصبعي أكون محقا‘‘.
إميل سارة: ’’لا يعني قرار القاضي شيئا، وهو لن يمنع برأيي أن بعض الأشخاص العصبيين سيتابعون في إزعاج الآخرين وتستمر المشاكل والفتن جراء هذه الحركة الغير مقبولة في مجتمعات الأرض قاطبة‘‘.الصورة: Radio-Canada / Colette Dargham
رفع الإصبع الوسطى غير مقبول على الإطلاق في المجتمع المصري ويعتبر إهانة كبرى ويتطور إلى حدوث شجار حاد غير مضمون النتائج قد يؤدي إلى الأذى والإعتداء الجسدي […] يحتاج القاضي الكندي إلى أن يرفع أحدهم إصبعه في وجهه لنرى كيف يمكن أن يكون رد فعله.نقلا عن ماهر فودة، كندي مصري
إلسي شرفان تؤكد تعرضها أكثر من مرة لهذا السلوك الغير المحترم الذي ترد عليه بعدم المبالاة، ’’لكي لا أعطي الفرصة للمهاجم بأن يعيد الكرة أو استفزه أكثر، لا يستفزني هذا السلوك بقدر ما تستفزني قلة الأخلاق والمربى‘‘.
توضح المتحدثة أن المجتمعات العربية مبنية على قواعد أخلاقية وسلوكيات اجتماعية ’’لا تقبل مطلقا بتبسيط الإهانة والسلوك المنحرف‘‘ على حد تعبيرها.
ماهر فودة: ’’لا أوافق القاضي الرأي، في كندا كما في مصر، الحركة تعني مسبة وشتيمة […] نفسي أعرف، يقول بعاميته المصرية، إيه رد فعل القاضي لما يرفع حد إصبعه في وجهه‘‘.الصورة: Radio-Canada / Colette Darghamلا تشاطر نادية، الكندية الجزائرية التي تدرس الحقوق في مونتريال، القاضي رأيه، تقول: ’’نعم إننا نتمتع بحرية التعبير، ولكن هذا الحق يجب أن يبقى محدودا بحرية التعبير عند الآخر أيضا، من قبيل أن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر‘‘.
حركة رفع الإصبع الوسطى مبتذلة جدا وأنا لا أقوم بها حتى بيني وبين نفسي […] إذا كانت محكمة كندا العليا برأت الفنان مايك ورد من تهمة الإساءة إلى الشاب المعوق ريمي غابريال عندما تندر عليه في إحدى نمره على المسرح، معتبرة أن النكتة أتت جزءا من العرض الفكاهي، فإن رفع إصبع الجار في وجه جاره ليس على الإطلاق جزءا من النكتة.نقلا عن نادية، طالبة في كلية الحقوق في جامعة مونتريال
Colette Dargham