توصلت دراسة أميركية حديثة إلى أن الفيروسات تستخدم المعلومات من بيئتها لتقرر متى تمكث بهدوء داخل مضيفها ومتى تتكاثر، وكأنها تشاهد وتسمع البيئة المحيطة بها.
وهذا الاكتشاف، بأن الفيروسات لها قدرة على مراقبة بيئتها، قد يلعب دورا في تطوير الأدوية المضادة للفيروسات.
وأجرى الدراسة باحثون من جامعة ميريلاند مقاطعة بالتيمور، ونشرت في مجلة “فرونتيرز إن مايكروبيولوجي” (Frontiers in Microbiology) أغسطس/آب الماضي، ونقلها موقع “يوريك ألرت” (Eurek Alert).
ووجد الباحثون أن الفيروسات تستخدم المعلومات من بيئتها لتتخذ القرار بالخطورة التالية: هل تجلس بهدوء داخل الخلية المضيفة أم تتكاثر وتنفجر، مما يؤدي إلى قتل الخلية المضيفة.
الفيروسات التي تصيب البكتيريا
من جهته، أوضح إيفان إيريل -أستاذ العلوم البيولوجية وكبير المؤلفين في الدراسة- أن قدرة الفيروس على الإحساس ببيئته، بما في ذلك العناصر التي ينتجها مضيفه، تضيف طبقة أخرى من التعقيد على التفاعل الفيروسي مع المضيف. وفي الوقت الحالي، تستغل الفيروسات هذه القدرة لمصلحتها. لكن في المستقبل، كما يقول إيريل “يمكننا استغلال ذلك، لإلحاق الضرر بالفيروسات”.
وركزت الدراسة الجديدة على “العاثيات” (bacteriophages) وهي الفيروسات التي تصيب البكتيريا.
ولا يمكن أن تصيب “العاثيات” -حسب الدراسة- مضيفيها إلا عندما تكون للخلايا البكتيرية زوائد خاصة تسمى الشعيرة والسوط، التي تساعد البكتيريا على الحركة والتزاوج.
وتنتج البكتيريا بروتينا يسمى “سي تي آر إيه” (CtrA) يتحكم في وقت تكوين هذه الزوائد. وتظهر الورقة الجديدة أن العديد من العاثيات لها أشكال في حمضها النووي حيث يمكن لبروتين “سي تي آر إيه” أن يلتصق، وتسمى مواقع الربط.
انفجار
ودرس الباحثون نوعا من البكتيريا اسمه “كالوبكتيرليس” (Caulobacterales). وتوجد هذه البكتيريا في شكلين: شكل “سرب” (swarmer) يسبح بحرية، وشكل “مطارد” (stalked) يلتصق بالسطح.
ونظرا لأن العاثيات يمكنها إصابة الخلايا السربية فقط، فمن مصلحتها أن تنفجر (يعني تتكاثر بأعداد كبيرة) خارج مضيفها عندما يكون هناك العديد من الخلايا السربية المتاحة للإصابة.
لذلك افترض الباحثون “أن العاثيات تراقب مستويات سي تي آر إيه، التي ترتفع وتنخفض خلال دورة حياة الخلايا، لمعرفة متى تصبح خلية السرب خلية ساق وتصبح مصنعا للأسراب”. ويقول إيريل إنه “في تلك المرحلة، تقوم الفيروسات بتفجير الخلية، لأنه سيكون هناك العديد من الأسراب القريبة للإصابة”.
ولسوء الحظ، فإن طريقة إثبات هذه الفرضية تتطلب عملية مكثفة وصعبة للغاية، لذا لم يكن ذلك جزءا من هذه الورقة البحثية الأخيرة رغم أن إيريل وزملاءه يأملون في معالجة هذا السؤال في المستقبل.
ومع ذلك، لا يرى فريق البحث أي تفسير آخر معقول لتكاثر مواقع ربط “سي تي آر إيه” على العديد من العاثيات المختلفة، وكلها تتطلب الشعيرة (السوط) لإصابة مضيفيها. وأشاروا إلى أن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو الآثار المترتبة على الفيروسات التي تصيب الكائنات الحية الأخرى، مثل البشر.
طرق علاجية جديدة لخداع الفيروس
ويقول إيريل إن النتيجة الرئيسية من هذا البحث هي أن “الفيروس يستخدم الذكاء الخلوي لاتخاذ القرارات، وإذا كان يحدث في البكتيريا، فمن شبه المؤكد أنه يحدث في النباتات والحيوانات”.
على سبيل المثال، لتحسين إستراتيجيته للبقاء والتكاثر، قد يرغب فيروس حيواني في معرفة نوع النسيج الموجود فيه أو مدى قوة الاستجابة المناعية للمضيف للعدوى. في حين أنه قد يكون من المقلق التفكير في المعلومات التي يمكن أن تجمعها الفيروسات وربما تستخدمها لجعلنا أكثر مرضا، فإن هذه الاكتشافات تفتح أيضا طرقا لعلاجات جديدة.
يقول إيريل “إذا كنت تطور دواء مضادا للفيروسات، وكنت تعلم أن الفيروس يستمع إلى إشارة معينة، فربما يمكنك خداع الفيروس”.