القاهرة- انطلقت مساع رسمية لتدشين حملة موسعة للحث على الولادة الطبيعية بدل القيصرية في مصر، وسط اقتراحات بسرعة سن قانون المسؤولية الطبية وعودة تدريب الأطباء والممرضات على الولادة الطبيعية، وتفعيل نظام القابلات ودار الأمومة والطفولة في وزارة الصحة.
وحسب إحصاءات رسمية، بلغت نسبة الولادات القيصرية في مصر نحو 72%، مما دفع لبدء تجهيز حملة رسمية موسعة للحث على الولادة الطبيعية وعدم لجوء الأطباء إلى العمليات القيصرية إلا عند الضرورة الطبية.
المتحدث باسم وزارة الصحة حسام عبد الغفار رأى أن الزيادة في نسب الولادة القيصرية “غير مبررة طبيًا”، مشيرا إلى أن المعدل العالمي للولادة القيصرية يتراوح بين 20 و25%.
وعلق المتحدث باسم وزارة الصحة بأن “الولادة القيصرية تؤثر بشكل مباشر على صحة الأم والطفل، ولدينا أعداد كبيرة جدًا من الأطفال الذين يدخلون الحضانات بسبب هذا النوع من الولادة، مما يسهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالتوحد ونزيف ما بعد الولادة”.
من جانبه، وجه وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار إلى مساواة أتعاب الأطباء عند الولادات الطبيعية بمثيلتها في الولادات القيصرية، إلى جانب تخصيص حافز مالي للفرق الطبية التي تحقق نسب ومعدلات أعلى للولادة الطبيعية، وفقًا لما نشرته صحيفة محلية.
وحسب بيانات غير رسمية، تبدأ أسعار الولادة القيصرية في المستشفيات الحكومية من 3000 جنيه، في حين تصل في العيادات الخاصة إلى نحو 7000 جنيه كحد أدنى، بينما تبدأ الأسعار في المستشفيات الخاصة من 13 ألف جنيه.
ما الولادة القيصرية؟
الولادة القيصرية عملية جراحية يتم فيها إخراج الطفل الوليد بإحداث شق في بطن الأم ورحمها، وهو إجراء يهدف إلى ولادة الطفل وفي الوقت نفسه الحفاظ على حياة الأم.
الحالات التي تتطلب الولادة القيصرية
عدم حدوث الولادة بشكل طبيعي، إذ إن انقباضات الرحم قد لا تكون كافية لتوسعة عنق الرحم بما يمكّن الطفل من الخروج.
وجود مشاكل في المشيمة.
كبر حجم الطفل.
إصابة الأم ببعض الحالات المرضية، مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم.
وجود مخاوف على صحة الطفل.
وجود توائم، إذا يزداد احتمال إجراء العملية القيصرية مع زيادة عدد الأطفال.
محاولة التوليد الطبيعي
وبالعودة إلى ارتفاع نسب الولادة القيصرية في مصر، يقول الدكتور مصطفى جاويش وكيل وزارة الصحة والسكان الأسبق وأحد المشرفين السابقين على مشروع “تنظيم الأسرة”، في حديث للجزيرة نت إن “هناك فرقا في البداية بين الولادة الطبيعية ومحاولة التوليد الطبيعي؛ فالولادة الطبيعية هي التي يمكن أن تقوم بها القابلة (الداية) في البيت، ويمكن أن تحدث في المستشفيات أو العيادات الخاصة، وتكون في وقتها الطبيعي.
أما محاولة التوليد الطبيعي فهي التي يقوم بها الطبيب بعد وصول الأم إليه من دون متابعة منه أو إشراف على مراحل الحمل، وبالتالي فهو يقوم بمحاولة توليد طبيعي. ومعظم الأطباء يخشى القيام بالأخيرة فيتجه إلى الجراحة القيصرية مباشرة خشية المضاعفات الصحية لأمراض لم يسعف الوقت الأمَّ للحديث عنها”.
ويرجع جاويش ارتفاع نسب الولادات القيصرية إلى “(بزنس) العمليات القيصرية الذي يتهم به المواطنون بعض الأطباء، وهو حقيقي في بعض الأوقات، لكن النسب الخاصة بالعمليات القيصرية في المستشفيات الحكومية وصلت في آخر إحصائية إلى 46%، وهي -حسب رأيه- كاشفة عن عدم تدريب الأطباء على الولادة الطبيعية، ونقص عدد القابلات (3 آلاف فقط على مستوى البلاد)، بجانب استغراق محاولات التوليد الطبيعي من 12 إلى 20 ساعة وسط مخاطر وألم، بينما العملية القيصرية تستغرق ساعة فقط، مما يغرى الطبيب باللجوء إليها لإنجاز العملية في أمان له وللأم”.
عوامل إجراء الولادة القيصرية
ومن المعروف أن الولادة القيصرية قد تتحول إلى إجراء ضروري في حالات معينة لإنقاذ حياة الطفل والأم، ويلفت جاويش إلى أن زيادة نسب الولادات القيصرية قد يرجع أحيانا إلى عدة عوامل طبية لدى الأم، منها الأنيميا والضغط والسكري ووجود تشوهات في الحوض تمنع خروج الطفل.
ويرى المدير الأسبق في مشروع تنظيم الأسرة بمصر ضرورة تفعيل دور دار الأمومة والطفولة بوزارة الصحة، حتى تبدأ الأم في المتابعة من أول يوم، في ظل ارتفاع أسعار العيادات الخاصة التي تدفعها إلى الانتظار لآخر يوم، ومن هنا تبدأ المشكلة واللجوء إلى الولادة القيصرية.
ويلفت وكيل وزارة الصحة والسكان الأسبق إلى أهمية إقرار قانون المسؤولية الطبية الموجود في البرلمان منذ التسعينيات من دون تمرير، الذي يربط بينه وبين استعادة الطبيب الثقة في نفسه وعدم الخوف من إجراء عمليات طبيعية، لأن قانون المسؤولية الطبية المتوافق عليه من الأطباء يمنح هيئة طبية متخصصة محاكمة الطبيب لا “محاكمته وسط المجرمين” إذا وقع في خطأ طبي غير مقصود أو إهمال طبي جسيم أو مضاعفات طبية معتمدة دوليا.
ويرى جاويش أن الحلول العاجلة تكمن في سرعة إصدار قانون المسؤولية الطبية وعودة تدريب الأطباء والممرضات على الولادة الطبيعية، وتفعيل نظام القابلات، وتفعيل دار الأمومة والطفولة في وزارة الصحة مع مرور مسؤولي مديريات الصحة بالمحافظات على العيادات الخاصة للتفتيش، فضلا على علاج المشاكل الصحية لدى أطفال اليوم في الأنيميا والسمنة والتقزم من أجل أمهات المستقبل، ومعالجة عجز نسب الحضانات التي لا تتناسب مع الزيادة في العمليات القيصرية التي تنتج غالبا أطفالا يحتاجون للحضانات.
دعم الولادة الطبيعية
وتتبنى لجنة الصحة بمجلس النواب المصري ووزارة الصحة والسكان المصرية حملة لدعم الولادة الطبيعية، بالتزامن مع تخريج الدفعة الأولى من المدربات على برنامج “الولادة الطبيعية” بمحافظة شمال سيناء الحدودية.
وأعلنت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب الطبيبة عبلة الألفي -في تصريحات صحفية- تفعيل مبادرة الولادة الطبيعية خلال الفترة المقبلة عبر برامج توعوية وحملات في جميع المحافظات.
وأكدت الألفي أن العديد من الدراسات الطبية كشفت عن أن الأضرار التي تعاني منها الأم والمولود عقب الولادة القيصرية عديدة، علاوة على أن هذه الولادة أصبحت “بيزنس” جيدا لبعض الأطباء، لا سيما في ظل رفض الحامل بذل بعض الجهد للقيام بالولادة الطبيعية.
من جانبه، يوضح المحامي محمد محمود للجزيرة نت بعدا مهما في المسألة القانونية؛ “فإذا تم التأكد طبيا من أنه كان يمكن ولادة الأم طبيعيا لكن الطبيب أجرى عملية قيصرية من دون حاجة، فمن الضروري تحرير محضر، لارتكاب الطبيب خطأ مهنيا جسيما وهو الجرح العمد بجسد الأم رغم أن حالة (المجني عليها) لا تستدعي ذلك، حيث سيفصل الطب الشرعي في الأمر بعد تحريك النيابة العامة المحضر”.
ويوضح محمود أنه صادف في الفترات الأخيرة من خلال عمله ومحيطه الاجتماعي كثرة تلك العمليات على غير الحاجة، لكن يحجم الآباء والأمهات على اتخاذ قرار الملاحقة للطبيب حتى لا يفسدوا فرحة المولود على عائلاتهم، وهو الأمر -حسب محمود- الذي يؤدي إلى تفاقم الظاهرة.
ويختم محمود بالقول إنه إذا تأكد عن طريق الطب الشرعي عدم الحاجة للجراحة “فيعد هذا إهمالا طبيا جسيما، يستوجب عقابين: التأديبي عن طريق النقابة ويصل للشطب، وتوقيع الجزاء الجنائي عبر المحاكمة”.