مع إعلان منظمة الصحة العالمية جدري القرود حالة طوارئ صحية، هل يعيدنا هذا المرض إلى إجراءات الحجر الصحي ومنع السفر والتباعد الاجتماعي والكمامات التي شهدناها مع كورونا؟ وهل يمكن أن يتطور إلى جائحة؟ وماذا يقول الخبراء؟
نبدأ مع الدكتور حسام أبو فرسخ، استشاري تشخيص الأمراض النسيجية والسريرية في العاصمة الأردنية عمان، الذي قال إن إعلان جدري القرود حالة طوارئ صحية يعني أن الوباء وصل إلى مرحلة تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية للقضاء عليه، لأنه يمثل خطرا على البشرية. ويجب اتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع هذا الفيروس من الانتشار أكثر في أسرع وقت.
هل يمكن أن يتطور جدري القرود إلى جائحة؟
لا يتوقع أبو فرسخ أن يصل الأمر إلى جائحة عالمية، حيث إن معظم الخطر محصور في أوروبا وأميركا، أما باقي العالم وإن كان موجودا فيه فهو بأعداد قليلة، ويقول إن الأسباب الذي تطمئن بشأن عدم تحوله لجائحة عالمية هي:
جدري القرود ينتقل في الغالب ووفق آخر دراسات؛ عن طريق الاتصال الجنسي والاتصال الجسدي الوثيق عند 95% من المصابين، والانتقال عن طريق الرذاذ أو التنفس لا يشكل طريقة مهمة للانتقال.
سرعة انتشار جدري القرود أقل كثيرا من سرعة انتشار كورونا. فقد كان عدد الإصابات في وباء كورونا وبعد 4 أشهر من الإعلان عن الجائحة في مارس/آذار 2020 يفوق 12 مليون إصابة، في حين أن المصابين بجدري القرود بعد 4 أشهر من الإعلان عنه حوالي 18 ألف إصابة في العالم.
هناك عدة لقاحات فعالة موجودة في العالم ضد جدري القرود وأهمها “إيه سي إيه إم 2000″ (ACAM2000) و”جينيوس” (JYNNEOS)، ونحن لا نزال في بداية هذا المرض، وبدأ توزيعها بالفعل. أما اللقاحات في وباء كورونا فقد ظهرت بعد حوالي 10 أشهر من بداية الجائحة. وهناك علاجات فعّالة ضد جدري القرود متوفرة ومنها “تيكوفيرمات” (tecovirimat).
هل سيؤدي جدري القرود إلى اكتظاظ في المستشفيات ووفيات عالية؟
يقول الدكتور أبو فرسخ إنه لا يتوقع ذلك، مضيفا أن نسبة الوفيات في جدري القرود قليلة جدا وهناك 5 وفيات فقط سُجلت حتى الآن من النوع المنتشر في غرب أفريقيا، ولم تسجل أي وفيات من النوع المنتشر في أوروبا وأميركا.
وأضاف أن فيروس جدري القرود هو من فيروسات “دي إن إيه” (DNA)، وهذه الفيروسات أقل تحورا بكثير من فيروسات “آر إن إيه” (RNA)، والتي منها فيروس كورونا. وهذا سيساهم في تقليل الإصابات أو حتى قدرة الفيروس على تجاوز المناعة من اللقاحات.
كما أن العدوى في كورونا تكون قبل ظهور الأعراض؛ مما يصعب على المخالطين معرفة أن المريض مصاب. بينما في جدري القرود العدوى تكون عندما تظهر التقرحات في الأسبوع الثاني عادة؛ مما سيحد كثيرا من مخالطة المرضى وبالتالي يقلل من انتشار الفيروس.
ما احتمالية أن تعود الإجراءات الوقائية من كمامات وإغلاقات وحجر صحي وقيود السفر؟
لكون المرض لا ينتقل عن طريق التنفس والرذاذ كطريق رئيسي؛ فإنه لا يجدي لبس الكمامات في منع المرض، لذلك لا يتوقع عودة وضع الكمامات بالنسبة لجدري القرود، وأيضا لا يُتوقع عودة الإغلاقات والحجر الصحي وقيود السفر.
هل يُتوقع أن يتم البدء بحملات دولية للتطعيم ضد جدري القرود، باستخدام لقاح الجدري؟
يقول الدكتور أبو فرسخ إنه يتوقع أن تكون لقاحات جدري القرود اختيارية وللفئة الأكثر عرضة للخطر وهم المثليون.
كم ستستمر حالة الطوارئ؟
تتوقع منظمة الصحة العالمية في أوروبا أن يصل عدد الإصابات بجدري القرود إلى ما يزيد على 27 ألفا بحلول الثاني من أغسطس/آب المقبل في 88 دولة، ارتفاعا من 17 ألفا و800 حالة في نحو 70 دولة في أحدث إحصاء.
وقال علماء من مختلف أرجاء العالم لرويترز إن إعداد توقعات لما بعد هذه الفترة أكثر تعقيدا، وأضافوا أن من المتوقع أن يستمر انتشار العدوى لعدة أشهر وربما لفترة أطول.
ما فرص وقف انتشار مرض جدري القرود؟
وفقا لرويترز، قال علماء يقدمون المشورة لمنظمة الصحة العالمية بشأن مرض جدري القرود إن فرصة وقف انتشار المرض تتضاءل مع زيادة عدد الحالات كل أسبوعين؛ مما يثير مخاوف من أن وصول الانتشار لذروته قد يستغرق شهورا.
وقالت آن ريموين -أستاذة علم الأوبئة بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وعضو لجنة خبراء منظمة الصحة العالمية بشأن جدري القرود- “علينا أن نتقدم على ذلك (وقف انتشار المرض)… من الواضح أن فرصة القيام بذلك تتضاءل”.
واجتمعت اللجنة الأسبوع الماضي لتحديد ما إذا كان التفشي يمثل حالة طوارئ عالمية للصحة العامة، وصوت غالبية الأعضاء ضد الخطوة؛ لكن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أعلن “حالة الطوارئ على أي حال”، في خطوة غير مسبوقة.
وقال خبراء الصحة إن الإجراءات المترتبة على هذا الإعلان يجب أن تكون عاجلة؛ بما في ذلك زيادة التطعيمات والفحوص وعزل المصابين ورصد المخالطين.
وكان العالم يتجاهل وجود المرض في أجزاء من أفريقيا بدرجة كبيرة على مدى عقود، لكن حالات الإصابة بدأت في الظهور في مايو/أيار الماضي خارج الدول التي يتوطن فيها.
وخارج أفريقيا ينتشر المرض أساسا بين الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال، وفقا لرويترز.
ويقول الخبراء إن الانتشار الراهن قد يؤدي إلى تحورات في الفيروس تجعله أكثر فاعلية في التفشي بين البشر.
وأمس الثلاثاء أصدر علماء ألمان دراسة وجدت تحورات في واحدة من 47 حالة إصابة وخلصوا إلى أنها قد تساعد على انتشار الفيروس بسهولة أكبر.
لقاح دانماركي ضد جدري القرود
ووافقت المفوضية الأوروبية على توسيع استخدام لقاح مجموعة الأدوية الدنماركية “بافاريان نورديك” (Bavarian Nordic) لمكافحة جدري القردة، وفق ما أعلنته الشركة أول أمس الاثنين، ونقلت ذلك وكالة الصحافة الفرنسية.
وصدر الضوء الأخضر من بروكسل بعدما منحت الهيئة الأوروبية للأدوية موافقتها يوم الجمعة الماضي على استخدام لقاح “إمفانكس” (Imvanex) ضد جدري القردة، علما أنه معتمد منذ عام 2013 في الاتحاد الأوروبي ضد الجدري البشري.
ويسري الضوء الأخضر من المفوضية في جميع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وكذلك في آيسلندا وليختنشتاين والنرويج.
ويتم تسويق لقاح “إمفانكس” (Imvanex) باسم “جينيوس” (Jynneos) في الولايات المتحدة، حيث اعتمد لمكافحة جدري القردة منذ عام 2019. وهذا يجعله اللقاح الوحيد المرخص للوقاية من المرض.
وأعلنت الشركة عن تلقيها طلبا أميركيا جديدا في منتصف يوليو/تموز الجاري برفع عدد الجرعات المطلوبة في الولايات المتحدة إلى 7 ملايين. كذلك أعلنت عن طلب للحصول على 1.5 مليون جرعة من دولة أوروبية لم تسمها الأسبوع الماضي.
حول جدري القرود
اكتشفت أولى الإصابات بجدري القردة لدى البشر في عام 1970، وهو أقل خطورة وعدوى من الجدري البشري الذي تم القضاء عليه عام 1980.
وينتقل المرض عن طريق الاتصال الوثيق، وعادة ما يشفي المريض من دون تدخل بعد أسبوعين أو 3 أسابيع.
ويظهر المرض، الذي كان حتى الآن متوطنا في عدد قليل من البلدان الأفريقية، على شكل طفح جلدي على الأعضاء التناسلية أو في الفم ويمكن أن يكون مصحوبا بنوبات من الحمى والتهاب في الحلق أو ألم في الغدد الليمفاوية.