يدعي مناصرو نظام وحدات القياس المتري بأن النظام المزدوج للقياس المستخدم في كندا يؤدي إلى زيادة في التكاليف والتسبب بالارتباك وحدوث الأخطاء.
وعلى مدى أكثر من 50 عامًا، شكل نظام القياس المزدوج المستخدم في كندا مصدر إرباك للتجار والحرفيين والوافدين الجدد.
هل سألنا حالنا يومًا على سبيل المثال، لماذا تُقاس درجات الحرارة خارجًا بالدرجة المئوية (سيليسيوس)؟ ولماذا إذا أردنا احتساء قهوة الصباح نشتريها بالأوقية ounces ، بينما نشتري الحليب بالليتر؟
مع أن كندا تعتمد النظام المتري بشكل رسمي، إلا أن القياسات الإمبراطورية هي المستخدمة على أرض الواقع في العديد من المجالات. مما يتسبب بالمزيد من التكاليف ويضع تعقيدات إضافية تعرقل سير العمل على مختلف الأصعدة بدءًا من الشركات وصولًا إلى أمور الحياة اليومية للفرد العادي.
يفضل الكنديون بشكل عام استخدام مزيج من نظام القياس المتري والنظام الإمبراطوري والمعروف أيضًا باسم النظام البريطاني الإمبراطوري.
من المتوقع في الفترة المقبلة وعلى المدى المنظور أن تحذو إحدى الدول حذو كندا في اعتماد نظام قياسات مزدوج: حيث تشير التسريبات إلى نية رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الإعلان عن إعادة اعتماد نظام القياسات الإمبراطوري بشكل رسمي خلال حفل اليوبيل البلاتيني لجلوس ملكة بريطانيا على العرش. حيث سيسمح هذا الإعلان ببيع المنتجات في المتاجر بالجنيه الإسترليني والأوقية إضافة إلى الجرام أيضا، وهذا ما سيزيد من ابتعاد المملكة المتحدة عن أوروبا التي تعتمد نظام القياسات المتري.
وفي هذا الخصوص صرح البروفيسور فيرنر أنتويلر وهو الاقتصادي في كلية سعود للأعمال في جامعة بريتش كولومبيا قائلًا :”إنه أمر جنوني تمامًا”.
وأضاف أيضا: “لا يتعدى هذا الإجراء عن كونه نزعة شعبوية (شعبية) بامتياز، ولا تمت للسياسة الاقتصادية بأي صلة. بل على العكس تمامًا له ما له من الآثار السلبية الضارة على الاقتصاد. فمن المؤكد أنه إجراء سيضر بالمصالح التجارية للملكة المتحدة التي لا تزال معظم تجارتها مرتبطة بالاتحاد الأوروبي، شئنا أم أبينا ذلك”.
يقتصر استخدام نظام القياسات الإمبراطوري حتى يومنا هذا على بعض الدول وهي ميانمار وليبيريا والولايات المتحدة الأمريكية التي يختلف النظام المعتمد فيها قليلًا عن الدولتين الباقيتين.
يؤكد البروفيسور أنتويلر وبعض الأشخاص الذين لا يزالون يعتمدون النظام الإمبراطوري بالكامل بوجوب ألا تحذو كندا حذو المملكة المتحدة، بل على العكس تمامًا يجب أن تعتمد نظام القياسات المتري فقط، كما هي حال معظم الدول التي تربطها بها علاقات تجارية قوية.
وقال أنتويلر أيضا أنه مع استمرار استخدام كندا لكلا نظامي القياس، سيتعين علينا الامتثال لمعيار القياس الآخر؛ مما سيتسبب بالمزيد من التعقيدات ويشكل مصدرًا إضافيًا لحدوث الأخطاء وارتفاع التكلفة.
بينما سيفرض المزيد من الاعتماد على النظام المتري عمليات شراء أكبر في مختلف الصناعات كالهندسة والعقارات والزراعة وخميرة البيرة؛ بينما قد يتسبب للشركات الكندية بمشاكل جديدة مع عملائها على الحدود الجنوبية.
متى اعتمدت كندا النظام المتري
حتى نعرف السبب الذي يجعل الكنديين يقيسون أطوالهم بالقدمة والبوصة، بينما يعتمدون على الكيلومتر لقياس المسافات، علينا العودة بالزمن إلى الوراء تحديدًا إلى عام 1970. عندما شكلت الحكومة الفيدرالية في كندا لجنة مختصة للعمل على تحويل كندا من دولة تعتمد نظام القياسات الإمبراطورية إلى دولة تعتمد على النظام المتري، وتعريف المواطنين بطريقة استخدام النظام الجديد.
وفي عام 1975 شهدت كندا أولى الخطوات العملية عندما بدأت باعتماد قياس الحرارة بالدرجات المئوية بدلًا من الفهرنهايت خلال توقعات الطقس. ثم تبعها تعديل القياسات على عبوات المواد الغذائية وفي الطرقات إلى وحدات مترية. وبحلول عام 1979 بدأت محطات الوقود تعتمد في قياس كميات الوقود الموجودة في خزاناتها على اللتر بدلًا من الغالون.
أما بالنسبة لمختلف المجالات الصناعات بقي الأمر اختياريًا. لتبدأ بعدها هذه الخطوات بالفتور شيئًا فشيئًا خاصة مع عدم اقتناع فئات معينة خاصة الطبقة الصناعية باستخدام النظام المتري، وتراجع الولايات المتحدة عن اعتمادها نظام قياسات متري خاص بها في بداية الثمانينيات. كل ذلك كان سببًا في بقاء كندا في منتصف المسافة بين نظامي القياسات خاصة مع صدور قرار بحل اللجنة المخصصة للنظام المتري عام 1985.
حتى يومنا هذا لا تزال معظم قطاعات الصناعة في كندا تعتمد على نظام القياسات الإمبراطوري، أو مزيح من النظامين؛ وهذا ما يفرض وجود مستوى معين من المعرفة بنظامي القياس معًا.
النظام المتري غاية في الدقة
مثله مثل بقية التجار في تورنتو يعمل Greg Moogk في صناعة الخزائن ويعتمد فيها على النظام الإمبراطوري بشكل كبير، إلا في حال طلب منه أحد المهندسين المعماريين تنفيذ رسومات معدة بوحدات قياس مترية، تمامًا عندما يتم إنشاء أبنية شاهقة الارتفاع، أو عند شراء سلع من دول خارج أمريكا الشمالية.
قال السيد Moogk: “إن النظام المتري يساعدك في أن تكون دقيقًا بشكل أكبر” وأضاف أنه من بين الأعمال التي تطلبت منه “اقطعها على مسافة تزيد بشعرة فقط عن 1/16 من البوصة؛ وكأنه يوجد قياس محدد يوصف بهكذا تعبير”.
كما قال: “في حال كان هنا قرار بإنهاء العمل بالنظام الإمبراطوري بشكل كامل، لا شك أنه سيكون أمرًا جديدًا لكن لفترة ليست طويلة، فمثل هكذا قرار سيحتم على الجميع خاصة أصحاب المهن تعلم استخدام نظام القياسات المتري. لكن الشيء الجيد في ذلك هو سهولة استخدام هذا النظام، فلا أعتقد أن أحدًا ما سيجد التعامل مع الرياضيات الكسرية أسهل من فهم واستخدام الأرقام العشرية، أليس كذلك؟ “.
أيضا يواجه العديد من الصناعيين في كندا صعوبات مماثلة في اعتماد نظامي القياس معًا.
قالت كارين نيري وهي مصممة نماذج أغطية تعيش في مدينة أمهرست في مقاطعة نوفا سكوشيا:” تعتمد الأدوات التي نستخدمها في صنع الأغطية على نظام القياسات الإمبراطورية، بينما عندا نذهب لشراء الأقمشة في كندا، يكون ذلك بالمتر وليس بالياردة”.
إذ تعتمد نيري على نظامي القياس في تصميم نماذجها، حتى يستطيع الزبون تقدير كمية القماش التي يحتاجها أينما وجد في هذا العالم.
وأضافت:” برأيي اعتماد النظام المتري أسهل بكثير، فماذا لو قال الزبون (خمسة أثمان الياردة) سيحتاج الأمر للتوقف قليلًا والتفكير جيدًا بهذا القياس”.
“إلا أنني لا أستطيع تصور أننا انتقلنا إلى استخدام نظام القياسات المتري بالكامل، فكل الأدوات التي أستخدمها تتضمن قياس الربع بوصة”
أما إذا انتقلنا إلى صناعة البيرا، ستصبح الأمور أكثر تعقيدًا؛ خاصة مع اعتمادها على قياسات مختلفة تعتمد بدورها على إذا ما كنت تشتري البيرة ضمن علبة معدنية أو من الصنبور. إذ تحتوي العلبة المعدنية الطويلة على 473 مل وهذا ما يعادل 16 أونصة، أو نصف لتر أمريكي؛ بينما ستحصل على 20 أونصة أي نصف لتر إمبراطوري إذا ما طلبت نصف لتر وأنت جالس في أحد البارات.
قالت كيرا ديتش وهي مديرة التسويق في مصنع الجعة موسكوكا في بريسبريدج في مقاطعة أونتاريو، أن تغيير نظام القياسات بالنسبة للعاملين في صناعة البيرة سيكون سهلًا للغاية.
“فها نحن على مسافة واحدة من النظامين، بل كثيرًا ما نستخدمهما بشكل اعتيادي دون أن نشعر بأي شيء….. فعندما أذهب إلى أحد المطاعم أطلب الطعام بالأوقية، وعندما أشتري منتجات في علب معدنية أطلبها بالميلليترات. فالأمر برمته يعتمد على شكل أو طبيعة ما نتعامل معه”.
هل حان وقت التغيير؟
يعتبر الانتقال بين نظامي القياس سهلًا في بعض المجالات عن البقية. تمامًا كاستخدام الميلليترات بدلًا من الأوقية في تقدير قائمة طلبات المقاهي، أو كاستخدام ملصقات بالسنتيميتر لقياس أطوال الأخشاب، أو طباعة درجات الحرارة على مقابض الأفران بالدرجة المئوية.
قال البروفيسور أنتويللر: “باعتقادي إن ما يعادل 80% من التوجه إلى استخدام نظام القياس المتري، يعود للرغبة في استخدام تسميات مختلفة للأشياء، وحث العامة على استخدام معايير القياسات الدولية”
لكن بالرغم من ذلك، قد تفرض بعض الصناعات كي ينجح الانتقال إلى نظام القياسات المتري اتخاذ المزيد من الخطوات الإضافية، على سبيل المثال إخضاع المهندسين والمعماريين لدورات تدريبية بهذا الخصوص. كما قد تضطر الشركات إلى القيام بعدة تغييرات وتعديلات مثل تغيير خطوط التصنيع لتتكيف مع النظام المتري، وذلك تماشيًا مع الدول التي يتواجد فيها عملاؤها.
يعتقد أنتويلر بأن التحول الكامل إلى النظام المتري لن يكون ممكنًا ما لم تفرضه الحكومة الفيدرالية؛ وهذا ما يستبعد حدوثه تمامًا.
قال المتحدث باسم مؤسسة الابتكار والعلوم والتنمية الاقتصادية في كندا في معرض حديثه خلال لقاء أجراه مع شبكة CBC News الإخبارية: “إن الحكومة تدعم استخدام نظام الوحدات المترية وتشجع عليه، لكنها في نفس الوقت على معرفة تامة بأن جزءًا من الكنديين قد تأقلم بشكل جيد مع استخدام النظام الإمبراطوري. لذلك يسمح باستخدام نظامي القياس في الأعمال التجارية”.
لا يزال اعتماد نظام القياس الكندي وبالرغم من كل الفوضى والارتباك الذي يتسبب فيه مصدر أمل للكثيرين ممن لا يستطيعون الحياة إلا في بلد تُعتمد فيه الأمتار واللترات لقياس الأشياء. وهذا هو حال دون هيلجر رئيس جمعية المقاييس الأمريكية التي بقيت تمارس الضغوط لأكثر من 100 عام في سبيل حث الولايات المتحدة على اعتماد نظام القياسات المتري.
قال هيلجر: “لدي بعض الأقارب يقولون، من فضلك لا تفعل ذلك، لا تروج النظام المتري قبل موتهم، لأنهم لا يرغبون بتعلم هذا النظام”.
أضاف أيضا أنه في كثير من الأحيان تصل إلى مسامعه أصوات بعض الشباب الذين يعتقدون بسخافة الإدعاء بأن الولايات المتحدة هي الرافض الأساسي. لكن يبقى موعد انضمام بلاده إلى الدول التي تعتمد نظام القياس المتري أمرًا صعب التوقع.
وقال: “قبل أن يصبح الأمر حقيقة، لا بد أن تزداد الأصوات المطالبة باعتماده في الولايات المتحدة”. لكنه أضاف قائلًا: “أظن أن الوضع سيكون أفضل إذا ما قامت كندا بهذا التغيير”.