أقدمت امرأة في قرية منية النصر التابعة لمحافظة الدقهلية شمال شرقي دلتا مصر على ذبح أطفالها الثلاثة، ثم حاولت الانتحار، فماذا تخبرنا هذه الحادثة الأليمة عن المرض النفسي؟
وتركت المرأة رسالة لزوجها أبلغته فيها أنها “نقلت أولاده إلى الجنة”.
وقد تم وضع الأم في المستشفى، ولاحقا أخبرت النيابة العامة –وفقا للصحافة المحلية– بإقرارها بارتكاب قتل أبنائها الثلاثة، موضحة أنه انتابها اكتئاب شديد عقب ولادتها طفلها الأخير، مما دفعها للتفكير في إزهاق روحها وأرواحهم.
ولن ندخل في تفاصيل القصة المؤلمة، ولكن سننطلق منها إلى موضوع المرض النفسي، وتحديدا اكتئاب ما بعد الولادة، والذي قد تعاني منه الكثير من الأمهات.
ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟
اكتئاب ما بعد الولادة هي حالة تصيب الأم بعد الولادة وتشعر بالاكتئاب. أحيانا، قد يكون هناك سبب واضح لذلك، وفي الغالب لا توجد أية أسباب، وذلك وفقا “للكلية الملكية للأطباء النفسيين” (Royal College of Psychiatrists) في المملكة المتحدة.
هل اكتئاب ما بعد الولادة شائع؟
تصاب امرأة من بين كل 10 نساء باكتئاب ما بعد الولادة بعد مجيء الطفل.
كم يستمر اكتئاب ما بعد الولادة؟
إذا لم تتم معالجته، يمكن أن يدوم اكتئاب ما بعد الولادة لعدة أشهر، أو أحيانا أطول من ذلك.
أعراض اكتئاب ما بعد الولادة
شعور المرأة بالكآبة والتعاسة والبؤس في معظم الأوقات.
الشعور قد يكون أسوأ في أوقات معينة من اليوم، مثل ساعات الصباح أو ساعات المساء.
قد تشعر الأم أن الحياة أحيانا غير جديرة بأن تعاش.
سرعة الانفعال والعصبية، مع الأسرة والزوج.
التعب والإرهاق.
الأرق.
عدم الشعور بالجوع.
قد تتناول الأم الطعام بدافع التوتر، وقد تشعر بالذنب وعدم الارتياح خوفا من ازدياد وزنها.
فقدان القدرة على الاستمتاع بأي شيء.
عدم القدرة على التعاطي مع الوضعية الجديدة، أي الطفل والعناية به.
لوم النفس.
النظر إلى الأشياء بمنظار سلبي.
شعور بالذنب وأن المرأة مسؤولة عن مرضها، أو أنها غير قادرة على مساعدة عائلتها.
القلق.
أيضا هناك حالات نفسية أخرى قد تصاب بها المرأة بعد الولادة، تشمل:
“اضطراب نفسي عابر” (Baby Blues)
في اليوم الثالث أو الرابع بعد الولادة، تشعر نصف الأمهات الجديدات بشيء من الرغبة في البكاء، وبالفتور وعدم الثقة بالنفس. يعرف هذا بـ”بالاضطراب النفسي العابر” أو (Baby Blues) ويزول هذا الشعور بعد عدة أيام.
“ذهان النفاس” (Puerperal Psychosis)
وهذه حالة حادة تستدعي علاجا عاجلا، وذلك وفقا للكلية الملكية للأطباء النفسيين. وذهان النفاس حالة تصيب واحدة من بين 500 امرأة. ويحدث ذلك، في العادة، خلال أيام أو أسابيع من الولادة. وقد تعاني المرأة من تقلب مزاجي سريع، أو تحمل معتقدات غريبة أو شاذة، أو تسمع أصواتا وتتصرف بطريقة غريبة لا يمكن التنبؤ بها. وإن عانت المرأة من أي من هذه الظواهر، سوف تكون بحاجة لمساعدة ورعاية طبية فورية. وقد يتطلب ذلك وجودها في المستشفى.
ومن المرجح أن تصاب الأم بذهان النفاس إن كان لديها:
تاريخ في العائلة بالإصابة بذهان النفاس.
تاريخ في العائلة بالإصابة بالمرض الثنائي القطب (تناوب الهوس والاكتئاب).
إصابة سابقة بحالة ذهان النفاس أو المرض الثنائي القطب.
ومن المهم أن تعلم المرأة الطبيب أو القابلة بأي من هذه العوامل أثناء فترة الحمل لأن علاجها يمكن أن يخفف من خطر الإصابة بالمرض. وعلى الرغم من أنها حالة تتسم بالخطورة، فإن العلاج الملائم سوف يعني أنها ستشفى تماما.
الاكتئاب في أثناء الحمل
يمكن أن تصاب المرأة بالاكتئاب في أثناء الحمل أيضا. وهذا أكثر شيوعا مما قد يعتقد البعض، ويمكن معالجته بنفس الطرق التي يعالج بها اكتئاب ما بعد الولادة.
أسباب اكتئاب ما بعد الولادة
ليس معروفا تماما لماذا تصاب النساء باكتئاب ما بعد الولادة، وعلى الأرجح، ليس هناك سبب واحد لذلك، إلا أنه يمكن لعدد من العوامل المختلفة أن تزيد من احتماليته.
من المرجح أن تصاب المرأة باكتئاب ما بعد الولادة إن كانت:
قد أصيبت بالاكتئاب (خصوصا اكتئاب ما بعد الولادة) من قبل.
لا تملك دعما عائليا قادرا على مساندتها.
وضعت طفلها قبل موعده أو وضعته مريضا.
فقدت أمها وهي طفلة.
قد تعرضت لضغوط عديدة خلال فترة قصيرة.
هل تتسبب النساء اللاتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة بالأذى لأطفالهن؟
وفقا للكلية الملكية للأطباء النفسيين هذه حالات نادرة جدا، على الرغم من أن النساء المصابات بالاكتئاب يصيبهن القلق من إمكانية حدوث ذلك. تحدثي مع طببك عن مخاوفك.
مع ذلك تم تسجيل العديد من حالات الإيذاء، التي وصلت في بعضها إلى قتل الطفل، وفقا لعدة مصادر صحفية.
علاج اكتئاب ما بعد الولادة
أفصحي عما تشعرين به، إن كنت تشعرين بالتعاسة أو بأنك سريعة الانفعال أو قليلة الخبرة، أو إن كنت خائفة ولا تتمتعين بحماسة كبيرة لطفلك، عندها أفصحي بذلك لأحد. إن كنت تشعرين بأنك غير قادرة على التحدث مع عائلتك أو أصدقائك، تحدثي مع الطبيب.
سوف تتحسن حالة معظم النساء من دون أي علاج بعد مضي عدة أسابيع أو أشهر، أو أحيانا، أطول من ذلك. مع ذلك، قد يعني هذا الكثير من المعاناة. وقد يفسد اكتئاب ما بعد الولادة تجربة الأمومة الجديدة، وقد توتر علاقتك بطفلك وزوجك. ولهذا، كلما قصرت مدة الاكتئاب، كان ذلك أفضل. ومن المهم الحصول على المساعدة في أقرب وقت ممكن للتخلص من حالة الاكتئاب حتى تتمكني من تطوير علاقتك بطفلك. سوف يساعد ذلك على تطور طفلك على المدى البعيد
قد يكون في مجرد التحدث مع شخص متعاطف ومتفهم ومستمع لا يوجه الانتقادات راحة كبيرة لك. ولكن في حال عدم التحسن هنام خيارات أخرى، مثل:
“العلاج المعرفي السلوكي” (Cognitive Behavioural Therapy)، حيث يمكن أن يساعدك على فهم وتبديد حالة الاكتئاب عن طريق فحص كيفية تفكيرك بنفسك وبالعالم وبالآخرين.
الأدوية المضادة للاكتئاب، وهي تحتاج إلى أسبوعين حتى يظهر مفعولها، ويجب تناولها لفترة تمتد ما بين 4 إلى 6 أشهر، بعدها تبدئين بالإحساس بالتحسن.
“ما علمت أحدًا أحرص على أولاده منها على أولادها”.. دعاء ورسالة مؤثرة من والد الأطفال الـ3 ضحايا الأم أثناء تشييع جنازتهم بالدقهلية pic.twitter.com/xDEx88ifpW
— مصر (@AJA_Egypt) May 31, 2022
مختصون وأطباء يكتبون حول الدوافع
وتباينت آراء الأطباء والمختصين النفسيين بعد الواقعة، وفق ما رصدت وكالة سند للرصد والتحقق في شبكة الإعلامية.
إذ أشار المختص النفسي والأستاذ المساعد في الطب النفسي محمد طه، إلى وجود عدد من الاضطرابات النفسية المختلفة التي قد تصيب الأمهات حديثي الولادة وتفسّر الحادثة، واحد منها فقط هو اكتئاب ما بعد الولادة الذي يتضمن التفكير في الموت أو الإقدام عليه.
كما أشار إلى وجود اضطرابات أخرى منها ذهان ما بعد الولادة ويتضمن ضلالات وهلوسات بصرية أو سمعية قد تكون في صورة أوامر بالقتل أو الانتحار.
إضافة إلى وسواس ما بعد الولادة القهري، وتتضمن أعراضه أفكارا مُلحة بأذى الطفل المولود أو التخلص منه.
فيما قال مختص الطب النفسي وعلاج الإدمان عمر عادل في صفحته إنّه يرجح إصابة الأم بالاكتئاب الحاد الذي دفعها إلى ما يسمّى بـ”القتل الإيثاري” (altruistic filicide)، والذي يشعر الأهل ضمنه أن العالم مكان قاسٍ على أبنائهم لن يستطيعوا العيش فيه، ليقوموا بالانتحار بعد إقدامهم على التخلص من أطفالهم لتخليصهم من عذاب العالم، وفق منظورهم.