بغداد- بينما يرى مواطنون ومختصون ضرورة عمل الحكومة على استعادة العقول العراقية الطبية المهاجرة وإصلاح الوضع الصحي في البلاد؛ أعلنت وزارة الصحة عزمها على استقدام كوادر طبية أجنبية لمواجهة النقص في الكوادر الطبية وإيقاف السفر المستمر للعراقيين للعلاج في الخارج.
على أبواب الأطباء
أمام أبواب عيادات الأطباء في منطقة الحارثية (وسط العاصمة بغداد) يقف سلام حسين (53 عاما) متذمرا، وهو يتساءل عن “أسباب اضطراره لصرف أكثر من 20 ألف دولار للعلاج في الهند والعودة اليوم لأبواب الأطباء العراقيين من أجل استكماله بعد نفاد أمواله”.
حسين أعرب عن “استغرابه من إعلان وزارة الصحة العمل على استقدام كوادر طبية أجنبية بدل إعادة الأطباء العراقيين الذين هاجروا خارج البلاد”.
وانتقد “السياسات الصحية في البلاد، مؤكدا أنها تسببت في إفراغ جيوب المواطن عبر السفر، وأدت إلى هروب العقول العراقية للعمل في الخارج”.
عبد الرزاق: لا بأس في جلب الكوادر الأجنبية شريطة أن تكون وفق خطة يُستفاد منها لتأهيل الأطباء المحليين ( نت)
سياسات خاطئة
تشير تقارير غير رسمية إلى وجود أكثر من 70 ألف طبيب عراقي في الخارج هاجروا على فترات مختلفة قبل سقوط النظام السابق عام 2003 وبعده، خوفا على حياتهم إثر تعرضهم للملاحقات والتهديدات.
في المقابل، تبلغ قيمة ما ينفقه العراقيون للعلاج خارج البلاد أكثر من 6 ملايين دولار سنويا، وفق تقارير صحية سابقة.
هذه التكلفة -بالإضافة إلى تعويض النقص الموجود في الكوادر الطبية- دفعت وزارة الصحة لإعلان توجهها لاستقدام الفرق الطبية من الخارج بدل إرسال المرضى.
لكن مختصين يرون أن جلب الفرق الطبية الأجنبية من دون تنظيم الواقع الطبي في البلاد الذي تسبب في هجرة الأطباء العراقيين لن يفلح في معالجة المشكلة من جذورها.
رئيس مركز الغد الزاهر للدراسات ورئيس قسم الجلدية السابق في مستشفى الكرامة الحكومي علي عبد الرزاق محيي الدين يرى أن استقدام الكوادر الأجنبية أمر لا بأس فيه شريطة أن يكون وفقا لخطط وبرامج تعتمدها وزارة الصحة لإفادة الكوادر العراقية.
وأضاف أن هذه الخطوة تحتاج إلى تنظيم وإدارة جديدة، بعدما فشلت خطط وزارة الصحة حتى الآن في تحقيق الأهداف المرجوة، مبينا أنه لا بد من قيادات جديدة في العمل الطبي وفي الوزارة بعيدا عن الكتل السياسية، وألا تخضع وزارة الصحة لأي توجه سياسي.
البدر أكد أن لدى وزارة الصحة خطة إستراتيجية لاستعادة العقول الطبية المهاجرة (الصحافة العراقية)
استنزاف خطير
ويعاني أطباء العراق من مشاكل كثيرة تدفع بعضهم للهجرة إن سنحت لهم الفرصة، أو الإضراب عن العمل كما حصل في كثير من الأحيان جراء التهديدات والملاحقات العشائرية والأوضاع الأمنية؛ مما تسبب في نقص كبير في الفرق الطبية وصل إلى حد وصف وزارة الصحة نفسها هذا الأمر “بالاستنزاف الخطير”.
وتقر وزارة الصحة بوجود هجرة لأطباء الاختصاص ونقص حاد تعاني منه الفرق الطبية في البلاد، وقال المتحدث باسم الوزارة الدكتور سيف البدر “إن المشاكل التي تتعرض لها الكوادر الطبية تسببت في نقص حاد لدى الوزارة، لا سيما في الملاكات التخصصية والدقيقة”.
وأضاف أنه قبل تفشي كورونا كان هناك نقص في أعداد الدوائر الطبية والصحية بشكل عام والتخصصية بشكل خاص، لافتا إلى أن أحد أهم أسباب هجرة الأطباء ترجع إلى التهديدات العشائرية والخطر الأمني الذي يقع على الطبيب وعائلته.
البدر أكد وجود إستراتيجية لدى الوزارة للعمل على استعادة العقول الطبية المهاجرة، وتعيين الخريجين الجدد من جامعات الطب العراقية، لكن إقرار الموازنات ونظام التعيين يقفان حائلا أمام ذلك.
وبخصوص الخريجين، أكد البدر العمل على تعيين كل الخريجين لكن هناك معوقات مالية، إذ يرتبط التعيين بمجلس الخدمة الاتحادي وبإقرار الموازنات، مشيرا إلى أن هناك تقدما في الخدمات الطبية والصحية في البلاد خلال الأشهر الأخيرة.
الزاملي (يمين) أكد دعم الأطباء وتوفير الحماية القانونية لهم (الصحافة العراقية)
تحركات نيابية
مجلس النواب العراقي أعلن حرصه على تعديل القوانين ذات العلاقة بحماية الأطباء في قادم الأيام، ودعم هذه الشريحة بما يوفر الحماية القانونية لهم للحيلولة دون هجرتهم، جاء ذلك خلال اللقاء الذي جمع بين حاكم الزاملي النائب الأول لرئيس مجلس النواب ونقيب الأطباء العراقيين جاسم العزاوي.
وأبدى الزاملي خلال اللقاء حرص مجلس النواب على تعديل القوانين ذات العلاقة، ودعم شريحة الأطباء وتوفير الحماية القانونية لهم”. في حين أكد نقيب الأطباء تسجيل النقابة تراجعا في حالات الاعتداء على الأطباء، مشيرا إلى أن اللقاء الذي عقد مع الزاملي بحث أمرين: الأول يتعلق بحماية الأطباء، والآخر الدعم والرعاية.
وأضاف أن “الزاملي متحمس جدا لحماية الأطباء، وأبدى جميع الاستعدادات للتعاون”، لافتا إلى أن “الاعتداء على الأطباء تراجع بفضل التعاون مع المؤسسات الأمنية”.
وأشار إلى أن القوات الأمنية جادة في حماية الأطباء، موضحا أن بعض الاعتداءات الحاصلة سببها الأساسي عدم تفهم مفهوم “الخطأ الطبي”، مبينا أن “الأمور تسير في الطريق الصحيح والمواطن أصبح يعي كيف يأخذ حقه من خلال الشكوى وليس عبر التهديد”.
ورغم هذا التراجع في حالات الاعتداء على الأطباء فإن مشاهد الاعتداءات على الفرق الطبية والملاحقات العشائرية لهم لم تزل مستمرة حسب أطباء، وهي تدفع المختصين لطرح التساؤلات حول استقدام الخبرات الأجنبية وعدم إيقاف هجرة العقول المحلية.