تقدّم الأساليب البديلة لزرع النخاع العظمي، المتمثلة بالأدوية الجديدة وتجارب العلاج الجيني الناجحة، الأمل بإحداث التغيير المنشود في حياة مرضى الثلاسيميا، عبر المساعدة على إيقاف عمليات نقل الدم التي يعتمدون عليها أو التقليل منها إلى حد كبير، وفقا للدكتور ربيع حنا المتخصص في أمراض الدم وأورام الأطفال بمستشفى ”كليفلاند كلينك” للأطفال.
ألفا وبيتا
هناك نوعان من الثلاسيميا: “ألفا” و”بيتا”، يُصنف بينهما المرضى اعتمادا على العيوب الجينية التي يمكن أن تحدث في سلاسل البروتين التي يتكون منها الهيموغلوبين.
ويميل مرضى “الثلاسيميا ألفا” إلى أن يكونوا حاملين صامتين من دون أعراض، في حين أن مرضى “بيتا” تظهر لديهم أعراض رئيسة في وقت مبكر بعد الولادة ويحتاجون إلى نقل دم متكرر، قد يؤدي إلى زيادة الحديد في الجسم واحتمال إصابة الكبد والقلب ونظام الغدد الصماء بالتلف.
العلاج الجيني
وقال الدكتور ربيع حنا إن ثمّة تطورات كبيرة حدثت في الأبحاث التي تدور حول علاج الثلاسيميا في السنوات القليلة الماضية، حتى بات يُنظر الآن إلى مرض الثلاسيميا باعتباره قابلا للعلاج.
وأوضح أن العلاج الجيني يُعدّ خطوة جديدة تستخدم الخلايا الجذعية المكونة للدم لدى المريض لإنتاج خلايا دم حمراء أكثر صحة وعلاج اضطراب الدم الحادث لديه.
وأشار إلى أن التجارب السريرية تظهر نتائج واعدة جدا، وأضاف أن مرضى الثلاسيميا الذين تلقوا علاجا جينيا استغنوا عن عمليات نقل الدم اللازمة للتعامل مع حالتهم الصحية، أو قلّلوا هذه العمليات إلى حدّ بعيد؛ “فقد أثبت العلاج الجيني قدرته على تجاوز التحدّيات التي يواجهها مرضى الثلاسيميا وإعانتهم على تحقيق أهدافهم وأحلامهم”.
وبينما يُنظر إلى العلاج الجيني باعتباره علاجا يُقدّم مرة واحدة لمرضى الثلاسيميا، أوضح الدكتور حنا أنه يتضمّن علاج كيميائيا للتخلّص من نخاع العظم القديم وإيجاد حيّز لخلايا جذعية جديدة ومعدلة في عملية وصفها بالمعقدة، وقال “قد يتطلب الأمر الدخول إلى المستشفى والمكث فيه من 4 إلى 6 أسابيع، حتى تبدأ الخلايا الجذعية الجديدة إنتاج خلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية وخلايا الدم الحمراء الصحية”.
وأضاف “نأمل أن نتمكن في المستقبل من استهداف نخاع العظم بطريقة أكثر انتقائية بعلاج كيميائي منخفض الشدة أو أدوية أخرى لتجنب السمّية الحادّة والطويلة، التي تحدث نتيجة الجرعات العالية من العلاج الكيميائي”.
دواء “لاسباتيرسبت-أمت” (Luspatercept-Aamt)
وتشتمل التطورات الحديثة الأخرى التي غيّرت خيارات العلاج المتاحة لمرضى الثلاسيميا على دواء “لاسباتيرسبت-أمت” (luspatercept-aamt) يُعطى على شكل حقنة كل 3 أسابيع. وكان هذا الدواء حصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية في عام 2019 ويعمل عبر تعزيز نضج خلايا الدم الحمراء وتقليل الحاجة إلى عمليات نقل الدم بنسبة تبلغ 50% لدى بعض المرضى.
ولا يُعدّ “لاسباتيرسبت-أمت” علاجا في حد ذاته، لكن طبيب أمراض الدم وأورام الأطفال بمستشفى كليفلاند كلينك للأطفال أشار إلى إمكانية استخدامه لتعزيز النتائج في عمليات زرع نخاع العظم العلاجية، التي أصبحت متاحة على نطاق واسع في السنوات الأخيرة بفضل اتباع نهج جديد في زراعة النخاع. وأوضح حنا أن انخفاض عمليات نقل الدم يعني تمتّع المريض بصحة أفضل قبل إجراء الجراحة، وأن لديه عددا أقلّ من الأجسام المضادة، التي يمكن أن تهاجم نخاع العظم المزروع.
وانتهى الدكتور حنا إلى القول “سوف يصبح بالإمكان علاج أي مريض تقريبا، بفضل التوسع المرتقب في آفاق العلاج الجيني واستخدام الدواء لاسباتيرسبت-أمت، اللذين سيسفران عن تحسين نتائج زراعة نخاع العظم”.
مزيد من المعلومات عن الثلاسيميا
الثلاسيميا مرض جيني ينتقل عبر الجينات من الوالدين، ويعرف أيضا باسم “فقر دم كولي”؛ نسبة إلى طبيب الأطفال الأميركي توماس كولي الذي وصف هذا المرض أول مرة في عام 1927، كما يعرف بأنيميا الأبيض المتوسط إذ كان يعتقد في السابق أن هذا المرض يقتصر على سكان حوض البحر المتوسط، ولكن تبيّن أن هذا ليس صحيحا.
وتعدّ الثلاسيميا أحد أمراض فقر الدم “الأنيميا”، ويعرف فقر الدم بأنه مرض يحدث فيه انخفاض في عدد كريات الدم الحمراء، أو كمية الهيموغلوبين في الدم، أو الاثنين معا، ومن أبرز أعراض فقر الدم الشحوب والتعب.
4 سلاسل
ويتكون الهيموغلوبين الطبيعي من 4 سلاسل من البروتينات: اثنتان يطلق عليهما “ألفا غلوبين”، واثنتان “بيتا غلوبين”. ويقوم الهيموغلوبين في خلايا الدم الحمراء بحمل الأكسجين من الرئة إلى الأنسجة، كما يقوم أيضا بحمل ثاني أكسيد الكربون للتخلص منه في الرئتين.
وللحصول على كمية كافية من “ألفا غلوبين” يحتاج الجسم إلى وجود 4 جينات: اثنتان من الأب واثنتان من الأم، ويؤدي وجود نقص في أحد هذه الجينات أو جميعها إلى الإصابة بالثلاسيميا من نوع “ألفا”. أما الثلاسيميا من نوع “بيتا” فتحدث نتيجة وجود نقص في الجينات المسؤولة عن “بيتا غلوبين”، وعددها اثنان فقط، واحد من الأب والآخر من الأم.
وتعتمد درجة الإصابة بالثلاسيميا على عدد الجينات المفقودة أو التي توجد فيها مشكلة، ففي الحالات البسيطة لا تكون هناك أعراض واضحة، أما في الحالات الشديدة فتؤدي الثلاسيميا إلى مضاعفات خطيرة قد تصل إلى الوفاة.
عوامل الخطورة
السيرة العائلية، أي إذا كان الولدان لديهما نقص في الجينات المسؤولة عن الهيموغلوبين فإن هذا يجعل الأبناء معرضين لخطر المرض، وقد يكون الأبوان حاملين للمرض فقط، أي لديهم جينات المرض لكن من دون أعراضه، كما قد يكونان مصابين بالمرض.
أعراض الثلاسيميا
في الحالات البسيطة للمرض لا تكون هناك أعراض، أو يكون الشخص مصابا بفقر دم بسيط. أما في الحالات المتوسطة فتشمل الأعراض:
بطء في النمو.
تأخر في البلوغ.
مشاكل في العظام.
تضخم في الطحال.
أما في حالة الثلاسيميا الحادة فتشمل الأعراض:
الشحوب.
ضعف الشهية.
بول غامق يدل على أن خلايا الدم الحمراء تتكسر.
اليرقان.
تضخم الطحال.
تضخم الكبد أو القلب.
مشاكل في العظام بخاصة في عظام الوجه.
تظهر الأعراض في أول عامين من عمر الطفل.
مضاعفات الثلاسيميا
علاج مرضى الثلاسيميا يكون بنقل الدم، ويؤدي هذا إلى تراكم الحديد فيه، فيقود إلى العديد من المضاعفات مثل النوبات القلبية، وعدم انتظام دقات القلب وفشل القلب.
الإصابة بالعدوى.
ترقق العظام.
الوقاية من الثلاسيميا
أفضل سبل الوقاية هي الفحص الطبي قبل الزواج للتأكد من عدم إصابة الأبوين أو أحدهما بالمرض أو حملهما له، وفي الحالة الأخيرة يكون لدى الشخص الجين الناقص لكن لا تظهر عليه الأعراض. ولكن إذا كان الطرف الآخر في الزواج حاملا للمرض أو مصابا به فهذا يزيد احتمال إنجاب طفل مصاب بالثلاسيميا.