أقصت الجائحة المسلمين في كندا عن ممارسة شعائرهم الدينية في شهر رمضان المبارك داخل المساجد لمدة عامين كاملين.الفرحة كانت عارمة على وجوه المؤمنين الذين توافدوا إلى صلاة الجمعة منتصف الشهر الفضيل في مسجد الروضة التابع لـ مركز لورنسيان الاجتماعي (نافذة جديدة) في مدينة مونتريال.
شاهدت الجموع شيوخا، نساء، شبابا وأطفالا يتهافتون إلى المسجد عبر مدخل النساء والمدخل الرئيسي في ذلك المبنى التابع للجمعية الإسلامية في مقاطعة كيبيك.
اللافت كان توافد عدة عائلات مع أفراد الأسرة كاملة، خصوصا أن ذلك اليوم كان عطلة رسمية في كندا بمناسبة عيد الفصح لدى الطوائف الغربية.
“رمضان يجمعنا”، فوانيس رمضان ودهشة طفل برؤية الحلوى والسكاكر والشوكولا التي تملأ المكان في أجواء شهر فضيل بامتياز داخل محلات البقار للمنتوجات الشرقية في مدينة مونتريال.الصورة: Radio-Canada / Colette Dargham
أكد عدة أشخاص ممن التقيتهم أنهم ينتهزون الفرصة في مثل هذه الأيام ليأتوا إلى المسجد لتأدية فريضة الصلوات الخمس والمشاركة بعد صلاة العِشاء في صلوات التراويح الغير واجبة في الإسلام، بمعنى أنها سُنة وليست فرضا، وتاركها لا وزر عليه.
في إحدى زوايا المركز بينما كانت الآذان تتلى باللغة العربية، بعد خطبة ألقيت باللغة الفرنسية، لتصل إلى الشباب الكندي العربي في شكل خاص من الجيل الثاني، المولود في كندا؛ التقيت فتيات بعمر الورد، منى الكندية الجزائرية وعلياء الكندية المغربية وسارة الكندية التونسية. عبّرت الفتيات ويبلغن 16 عاما عن فرحهن العارم بعودة الصلوات الجماعية في المسجد، وكانت آخر مرّة اجتمعن فيها في هذا المكان منذ ثلاث سنوات.
شعرت بالحرمان خلال الجائحة لأنني لم أستطع أن أشارك في صلوات التراويح التي تغذيني روحيا وتشعرني بالأمان وأنا أمارسها بين جماعة المؤمنين. إني آتي 4 أو 5 مرات في الأسبوع للمشاركة في هذا الطقس الروحي الاستثنائي في رمضان.نقلا عن الشابة علياء ابنة الستة عشر ربيعاً
وتحاول هواتي الفتيات كما قلن لمذياعنا الإلحاق بالوقت الذي ضاع منهم سنتين في بعدهن عن هذه الإلفة الرمضانية المحببة إلى قلوبهن.
يتكرر مشهد الخيمة الرمضانية عاما بعد عام في مدينة مونتريال، في عدد من المحال التجارية التي تقدم المنتجات والسلع الشرق أوسطية والعربية.الصورة: Radio-Canada / Colette Dargham
حشود المصلين تؤكد ظمأ الناس وتعطشهم إلى الالتقاء من جديد في المسجدأكد كلّ من الإمام حسن غيّة العضو في اللجنة التنفيذية لطاولة الحوار بين الأديان والسيد سامر نيز المسؤول عن العلاقات العامة في الجمعية الإسلامية في كيبيك (نافذة جديدة)، على الأرقام القياسية بأعداد المصلين التي تشهدها المساجد في مونتريال منذ بدء شهر رمضان، ويؤكدان بأن هذه الأعداد تساوي أو حتى تفوق أعداد المصلين في السنوات ما قبل الجائحة.
إن الإقبال أكبر هذه السنة، لأن الناس متعطشة لهذه الممارسات ولا يعلم الإنسان قيمة صحته إلا إذا افتقدها.نقلا عن الإمام حسن غيّة
وهكذا ظهرت هذه الحاجة الماسة لدى المسلم، يقول سامر نيز، بعدما تيقّن أنه قد تمنعه ضرورات قصوى من ممارسة شعائره بكل حرية وأن عليه ألا يأخذ أمور الحياة كأنها مكتسبات لا يمكن أن تتبدل أو تتغيّر، كما حصل مع الجائحة.
يقول محدثي الإمام، المهندس والمحامي المتقاعد حسن غيّة إن فترة الجائحة شهدتمدا وجزرا ولم يكن هناك خط مستقيم على مدى السنتين الماضيتين، وشهدت المساجد فترات فتح وفترات إغلاق ومرة يزيد العدد المسموح به ومرات ينقص. وقد تأسست وسط ذلك طاولة الحوار بين الأديان للتنسيق في ما بين ممثلي الطوائف والأديان والسلطات الصحية والحكومية في كيبيك. الأزمة الصحية تخّص كل شرائح المجتمع والمشاركة فيما بينها مطلوبة لإيجاد الحلول. وبطبيعة الحال أننا كمسؤولين روحيين نحرص على توفير أماكن عبادة آمنة للجميع. لا زلنا نرعى الحذر لتفادي أي تفشي للعدوى بالفيروس التاجي في ظل الارتفاع الجديد في الإصابات، كما أكد المتحدث. علما أنه اعتبارا من 14 آذار/مارس الماضي أزيلت كافة التدابير الاحترازية في مقاطعة كيبيك ولم يبق منها نافذا سوى ارتداء القناع الواقي.
يقول الإمام حسن غيّة إنه كان هناك تأثير سلبي للجائحة على مدخول المساجد، خصوصا في شهر رمضان حيث يتبرع المسلمون بسخاء. وكانت بدت مخاوف من عدم قدرة المساجد على الاستمرار في حال طال أمد الجائحة. الصورة: Radio-Canada / Colette Dargham
كتبنا وثيقة أسميناها بروتوكولا بالاتفاق بين طاولة الحوار والسلطات الصحية المحلية، وجرى التنسيق لإعادة فتح دور العبادة مع توفير أمان المؤمنين ولكي لا تكون بيوت الصلاة بؤرة لانتشار الوباء وإنما مركز لنشر المعرفة والتوعية والحرص على حياة الفرد والمجتمع.نقلا عن العضو في نقابة المهندسين وفي نقابة المحامين في كيبيك حسن غيّة
أكد الإمام غيّة أنه لم يبلغ عن وقوع أي إصابة بالفيروس التاجي في أي من دور العبادة في المدينة الكوسموبوليتية والجميع كان يتقيد بتعليمات السلطات.
تطوع محدثي وأخذ على عاتقه نقل كل التعليمات الوقائية أول بأول لأبناء الجاليات العربية باللغة العربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى اعتبره البعض الناطق الرسمي باسم حكومة كيبيك. علما أن إطلالاته مكّثفة أيضا في الإعلام الكندي، وكان مؤخرا ضيف صحيفة لابريس الصادرة في مونتريال التي استقصت رأي عدة مسؤولين روحيين، ومثّل هو الإسلام، عن “الموضوع الذي حُرّم الحديث فيه، وشكل تابوها على مائدة المحادثات في طاولة الحوار بين الأديان خلال الجائحة وهو القانون الرقم 21 حول علمانية الدولة في كيبيك.
حادثة اعتداء على مسلمين في ضواحي تورونتو واشتباكات في المسجد الأقصىلا شك أن المشهد في مونتريال يوم الجمعة الماضي وكل الأمان والفرح في نفوس المتوافدين إلى المسجد لا يشبه مشاهد أخرى لإحياء رمضان في المسجد الأقصى أو في مدينة سكاربورو في ضواحي تورونتو عاصمة مقاطعة أونتاريو في الوسط الكندي.
كنديون مسلمون في مونتريال شجبوا ونددوا حادث إطلاق الرصاص الأعمى الذي تعرّضت له مجموعة من المسلمين عند خروجهم من صلاة الفجر يوم السبت المنصرم في سكاربورو (نافذة جديدة)، مما أسفر عن إصابة خمسة أشخاص بجروح.
يقول سامر نيز مدير العلاقات العامة في الجمعية الإسلامية في كيبيك التي تدير 5 مساجد عبر المقاطعة ذات الغالبية الناطقة بالفرنسية، “بأن التحدي الأكبر الذي يواجهونه هو تطوير الأساليب وتنويع الانشطة باللغتين الرسميتين في كندا إلى جانب العربية طبعا، في شكل يجذب الجيل الثاني من الهجرة أي جيل الشباب.”الصورة: Radio-Canada / Colette Dargham
تتكرر للأسف هذه الأحداث لتزيد من حالة الخوف لدى المسلمين الذاهبين إلى المسجد للصلاة. إن جرائم الكراهية تستدعي خطة عمل من قبل الحكومة الكندية، لمواجهة الإسلاموفوبيا عمليا في المدارس والإعلام وفي المؤسسات العامة والخاصة.نقلا عن مدير العلاقات العامة في الجمعية الإسلامية في كيبيك سامر نيز
وطالب سامر نيز بحماية أكبر للمراكز الإسلامية والمساجد ومراجعة رخص حمل السلاح لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.
الناشط الحقوقي الكندي العراقي علي فارس استنكر بدوره هجوم سكاربورو العشوائي على مصلّين بسبب معتقداتهم الدينية. تمنى محدثي الشفاء العاجل للجرحى وطالب سلطات الشرطة المحلية بالعثور على الجناة وتقديمهم للعدالة. وأكد علي فارس على ضرورة إيجاد حلول جذرية للحد من الإسلاموفوبيا في المجتمع الكندي ومن ظاهرة تفشي العنف المسلح في كندا في الآونة الأخيرة.
ضجّت كذلك صفحات الفيسبوك بإدانة الحادثة وشدد الجميع أنه من غير الجائز وقوع هذه الحوادث في المجتمع الكندي المتسامح والمنفتح.
وهناك البعض ممن اعتبر أن الخوف من الإسلام هو وراء حوادث من هذا النوع ويزداد الخوف على أمننا وسلامنا.
في يوم الجمعة ذاك، وقعت في باحة المسجد الأقصى في القدس (نافذة جديدة)، الحرم المقدّس الثالث في الإسلام، اشتباكات أسفرت عن سقوط أكثر من 100 جريح من الفلسطينيين بعد صدامات بين متظاهرين فلسطينيين والشرطة الإسرائيلية.
تلك المشاهد تنّغص صفو المسلمين المقبلين على إحياء صلاة الجمعة في المسجد المونتريالي، وهذا المكان المقدس في القدس لا يخص الفلسطينيين وحدهم وإنما المسلمون كافة في أصقاع الأرض معنيون به.
هناك احتقان في نفوس المؤمنين وشعور بالظلم لأن مقدسات المسلمين تنتهك، وكأئمة نحاول تهدئة النفوس لكي لا تنفجر الأمور.نقلا عن الإمام المتنقل في كافة المساجد عبر جزيرة مونتريال حسن غيّة
ويؤكد محدثي بأن القوة لن تستطيع فرض السلام. يجب أن يكون العدل أساس الحكم في أقطاب الأرض، يتابع حسن غيّة، عدل يحترم الجميع ويحافظ على حياتهم ويضمن الأمان للجميع.
إذا لم يقتنع من يحمل السلاح أن سلاحه سيرتد عليه، فإنه سيستمر بحمل السلاح. إننا في الشهر الفضيل ندعو إلى مراجعة النفس، شدد الإمام حسن غيّة.
يؤكد المدير السابق لمركز لورنسيان الاجتماعي سامر نيز بأن المركز تأقلم مع الظروف التي فرضتها الجائحة وتحوّل إلى الافتراضي كليا في أنشطته، وقد ساعد التطور الرقمي على تجاوز هذه المرحلة بنجاح.
لا زال قسم من أنشطتنا في صيغة هجينة وهذا أمر إيجابي لم نكن لنعي أهميته لولا الجائحةنقلا عن المدير السابق لمركز لوانسيان الاجتماعي ولمسجد الروضة سامر نيز
.
ويسرد محدثي كيف شارك المركز في توفير الخدمات الاجتماعية لشرائح المجتمع المونتريالي كافة وليس للمسلمين فحسب.
وأصبح المركز عضوا في الخدمة الهاتفية 211 خلال الوباء إلى جانب هيئات حكومية أخرى، وفي هذا الإطار استقبل المركز وقدم المساعدة للمحتاج ولمن فقد وظيفته أو غيرهم من الأشخاص الذين عانوا من ضيق بسبب الجائحة.
سلسلة محلات أدونيس العريقة في مونتريال لبست أيضا حلّة الشهر الفضيل.الصورة: Radio-Canada / Colette Dargham
ممارسة الشعائر الدينية بكل حرّيةأتى سامر نيز إلى مونتريال منذ 21 عاما، قادما من مدينة طرابلس في شمال لبنان، وبطبيعة الحال فإن ممارسة الشعائر الدينية الإسلامية تختلف بين هنا وهناك.
لا شك أن الانتقال من مجتمع إلى آخر يشكل تحدٍ لأي شخص، وهنا نتحدث عن الفرق بين مجتمع ذات أغلبية مسلمة ومجتمع آخر ذات أقلية مسلمة.
قد لا نسمع الآذان بمكبرات الصوت في الشوارع كما في بلادنا وهذا أمر طبيعي نعيشه و تتأقلم معه، ولكن في الوقت ذاته يمكننا ممارسة كافة الشعائر الإسلامية الأخرى في بلد منفتح تضمن شرعة الحقوق والحريات فيه ممارسة الشعائر الدينية بطريقة جماعية أو فردية من دون إزعاج الآخر أو مضايقتهنقلا عن الرئيس السابق لمركز لورنسيان الاجتماعي ومسجد الروضة سامر نيز
.
إلا أن محدثي لا ينفي وجود الإسلاموفوبيا في المجتمع الكندي مثل المضايقات التي قد تتعرض لها المرأة المحجبة في الشارع وفي الباص أو مترو الأنفاق. وهو اشتكى أيضاً مما اعتبره ’’تحيّزاً‘‘ في التعاطي مع مركزه الاجتماعي من قبل وكالة الدخل الكندية.
بدورها تقول لي السيدة نورا صالوح بأنها اضطرت إلى مغادرة مونتريال غداة صدرو التسويات المعقولة عن لجنة بوشار-تايلور (نافذة جديدة)الكندية بسبب المضايقات التي تعرض لها عدد من المسلمين والمسلمات بسبب تلك التسويات التي سلطت الضوء على الاختلاف في المجتمع المونتريالي، مما أدى إلى حدوث نوع من التمييز العنصري وتعزيز الإسلاموفوبيا، حسب محدثتي.
ولكن هذه العائلة التي خافت على أولادها من أن يكبروا في هذا المجتمع، وجدت نفسها في غربة أيضا في بلدها الأم المغرب، لذا عادت أدراجها إلى كندا واستقرت من جديد في مونتريال.
هذا وقد أكدت لي عدة متحدثات التقيتهن بأنهن شخصيا لم يتعرضن لأية مضايقة بسبب حجابهن ولكن لهن صديقات عانين من هذا الأمر.
يقول رجل الأعمال خالد رنكوسي بأن فرحته مزدوجة بالنجاح الذي تحققه علامته التجارية أولا، وهذا مطلب شرعي لكل صاحب عمل، وكذلك هو مغتبط بعلامات الرضى والاستحسان التي يلحظها على وجوه الزبائن الذين يتوافدون بانتظام على “حلويات مهروسة”. الصورة: Radio-Canada / Colette Dargham
موائد الإفطار استعادت بدورها صخبها وبهجتهاازدحم الناس ووقفوا في ذلك اليوم في طوابير طويلة في الأفران والمحلات التجارية التي زرتها، التي تبيع المأكولات و الأطعمة والحلوى العربية التي تزخر بها موائد الإفطار في شهر رمضان المبارك.
حُرم هؤلاء على مدى العامين الماضيين من إحياء طقوسهم وعاداتهم في رمضان ومُنعوا من إقامة الموائد الرمضانية الفاخرة التي يجتمع حولها عشرات الأشخاص أو أكثر في جو من الألفة والبهجة والسرور.
هذه التجمعات التي نحتاجها في مونتريال لكي لا نشعر بالغربةوتحمل إلينا الحنين لذكريات وأيام عشناها بين أهلنا وأحبتنا في بلدنا الأم، أكد لي المتحدثون الذين ينحدرون من أصول عربية مختلفة.
قصدت حلويات مهروسة في مدينة سان-لوران ذات التمركز الجاليوي العربي، قبل موعد الإفطار بقليل لمواكبة التحضيرات للإفطار وتهافت الناس على شراء الأطباق والحلويات الشرقية لوضعها على موائدهم.
الطابور كان طويلاً ولكن لم يتأفف الواقفون فيه أو يتململون من طول الانتظار. بل ارتسمت ابتسامة كبيرة على الوجوه وسط موسيقى كلثومية تصدح في الأجواء وزينة في المكان تذّكر برمضان في بلاد الشام أو لبنان أو أي بلد عربي آخر.
المستهلكون أكدوا على الأصالة والعراقة والجودة للمأكولات والحلوى في هذا المكان العريق الذي تأسس قبل أكثر من 30 عاما في المدينة الكوسموبوليتية.
كأن رجل الأعمال الكندي السوري خالد رنكوسي في استراحة المحارب بعد ساعات من العمل الشاق.
“أحزن على أفراد أسرتي، لأنني أصل إلى المنزل بعد انتهاء الإفطار بسبب ضغط العمل، ولكن أعوضهم بالسهر معهم طيلة الليل لنكمل معا عادات وتقاليد رمضان، لتبقى محفورة في ذاكرتهم وذاكرة أحفادي بعدهم”.الصورة: Radio-Canada / Colette Dargham
يؤكد رجل الأعمال خالد رنكوسي على رأس حلويات مهروسة منذ خمس سنوات، بأن محالهم يشهد هذا الازدحام اعتبارا من الساعة الثانية بعد الظهر وحتى ساعة الإفطار في كل يوم من أيام رمضان.
هذه الذروة تتكرر في كل الأعياد المسيحية والإسلامية في مونتريال. وهوتنوّع يُذكر ببلادنا و نمتاز عن غيرنا من محلات الحلوى الكندية أن جالياتنا العربية لا تحتفل بكريسماس فحسب بل إنما أيضا بغيرها من الاحتفالات التي تتنوع فيها الأطباق والحلوى وتختلف.
ففي رمضان فقط نقدم الكلّاج وفي الفصح يكثر شراء المعمول بالتمر والجوز والفستق الحلبي.نقلا عن صاحب “حلويات مهروسة” خالد رنكوسي
يقول خالد رنكوسي إنه يحاول أن يقدّم كل أنواع الحلوى التي تعوّد عليها الكندي العربي في بلاده أكان في بلاد الشام أو الشرق الأوسط، في دول الخليج أو في دول المغرب العربي الكبير، ليحمل إلى كل أبناء الجاليات العربية في مونتريال نكهة ومذاق بلدهم الأم، ولتكون للأعياد بهجتها في مونتريال أيضا تماما كما في بلاد الشرق.
إلى ذلك، أكد لي محدثي بأن المبيعات في محالهم لم تتأثر بفعل الجائحة لأنها ظلّت مفتوحة طيلة الوقت بفعل أنها تندرج في الخدمات الأساسية التي لم تقفل أبوابها مطلقا.
المشكلة الوحيدة كانت في الطوابير الطويلة وانتظار الزبائن في الخارج في الحر والبرد قبل أن يأتي دورهم لشراء ما يحتاجونه.
في محلات اوبيسري التي تقدم المأكولات والسلع المغربية في منطقة بروسارد جنوب جزيرة مونتريال، يتكرر المشهد ذاته في الساعات الأخيرة التي تسبق موعد الإفطار. وتشتري أم أحمد كل ما يلزم لتحضير الحريرية أو المسمّنوغيرها من الأطباق المغربية المشهورة في رمضان لمائدة الإفطار.
المسلم في كندا يمارس شعائره وخصوصيته الدينية بكل حرية في فضاء خاص بالجالية المسلمةيقول الأختصاصي في علم الاجتماع الكندي المغربي محمد لطفي بأن الواقع في كندا بالنسبة للمسلم يختلف عن الواقع في البلدان العربية. فإن ما يحكم الفضاء العام في كندا يختلف عما يحكم الفضاء الخاص. والمسلم عندما يمارس شعائره الدينية فإنه يمارسها في فضاء خاص بالجالية المسلمة. هذا الفضاء الذي هو المسجد في حالتنا هذه، يعيد التوازن النفسي والاجتماعي للمسلم، بعد أسبوع من العمل الشاق والمرهق والالتزامات العائلية والمسؤوليات.
أتى الاختصاصي في علم الاجتماع الكندي المغربي محمد لطفي إلى صلاة الجمعة ذلك اليوم بالبلغة التقليدية المغربية. كذلك رأيت العديد من الشبان والأطفال يأتون إلى المسجد مرتدين الجلباب أو الجلابة وهو لباس تقليدي طويل يمتد حتى الكاحل، كما في بلدانهم الأم.الصورة: Radio-Canada / Colette Dargham
في دار العبادة والتوسل إلى الله، يبحث المؤمن عن ملء بطاريته من جديد. المسجد مكان يهيأ المؤمن للتعامل داخل مجتمع متعدد الثقافات وفي الوقت ذاته يسمح بخصوصيته.نقلا عن الاختصاصي في علم الاجتماع وادماج الشباب عبر الرياضة محمد لطفي
في هذا المجتمع هوية فردية وأخرى جماعية ولكنهما متناسقتان ولا تتضاربان.
المساجد، على حد تعبير محدثي، تعلّم المسلم كيف يتعامل مع التعددية، وكيف يمتلك القناعة التامة بأنه قد يكون هناك اختلاف بينه وبين مجتمعه الكندي ولكن ليس هناك خلاف على الإطلاق، بل تجاذب وتبادل منسجم بين كافة قطع الفسيفساء الاتني التي يتألف منها هذا المجتمع المنفتح والمتسامح.
(أعدّت التقرير كوليت ضرغام منصف)