الرئيسيةكندا اليوم فطيمة بن زرارة زوايمية: كيف يُتهم بالإرهاب من عاش عمرَه يحاربه؟

[تقرير] فطيمة بن زرارة زوايمية: كيف يُتهم بالإرهاب من عاش عمرَه يحاربه؟



لم تخبأ فطيمة بن زرارة فرحتها بخروج زوجها لزهر زوايمية من السجن “ولكن الفرحة لم تكتمل ويستمر القلق.”بين لقائي بها يوم الخميس الماضي ولقائي بها اليوم فارق كبير، وبعدما كان حزن مطبق يجلس على صدرها، انفرجت سريرة محدثتي فطيمة بعدما خرج زوجها فعلا من سجنه الخامسة بعد ظهر يوم أمس الأربعاء 30 آذار/مارس بتوقيت الجزائر. ويكون لزهر زوايمية قضى بذلك 40 يوما وراء القضبان في قسنطينة في شرق الجزائر، إذ تم اعتقاله في مطار قسنطينة الدولي أثناء مغادرته الجزائر يوم 19 شباط/فبراير الماضي.
المريب في الأمر هذا الإفراج المؤقت عن زوجي، ماذا يعنون به ومتى يستطيع مغادرة الجزائر والعودة إلينا؟ لم يرشح حتى لحظة كتابة هذا التقرير أي تفاصيل أخرى تبّرد قلب فطيمة لتعود إليها فرحتها كاملة. وتقول لي فطيمة التي تحدثت إلى زوجها بالصوت والصورة بعد خروجه من السجن إلى منزل أهله في سدراتة، إنها لاحظت أنه فقد الكثير من وزنه كما أنها قلقة على صحته النفسية، وتأمل في أن يعود في أقرب وقت إلى كندا.
الخوض في موضوع احتجاز المواطن الكندي زوايمية المنتسب إلى منظمة العفو الدولية بفرعها الكندي الفرنكوفوني في سجن في بلده الأم، شائك ومتشابك مع خيوط كثيرة.

الحياة بحلوها ومرّها يطوي الزوجان زوايمية صفحاتها بكل الرضى والتصالح مع كل ما تكتبه الأقدار لهما.الصورة: Fatima Benzerara
في منزل إحدى صديقات السيدة بن زرارة في مونتريال، التقيت بالإضافة إلى هذه السيدة التي لا تريد الإفصاح عن اسمها، السيدة فطيمة وصديق العائلة عمر، وهو اسم مستعار اختاره الضيف متحفظا على هويته الحقيقية من قبيل الحيطة.
تقول المسؤولة عن الحملة الدعائية الفرنكوفونية في كندا لمنظمة العفو الدولية  (نافذة جديدة)كوليت لوليَفر لمذياع القسم العربي لراديو كندا الدولي بأن الجزائريين عموما في كل بلاد الانتشار باتوا يخشون اليوم زيارة بلدهم الأم مخافة أن يكونوا بدورهم ضحية قوانين وضعتها السلطات الجزائرية تسمح باعتقالهم، وتندد منظمة العفو الدولية بشدة بهذه القوانين لأنها غامضة وقمعية.
يذكر أن السلطات الجزائرية اتهمت زوايمية بـ’’الترويج لأعمال إرهابية عن طريق وسائل تكنولوجية‘‘. ويزعم محاموه أن مثل هذه التهم الملفقة شائعة في موجة القمع التي تمارسها الحكومة الجزائرية والتي تستهدف مواطين ملتزمين ونشطاء سياسيين، جريمتهم الوحيدة أنهم مارسوا الحق في حرية التعبير.
والمعروف عن لزهر زوايمية أنه شارك في المسيرات والمظاهرات السلمية التي نظمت في مونتريال في إطار الحراك الشعبي الجزائري على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهو كان يعبّر عن توقه لرؤية بلده حرا ديمقراطيا عبر مواقع التواصل والانترنت.

كان صديقنا جريئا ومقداما، لم يوفر سبيلا من أجل التضامن مع سجناء الرأي والتنديد بالتعسف والظلم في الأرض قاطبة.نقلا عن صديق لزهر زوايمية عمر
ويشيد المشاركون في هذا الحوار بتميّز قلم لزهر زوايمية وإتقانه للغة الضاد، هذا لأنه مثقف كثير الاطلاع ويملك فن الكتابة والتأثير.

يتحدّر من عائلة ناضلت ضدّ الإرهاب في العشرية السوداءيؤكد المتحدثون بأن لزهر زوايمية بعيد كل البعد عن العنف والإرهاب، هو نفسه كان مهددا من الإرهابيين وطالما ندد بالإرهاب قبل هجرته إلى مونتريال عام 2003، فارا من ويلاته.
استحق زوايمية عملا مشرفا بعد عشر سنوات من وصوله إلى مونتريال في مؤسسة الكهرباء الوطنية في كيبيك هيدرو كيبيك (نافذة جديدة). جامعي مثقف، خلوق وإنساني، مدّ خلال الجائحة يد العون للطلاب الأجانب في مونتريال الذين زادت غربتهم ووحشتهم وشحّت مواردهم.
أضف إلى ذلك أن زوايمية يتحدر من عائلة عاشت طيلة عمرها تناهض الإرهاب وتحاربه في بلدة سدراتة. وقد تعرّض شقيقه في تسعينيات القرن الماضي لعملية إرهابية نجا منها بأعجوبة. وأكثر من ذلك فإن زوايمية عضو فاعل في تجمع أجواد مونتريال ، Ajouad Algerie Memoires (نافذة جديدة) الذي يريد تخليد ضحايا الإرهاب في العشرية السوداء. علما أن أجواد هو عنوان مسرحية كتبها المسرحي الجزائري عبد القادر علّولة (نافذة جديدة) الذي قتل على يد الإسلاميين في بلد المليون شهيد.

زار لزهر زوايمية الجزائر في العام 2019 في ذروة بدايات الحراك الشعبي في 22 شباط/فبراير 2019 الذي أدى إلى تنحي بوتفليقة عن الحكم.الصورة: Facebook
“وهل أسمى من تشييد ساقية مياه في بلد الجفاف؟”سافر لزهر زوايمية في شهر كانون الثاني/يناير الماضي إلى الجزائر حاملا وعداً وجمراً. أما الوعد فهو تشييد ساقية مياه في وسط بلدته لينعم سكانها بعصب الحياة وأما الجمر فهو كسرة قلبه بسبب فقدانه وحيده مهدي ابن الـ 21 ربيعا قبل عام ونصف العام في مونتريال في موت مفاجئ.
بين اهله وخلانه سعى الأب المفجوع إلى دمل الجرح وإيجاد التعزية لقلبه وروحه وهل أسمى مما هو مسبب للحياة لإبطال ذاكرة الموت؟

إن إهداء ساقية لروح فقيد غالي في بلد يعاني الجفاف أمر استثنائي، ملموس وحسي يحمل الكثير من المعاني. علّنا نفهم عمق هذا الإنسان وعمله السباق. لا إن لزهر ليس أحمقا على الإطلاق ليذهب هكذا إلى الجزائر ويعرض نفسه للخطر. لم يظن للحظة أنه سيتم اعتقاله، ذهب علنا ولم يخبئ نفسه أو عمله الصالح.نقلا عن صديق لزهر منذ أكثر من 10 سنوات باسم مستعار عمر
يردف عمر بأن لزهر كان يمكن أن يكون أي شخص آخر من هؤلاء الذين يشاركون في الحراك السلمي في مونتريال. وبحسب المتحدث فإن رسالة السلطات الجزائرية إلينا واضحة تماما وهي أنكم ستلقون المصير ذاته في حال استمريتم في الحراك وفي التنديد بالدستور الجزائري.

طبعا هذه الأسباب ليست ما تقوله السلطة وإنما قراءتي أنا لما لحق بصديقي لزهر. أعتقد أنها بداية لاعتقالات كثيرة وهي رسالة لأبناء الجالية.نقلا عن عمر الجزائري الأصول
يجمع عدد كبير من الكنديين الجزائريين في مونتريال الذين شاركوا في الحراك الجزائري في كندا أنه “إذا لم يكن هناك حراك شعبي سلمي في شباط 2019/فبراير، فمن المؤكّد أننا كنّا نعيش الآن في ظلّ ولاية خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة”.الصورة: Fatima Benzerara
تجدر الإشارة إلى أن زوايمية هو الوحيد ممن شارك بالحراك الذي اعتقل بحسب المتحدثين. أما توقيت الاعتقال بحسب هؤلاء فقد أتى بعد دخول القانون 87Bis، الذي أعاد التعريف بالعمل الإرهابي في قانون العقوبات، حيّز التطبيق في الجزائر نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي. ولسوء حظ لزهر كان هو الضحية الأولى.
كنديون جزائريون كثر منضوون في الحراك سافروا إلى الجزائر مؤخرا وعادوا، ولكن لا ندري لماذا وقع الخيار على لزهر ليزج في السجن.نقلا عن صديقة لزهر زوايمية
هذا ما أكدت عليه أيضا كوليت لوليفر من أمنستي إنترناشيونال التي قالت إنه على حد علم المنظمة ليس هناك كندي جزائري آخر محتجز في الجزائر.

يبلغ عدد سجناء الرأي في السجون الجزائرية 291 سجينا.نقلا عن معلومات نشرها بيان صحفي لمنظمة العفو الدولية في 15 آذار/مارس الماضي

تقول المسؤولة الكندية في منظمة العفو الدولية كوليت لوليَفر بأن “الجزائر ليست السعودية “، على خلفية عدم توصل المنظمة للحصول على إعفاء للمدون رائف بدوي من العقوبات التي فرضتها عليه المملكة العربية السعودية.الصورة: Colette Lelievre / Caroline Hayeur
الأمل بغد مشرق لبلد المليون شهيديقول عمر إن الوقت سيقول حكمه في كل ما يجري، لا أملك الصلاحية للإدلاء برأيي حول مستقبل الحراك في مونتريال أو أي شيء آخر.
إن كل ما لدي لأقوله: إن الأمور تتغير في الجزائر ربما لن نشهد التغيير بعد سنة أو اثنتين أو ثلاثة، ولكن إيماني وثيق بأن التغيير قادم.

أنا حزين على ولدي ولكني حزين أكثر على حزنِك عليهنقلا عن لزهر زوايمية
فطيمة بن زرارة تحمل وزر كل أم مهاجرة بكفاحها ونضالها في بيتها وفي مجتمعها، في اجتهادها لتحقيق مكانتها في سوق العمل. وقد التحقت بالنظام التعليمي كمدّرسة لمادة الرياضيات في الصفوف الثانوية في إحدى مدارس القطاع العام في جنوب جزيرة مونتريال.
ربّت فطيمة بن زرارة ولديها مهدي وسارة (18 عاما)، ولكن الموت الغاشم لم يكتفِ بحرق قلبها على شقيقتها ووالدها في الجزائر بل أكمل همجيته بحرمانها من فلذة كبدها أيضا في ريعان شبابه.
كأن الكوارث استحكمت بهذه السيدة المنكسرة الفؤاد وكرّت سبحتها، وهي اليوم لا تكمل من حيث وصلت في مسيرة حياتها بل تعود إلى الماضي ذاته الذي أجبرها على الرحيل قبل عشرين عاما ليعود إلى ذهنها الشريط ذاته لرفات سنوات أليمة عاشتها في ظل الخوف والترقب والمصير المجهول الذي ينتظرها.
حزينة ثكلى من شدة المصاب ولم يعد عندها طاقة على الاحتمال ولكنها قوية بإرادتها وعدم استسلامها لقدرها. تغرورق عينا فطيمة بن زرارة بالدموع وهي تعرّفني إلى صورة ابنها الشاب ذات الطلّة البهية. لن يندمل بالطبع جرح أم دفنت وحيدها، والمفروض أن الأولاد هم من يدفنون الآباء، ولكنها كانت تجد التعزية والسلوان عند سندها والعمود الفقري لبيتها وحياتها زوجها المثالي لزهر، الذي كان شغله الشاغل التخلص من عجزه على مساعدتها في تخطي المصاب الأليم.
حدّثتني فطيمة عن أمر وحيد يعّزيها وهو أن المجتمع الكندي برمته، من زملاء زوجها في العمل إلى زملائها في المدرسة و الدياسبورا الجزائرية والجيران والسلطات الكندية والإعلام الكندي ومنظمة العفو الدولية. هؤلاء جميعهم لم يصدقوا الاتهامات بحق لزهر.
وجدت فطيمة بن زرارة نفسها من جديد في مواجهة مع أشباح الماضي الذي هربت منه قبل عشرين عاما، وعلى الرغم من ضعف قلبها تقّوت وشدّت العزيمة للدفاع عن شريك عمرها ونضالها. لقد حرّكت فطيمة برسائلها المفتوحة التي نشرت على صفحات الجرائد الصادرة في مونتريال الرأي العام الكندي. ودعته إلى الوقوف بجانبها لإطلاق سراح زوجها.الصورة: Radio Canada International: Colette Darghamرفض جميع من عرف لزهر جملة وتفصيلا إمكانية أن يكون هذا الكندي الودود الطيب المنفتح والمسالم على علاقة من قريب أو من بعيد بمنظمات إرهابية. نقلا عن استاذة مادة الرياضيات للتعليم الثانوي فطيمة بن زرارة
هذا الإجماع على براءة لزهر عزز ثقة الإبنة سارة بنفسها وحمل لها المزيد من الفخر بملهمها وبطلها الأول والدها. ولكن هذه القوة التي تسلحت بها الصبية الشابة لم تكن كافية لمدّها بالطاقة والدينامية والتركيز في دروسها فاعتزلت بدورها مقاعد الدراسة في المعهد العالي، على غرار والدتها التي اعتزلت التدريس.
أعربت فطيمة أيضا عن خوفها من فقدان وظيفتها مؤكدة على الإيجابية من حولها من السلك التعليمي والأصدقاء كذلك السلطات الكندية التي أولت الاهتمام بقضية زوجها. وقد ارتأت فطيمة إعطاء الأولوية للوساطة الديبلوماسية، التي الحمدلله أثمرت إطلاق سراح مؤقت لزوجي.
كنت في الصف أمام تلامذتي عندما وصلني الخبر الصادم باعتقال زوجي، انهرت تماما وخرجت من المدرسة ولم أعد من يومهانقلا عن فطيمة بن زرارة
سافر لزهر زوايمية إلى الجزائر حاملا وعداً وجمراً. أما الوعد فهو تشييد ساقية مياه في وسط بلدته لينعم سكانها بعصب الحياة وأما الجمر فهو كسرة قلبه بسبب فقدانه وحيده مهدي ابن الـ 21 ربيعا قبل عام ونصف العام في مونتريال.الصورة: Capture d’écran – Facebook
40 يوما لم يسمح فيها لفطيمة بالتحدث إلى زوجها وكانت تصلها أخباره من ذويه الذين كان يحق لهم زيارته مرة كل اسبوعين ويقتصر عدد الزوار على شخص واحد أو اثنين في حد أقصى. وتؤكد لي فطيمة بأنه لم يكن يسمح بأرسال الدواء من كندا لزوجها بل كانت سلطات السجن تعطي زوجها دواء آخر بوصفة أطباء من الجزائر.

سارة زوايمية: صمودك والدي يُلهمني أكثر فأكثر كل يومنقلا عن ابنة لزهر وفطيمة سارة زوايمية
في المقابل أرسلت فطيمة لزوجها خطابا وكذلك ابنتهما سارة، هذه الأخيرة المولودة في مونتريال، لا تحب الظهور في الإعلام ولكنها وافقت على نشر رسالتها في هذا التقرير.
أكدت كوليت لوليَفر أن منظمة العفو الدولية نجحت في نقل زوايمية إلى زنزانة أخرى فيها سجين رأي واحد عندما كان محتجزا ، وهي أبدت قلقها البالغ لجهة الصحة النفسية لدى إنسان سجن ظلما مما يتسبب في إصابته باضطرابات نفسية.
هذا وأكدت المتحدثة لمذياعنا بأن المنظمة تنتظر الإيجابية في موقف السلطات الجزائرية خصوصا أنها على علاقة جيدة مع السلطات الكندية.
(أعدت هذا التقرير كوليت ضرغام منصف)

Most Popular

Recent Comments