كابل- ينظر كثير من الأفغان إلى مستشفى علي آباد الحكومي في العاصمة كابل على أنه نموذج لفشل القطاع الصحي، فرغم الميزانيات الضخمة التي صرفت على هذا المستشفى على مدى عقدين، فإنه يفتقد إلى الأجهزة الضرورية للتشخيص بما فيها الحديثة والمتقدمة، مثل جهاز المسح المحوري الطبقي “سي تي سكان” (CT Scan).
أما معهد أمراض القلب والأوعية الدموية مقابل جامعة كابل فيفتقد إلى أجهزة تشخيص أمراض القلب العادية، بحسب ما أكده أطباء عملوا في المعهد واشتكوا من افتقاره إلى غرفة عمليات متخصصة.
ويؤكد مسؤولون في القطاع الصحي على تراجع الفساد الإداري والمالي إلى حد كبير في هذا القطاع منذ وصول حركة طالبان إلى السلطة، نظرا لعدم تساهلها مع قضايا الفساد، إلا أنهم يحذرون من سوء الإدارة التي قد تؤدي إلى النتيجة نفسها.
نت التقت كلا من وزير الصحة الأفغاني بالوكالة الدكتور قَلندر عُباد، والرئيس السابق للجمعية الطبية الإسلامية في أفغانستان الدكتور سيد خالد راشد للاقتراب من حقيقة الوضع الصحي في أفغانستان.
مواصلة تقديم الخدمات
استبعد الوزير عباد انهيار القطاع الصحي، وقال إنه تجاوز الصدمة التي خلفها انهيار الحكومة السابقة وتخلي المجتمع الدولي عن أفغانستان والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على بلده.
وأشار الوزير الأفغاني إلى أن أكثر من 3 آلاف مستشفى ومركز صحي حكومي ومثلها في القطاع الخاص واصلت تقديم خدماتها بعد انهيار النظام السابق وتسلم حركة طالبان زمام السلطة في أغسطس/آب من العام الماضي.
لكن خبراء الصحة يكادون يجمعون على أن المراكز الصحية الحكومية تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير المعروفة دوليا، سواء من حيث الإدارة أو توفر الأجهزة الضرورية، وهو ما أكده الرئيس السابق للجمعية الطبية الإسلامية في أفغانستان خالد راشد.
ويضيف راشد أن القطاع الصحي في أفغانستان اعتمد اعتمادا شبه كامل على الدعم الدولي على مدى عقدين، وتوقف هذا الدعم بوصول حركة طالبان إلى السلطة أنذر بحدوث كارثة، لا سيما بعد الحصار وتجميد الأموال الأفغانية في البنوك الأميركية والغربية.
وأردف أن المجتمع الدولي يدرك حجم الكارثة الصحية التي قد تخلفها العقوبات، ولذلك قررت هيئات صحية عالمية استئناف العمل في أفغانستان، مثل الصليب الأحمر الدولي ومنظمة الصحة العالمية.
الدكتور راشد: القطاع الصحي بأفغانستان اعتمد اعتمادا شبه كامل على الدعم الدولي على مدى عقدين، وتوقف هذا الدعم بوصول حركة طالبان إلى السلطة أنذر بحدوث كارثة ()
الإدارة الصحية
ورثت الحكومة الأفغانية المؤقتة نظاما صحيا متهالكا، وبحسب ما أكده الوزير عباد فإن الفساد المالي والإداري لم يستثن النظام الصحي، وأسهم في تفاقم المشكلة تعليق الهيئات الصحية الدولية أنشطتها في البلاد وتوقف برامج الرعاية الصحية التي كانت ترعاها، إلى أن استأنف بعضها العمل بعد جهد كبير بذلته الحكومة المؤقتة مع الهيئات الدولية.
لكن راشد حذر من استمرار الفشل الإداري، وانتقد تعيين مسؤولين عن الإدارات الصحية لا تنطبق عليهم معايير الكفاءة، وطالب الحكومة المؤقتة بإعادة هيكلة وزارة الصحة وتبني إستراتيجية صحية جديدة تقوم على التعاون مع الخبراء والمؤسسات الطبية الوطنية غير الحكومية، خاصة إذا كانت حكومة طالبان لا ترغب في الاستمرار على نهج الحكومة السابقة في الاعتماد على دعم المؤسسات الدولية.
أولويات وتحديات
تعهدت الحكومة الأفغانية المؤقتة بتوزيع عادل للخدمات الطبية، وذلك بالوصول إلى المناطق المحرومة، وتحديث النظام الصحي والمعدات الطبية، وقال وزير الصحة إن هدف الوزارة الحالي هو توسيع النطاق الجغرافي للخدمات الصحية.
وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن الخدمات الصحية في الحكومة السابقة كانت تغطي ما بين 30% و40% فقط من أنحاء البلاد، وأن الحكومة الحالية تسعى إلى وصول إلى 60% منها في غضون أشهر.
واعترف الوزير عباد بتحديات جمة تواجه وزارته، أبرزها قلة المتخصصين، وضعف الفرق المهنية، وصعوبة توفير الميزانيات المناسبة، وتنمية القدرات والكفاءات، وإعداد المتخصصين من الأطباء والفرق الطبية.
غير أن الدكتور راشد طالب الحكومة المؤقتة بتبني إستراتيجية صحية جديدة، والتخلي عن النظام الصحي الذي ورثته عن الحكومة السابقة.
وبينما شدد الوزير الأفغاني على رقابة وزارته على القطاع الخاص لمنع الاستغلال وسوء الإدارة وضبط الأسعار، رأى الرئيس السابق للجمعية الطبية الإسلامية في أفغانستان أن الأولوية في هذه المرحلة يجب أن تتركز على كيفية الاستفادة من الخبرات الطبية الأفغانية في القطاع الخاص، لا سيما في ظل النقص الحاد للمتخصصين في القطاع العام.
رغبة العاملين بالقطاع الطبي الخاص في مساعدة القطاع العام
يرى الدكتور راشد أن القطاع الصحي الخاص يسهم في تمويل القطاع الصحي بنسبة 85%، وأن 15% فقط من الميزانيات تأتي من الحكومة والتمويل الأجنبي، وأعرب عن ثقته في رغبة العاملين في القطاع الطبي الخاص في مساعدة القطاع العام، لكن البيروقراطية الموروثة والمعايير التي تضعها الحكومة الجديدة مثل الولاء معوقات تحول دون انضمام كثير منهم للقطاع الحكومي.
ويؤكد الوزير عباد والدكتور راشد أن العقوبات الأميركية وتجميد الأموال الأفغانية في البنوك الغربية أسهما في استمرار تردي الوضع الصحي في البلاد، في حين تشدد الحكومة الأفغانية على ضرورة تسليم الأموال المجمدة، التي تقدر بنحو 9 مليارات دولار، إلى البنك المركزي الأفغاني من دون قيد أو شرط، وأن الحكومة وحدها المخولة بتوظيفها بالطريقة التي تخدم الشعب الأفغاني.