هل تأتي نتائج الحرب الروسية على اوكرونيا خلافا لتوقعات بوتين؟
سمير جبور
ليس الهدف من هذا المقال تقييم مسيرة الحرب الروسية – ألأوكرانية ،او اصدار حكم على النتائج التي تمخضت عنها حتى الآن . وانما الغاية منه طرح بعض التساؤلات حول توقعات الرئيس الروسي في ضوء تلك النتائج. وهنا يطرح السؤال : هل تاتي هذه النتائج خلافا لتوقعات الرئيس بوتين ؟ وبالتالي ،هل يمكن الإستنتاج أن الرئيس الروسي خسر الحرب قبل أن ينهيها طالما أنها لم تحقق توقعاته؟.
للأسبوع الرابع على التوالي يتواصل القتال بين الجيش الروسي والجيش الأوكراني والمعارضة الداخلية دون أن تلوح في الأفق اية بوادر للتوصل الى اتفاق على وقف القتال، أو الى حل سلمي ينهي الأزمة قبل استفحالها .كما ان هذه الحرب اعادت سباق التسلح ..وكلما استمر القتال ، وكلما تفاقمت حدة المأساة الأنسانية ، ازدادت المخاوف من حدوث تطورات خطيرة تتجاوز الحرب المحدودة . بمعني ان العالم عاد يحبس أنفاسه ازاء احتمال نشوب حرب عالمية تعرض البشرية ، ولا سيما القارة الأوروبية، لأخطار لا تحمد عقباها.
إن مجرد استمرار الحرب لفترة زمنية طويلة غير متوقعة من قبل موسكو، لتتحول إلى حرب استنزاف للطرفين، يطرح اسئلة عديدة : هل هناك سوء تقدير من قبل الرئيس بوتين عندما قرر شن الهجوم على اوكرانيا؟
وهل كان لديه بديل آخر لتحقيق اهدافه التي لخصها بـ “درء خطر وجودي” يهدد ألإتحاد الروسي؟ اي احتمال انضمام اوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، علماً أن هذا لم يكن واردا في المستقبل المنظور! وبالتالي قد يكون الرأي العام العالمي غير مقتنع بوجود هذا الخطر لتبرير اهوال هذه الحرب.
وفي المقابل هل أساء بوتين فهم حقيقة القدرات العسكرية للجيش الأوكراني، ولا سيما بعد أن تدفقت عليه الإمدادات العسكرية الغربية؟ وهل توقع ان ينهار الجيش الأوكراني في غضون ايام قليللة امام الحشد العسكري الروسي الهائل؟
وهل فوجيء بان هذا الجيش لا يزال يقاوم منذ اكثر من ثلاثة اسابيع؟
واستطراداً، هل أساء بوتين التقدير بالنسبة الى الوضع االداخلي في اوكرانيا ومدى قدرة الشعب الأوكراني على الصمود؟ وهل توقع ان ينهار حكم زيلنسكي بسهولة؟ .
– هل اساء بوتين التقدير بالنسبة الى قدرات الجيش الروسي ؟ وهل وقع في أوهام استخدام القوة المفرطة على غرار تجربة حكام اسرائيل خلال حروبهم المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني؟
– هل توهم بوتين انه سيحقق انتصارا سريعا على الجيش الأوكراني كما حدث عندما احتل جزيرة القرم في العام 2014؟
– هل استخف بوتين بحدة ردود أفعال الراي العام الدولي وهو يشاهد المآىسي الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الأوكراني ولا سيما نزوح الملايين ؟
– وأخيرا ، هل توقع الرئيس الروسي ان تكون الكلفة الإقتصادية والمالية لهجومه العسكري على أوكرانيا إلى هذا الحد من الأضرار التي تلحق بالأقتصاد الروسي وتزعزع الإقتصاد العالمي ايضا؟
الكلفة الإقتصادية ألأوّلية
من الملاحظ ان الدول الغربية لم تلجأ الى القوة العسكرية لوقف الهجوم الروسي على اوكرانيا ، بل لجأت الى جر روسيا الى حرب استنزاف طويلة عمادها استخدام سلاح العقوبات ألإقتصادية والمالية ، كما فعلت ولا تزال تشهر هذا السلاح ضد كل دولة حاولت التصدي للهيمنة الغربية، ولا سيما الأميركية . استخدمته ضد العراق الذي ذهب ضحيته اكثر من مليون طفل ومليارات الخسائر المادية وتستخدمه ضد سوريا …الخ.
ليس من المجدي الإستخفاف بتأثير العقوبات الإقتصادية على الإتحاد الروسي. فإذا كان لا يؤدي الى إرضاخ روسيا وأجبارها على وقف الهجوم ، فإنه أدى ألى زعزعة أركان الإفتصاد الروسي وإحداث زلزال يضرب الإقتصاد العالمي بأسره، وما رافقه من موجة غلاء الأسعار ولا سيما أسعارالنفط والسلع الغذائية، فهذه العقوبات لم تؤثر في الإقتصاد الروسي وحسب، بل اخذت تشكل عبئا اقتصاديا وماليا باهظاً على لقمة عيش الفقراء في جميع انحاء العالم!
من أبرز تجليات العقوبات الإقتصادية والمالية التي فرضتها الدول الغربية : الولايات المتحدة وكندا والمفوضية ألأوروبية وفرنسا والمانيا وايطاليا والمملكة المتحدة واليابان على روسيا هو إزالة البنوك الروسية من نظام “سويفت”((جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك:
S.W.I.F.T. Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication)
النظام العالمي الذي افسح المجال أمام انتقال الأموال بين البنوك، وجاء في البيان المشترك الذي أصدرته هذه الدول الغربية أن ” هذه االخطوة ستضمن فصل البنوك الروسية عن النظام المالي الدولي، وستضر بقدرات عملياتها المالية عالمياً”؟
علاوة على مقاطعة الشركات الروسية كافة وكبار رجال الأعمال الروس وشركات بطاقات الإئتمان ( ماستر كارد وفيزا)؛مقاطعة المؤسسات الإلكترونية مثل فيس بوك وتويتر وغيرها؛ أعلن معظم شركات صناعة السيارات الكبرى (جنرال موتورز،وفورد وفولكس فاجن وتويوتا انها اوقفت شحناتها الى روسيا او أنها ستعلق نشاطات مصانعها في روسيا. واقتفت اثرها مصانع فولفو للشاحنات… ؛ أشركة “سامسونغ”، الرائدة في بيع الهواتف الذكية في روسيا والتي تمتلك أكثر من 30% من السوق، أوقفت صادراتها الى جميع منتجاتها إلى روسيا. وقالت الشركة إنها ستتبرع بـ6 ملايين دولار للجهود الإنسانية في المنطقة، بما في ذلك مليون دولار في مجال المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية.؛ فرض الأتحاد الدولي لكرة القدم المقاطعة على الفرق الرياضية الروسية .
ليس واضحا اذا كان بوتين عاجزاً عن توقع استهداف البنك المركزي الروسي الأمر الذي تسبب في تدهور قيمة الروبيل واهتزاز النظام المالي بأسره، إذ أن تدهور قيمة الروبيل سيجعل المستهلك الروسي يعاني من التضخم وارتفاع الأسعار، ناهيك عن العقوبات المالية والإقتصادية التي تسببت في القطيعة بين روسيا والعالم الخارجي.ٍ
لقد ادى هذا الوابل من الضربات المالية إلى سحق قيمة الروبل ووتدميرسوق الأوراق المالية في روسيا. … .
علاوة على ذلك ، لجأت الولايات المتحدة وبريطانيا والإتحاد الوروبي وكندا الى اغلاق اجوائها امام الطائرات الروسية، وقد تم الإستيلاء على سفن الشحن الروسية، كما انسحبت الشركات المتعددة الجنسية من المشاريع المشتركة مع الشركات الروسية والتي تقدر قيمتها ببلايين الدولارات مثل: ابل ، وشيل وشركة البترول البريطانية وشركة الطيران الأميركي. كما أن ابل علقت مبيعاتها وصادراتها الى روسيا. وأغلقت فيسبوك أبوابها امام منصات الدعاية الروسية . وقد اوقفت استوديوهات الإخراج السينمائي تصدير الأفلام الى روسيا. ناهيك بان كبرى الفرق الرياضية مثل NHL, FIFA قطعت علاقاتها مع روسيا.وربما تزيد واشنطن من حدة العقوبات عندما تتوقف عن استيراد النفط من روسيا والذي يشكل 7% من واردات الولايات المتحدة النفطية. وقد أظهرت هذه العقوبات مدى تعلق الإقتصاد الروسي بالإقتصاد الغربي .
وخلاصة القول، إن من حق روسيا ان تدافع عن نفسها، وتحمي حدودها بعد أن تحولت أوكرانيا (جارتها والتي كانت تاريخياً جزءاً من أراضيها) الى وكر للمؤآمرات والدسائس الغربية وقاعدة خفية لحلف الناتو ضد الإتحاد الروسي . كما أن اوكرانيا اصبحت ملجآ للحركات اليمينية المتطرفة من نازية جديدة (حركة أزوف)وغيرها .ناهيك عن ان رئيس اوكرانيا يعتبر راس حربة للإستعمار الغربي في خاصرة الإتحاد الروسي.
والجدير بالذكر انه لو حقق بوتين انتصارا في هذه الحرب واحتل اوكرانيا، فانه سيخلف بلداً مدمراً وشعباً ناقماً يعاني من كوارث انسانية تحتاج إلى عقود لترميم ما دمرته الحرب.
ان القرارات الإستراتيجية التي يتخذها الرئيس بوتين وآخرها الهجوم غير مضمون النتائج على أوكرانيا لا توحي بأنها تستند الى اعتبارات واقعية مدروسة تساهم في خدمة الأمن القومي الروسي،بل يغلب عليها صفة الإرتجال بصورة عامة، حتى إن التنسيق الإستراتيجي بين بوتين واسرائيل في سوريا ولا سيما في عهد نتنياهو يكتنفه الغموض واستغلته اسرائيل في تشديد ضرباتها ضد سوريا مما اعتبرته انجازا لأمنها القومي .
على حد قول شموئيل ساندلر (زميل باحث في معهد السادات-بيغن للأبحاث الاستراتيجية في جامعة بار إيلان- نشرة م.د.ف. -18/3/2022 العدد 3764 ) : ” الوجود الروسي في سورية والتنسيق مع بوتين الذي سمح لحكومة نتنياهو بقصف الميليشيات الإيرانية الموجودة هناك، تحول إلى “ثروة نفيسة” في العقيدة الأمنية الإسرائيلية”.