إنّه اليوم الـ 20 على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد أعلنت السلطات في البلاد إغلاقاً عاماً في العاصمة كييف.فرضت السلطات الأوكرانية حظر تجول في كييف لمدة 36 ساعة من الثامنة مساء اليوم الثلاثاء ولغاية السابعة صباح بعد غد الخميس. وكانت تعرضت كييف للقصف بشكل مكّثف منذ فجر اليوم الثلاثاء.
إلا أن كل هذا التصعيد لم يُغير بشيء في موقف محدثي المواطن الأوكراني من أصل لبناني روبير شبلي، الذي اعتاد على الحروب وهو يستطيع قراءة ما بين السطور وتوّقع المستجدات، لبعد النظر السياسي الذي اكتسبه من خبرته الطويلة في حرب لبنان.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه مراسلو هيئة الإذاعة الكندية (نافذة جديدة) في كييف أن الجيش الروسي سيحاول محاصرتها في غضون الساعات المقبلة، وتعلن السلطات هناك شلّ الحركة تماما تحسبا لأي تصعيد، يراقب روبير شبلي التطورات ثابتا على موقفه من أن الروس لن يدخلوا إلى كييف. وبرأيه قد يكون الأوكرانيون يستعدون لشن هجوم قوي على المعتدي الروسي ووقف زحفه إلى العاصمة.
يقول روبير شبلي الذي يخضع لعلاج مرض السرطان أن الأدوية لا زالت متوفرة في كييف وأن جرحى الحرب هم أولى منه بتلقي العلاج في المستشفيات. يقول:”بإذن الله لن يصيبني مكروه”.الصورة: Robert Shibliبس تحّز المحزوزية، سيوجد السلاح وسأحمله وأذود عن أوكرانياحرص روبير شبلي على الظهور بالبزة العسكرية في لقائي معه عبر تطبيق زووم مساء أمس الأثنين مباشرة من كييف. وقصد أن يوصل الرسالة بأنه في جهوزية تامة لحمل السلاح وردع الجيش الروسي إذا ما دخل إلى كييف. وعما إذا كان هذا الطبيب البيطري مدربا على حمل السلاح؟ يجيب روبير شبلي: كل لبناني مدرب وعنده الخبرة الوافية في زمن الحروب. عشت ويلات حرب لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، ومستعد لحمل السلاح في كل وقت.
لا بل أكثر من ذلك، يتحدى محدثي أن ينجح رجل الكرملين في الدخول إلى كييف.
لن أتحرك من هنا ولن أغادر بيتي، إلى الآن ليس هناك ما يستدعي فرارنا. سيستحيل على الجيش الروسي دخول كييف. ولدي قناعة راسخة بأننا سنربح. ليجرؤ بوتين على الدخول إلى كييف إذا استطاع. من المستحيل محو دولة اسمها أوكرانيا.نقلا عن روبير شبلي في اتصال هاتفي معه مساء اليوم الثلاثاء بتوقيت كييف.
ألكسندرا وروبير شبلي احتفلا بيوم المرأة العالمي قبل أيام في منزلهما لأن كل المطاعم مقفلة في كييف. عندهما ولدان في العشرين من العمر يعيشان في كييف ولا قرار حتى هذه اللحظة بإخراجهما إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث تعيش عائلة روبير شبلي.الصورة: Robert Shibliوفي سؤالي له عما يدفع من ترك بلده الأم لبنان في مطلع التسعينيات من القرن الماضي عندما كان في ريعان شبابه، ليغامر بحياته اليوم ويحمل البارودة للدفاع عن أوكرانيا وهو في المقلب الثاني من العمر، يجيبني روبير شبلي:أعطتنا أوكرانيا كل شيء، الثقافة والعمل والأمان ورعاية أطفالنا. ولعّل ما نقدمه في سبيلها أعتبره رداً للجميل والفضل الكبير الذي أكرمت به على أبناء الجالية اللبنانية الذين لجأوا إليها هربا من حرب التحرير في نهاية العام 1989 من القرن الماضي.
يقّدر محدثي أنه لا زال يوجد أكثر من مليوني نسمة من سكان كييف من أصل ثلاثة ملايين في الوقت الذي تقول فيه هيئة الإذاعة الكندية أن نصف سكان كييف قد فرّوا منها منذ بدء الغزو الروسي. ويؤكد روبير شبلي أن السكان جميعهم مستعدون لحمل السلاح بعدما سمح لهم الرئيس فولوديمير زيلنسكي باستخدام أسلحتهم الفردية ساعة تستدعي الضرورة. كذلك، حسب محدثي، فإن السلطات قامت بتوزيع الأسلحة على السكان.
تسلّح الجميع وسيشكّل سكان كييف جبهة مقاومة واحدة في وجه المعتدي الروسي.نقلا عن الطبيب البطري روبير شبلي
يمارس محدثي حياته اليومية بشكل عادي، يذهب إلى عمله بدوام جزئي. وتشهد عيادته للطب البيطري ومحاله لبيع مستلزمات الحيوانات الأليفة حركة عادية من النشاط وتوافد الزبائن. كل المواد من دون استثناء متوفرة في كييف حتى الدواء والبنزين، بحسب روبير شبلي.
لم نحتج إلى أن نحتمي في الملجأ، وقد يكون دب الذعر في أول يومين من الغزو فقط حيث تدفقت الناس إلى المحال التجارية خوفا من نفاذ السلع والمواد الغذائية. بعد ذلك تعوّد الناس وعادوا إلى ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.نقلا عن روبير شبلي في العاصمة الأوركانية كييف
Début du widget Youtube. Passer le widget ?Fin du widget Youtube. Retourner au début du widget ?يؤكد محدثي أن باستطاعته أن يغادر كييف في أي وقت إذا رغب بذلك، فالطريق إلى بولندا مثلا، القريبة من كييف، سالكة وآمنة وأهل المدينة يعرفونها عن ظهر قلب.
قصة الود ليست بين روبير شبلي وكييف فحسب بل إنما أيضا بينه وبين الجاليات العربية عموما واللبنانية خصوصا وهم أغدقوا عليه لقب المختار، لخدماته المجانية لهم.
يقول مصطفى كوسا المتزوج من أوكرانية إن روبير شبلي هو دليلنا في كييف، وفي كل شاردة وواردة نسأله ونجد عنده الجواب الشافي.
لديه الخبرة والاطلاع وبعد النظر ويعتبر أن من واجبه توفير الدعم للواصلين الجدد.
الشاب اللبناني مصطفى كوسا في وسط العاصمة كييف ونشاهد خلفه الجزء السفلي من قبة كنيسة أرثوذكسية ومقّر وزارة الخارجية.الصورة: Moustafa Kussa
بكل محبة وطيب خاطر ساعدني روبير شبلي بعد زواجي وانتقالي للعيش في أوكرانيا في العام 2018.نقلا عن الشاب اللبناني مصطفى كوسا
ويوضح كل من مصطفى وروبير أن معظم أبناء الجالية اللبنانية قد غادروا كييف، وأظهرت هذه الجالية التكاتف والتعاضد فيما بينها لخروج آمن.
يشير روبير شبلي إلى أنه بقي في كييف نحو ثلاث عائلات أوكرانية من أصل لبناني فقط وأفرادها يشاركونه الرأي في كل ما يتعلق بحماية أمن كييف والذود عنها.
ولكن إذا كان روبير شبلي مطمئناً ويحافظ على رباطة جأشه وسط كل التطورات في أوكرانيا، فإن مصطفى قلق بشأن مصير زوجته فيرونيكا وعائلتها في كييف. علما أن هذا الشاب كان قد خرج من كييف عشية الجائحة إلى المملكة العربية السعودية ليؤسس عملا ويرسل في طلب زوجته.
تعّرق مصطفى على فيرونيكا عندما كانت تغّني في مطعم روسي في دبي في العام 2015 وتزوجا عند المأذون هناك وفي المحكمة المدنية فيما بعد في كييف، وعاشا معا في العاصمة الأوكرانية نحو عامين ونصف ليغادر بعدها الزوج إلى المملكة العربية السعودية.الصورة: Moustafa Kussaكل ما أريده اليوم هو خروج زوجتي من كييف
أنا عالق اليوم في السعودية وزوجتي في كييف، نتهاتف عدة مرات في اليوم الواحد وأحاول قدر استطاعتي التخفيف عنها، فهي تعيش خوفا ورعبا مما يمكن أن يحدث في كل لحظة. وتتهيأ لها أمور كثيرة ليست حقيقية مائة بالمائة ولكن الذعر الذي تعيشه يجعلها تصدق كل ما يروى.أحاول دوما تهدئة روعها وهي تتهمني ببرودة أعصابي وعدم إدراك الخطر المحدق بها. أما أنا، فأجد نفسي مكتوف اليدين من دون حيلة.نقلا عن مصطفى كوسا
إن زوجته حتى هذه اللحظة ليست مقتنعة بمغادرة كييف، لأن أصدقاء لها نادمون اليوم لخروجهم من كييف بعد ما عانوه في رحلة الفرار من العاصمة. وحتى عند وصولهم إلى البلد الآمن، لم تكن الظروف أفضل نتيجة لتدفق اللاجئين وازدياد الاحتياجات في الوقت الذي لم تكن فيه تلك الدول جاهزة لاستيعاب كل هذه الأعداد من اللاجئين.
إحدى صديقات زوجته نادمة لأنها غادرت كييف، وبرأيها أن العاصمة الأوكرانية هي أكثر منطقة آمنة حاليا على الرغم من كل شيء.
يقول مصطفى كوسا إن البوادر بحدوث حرب ظهرت قبل أكثر من شهرين عندما تلّقت حماته الممرضة إخطارا من السلطات تشير إلى احتمال أن تحصل التعبئة لكل الطاقات والموارد البشرية ويتم استدعاؤها.
دمج الزوجان مصطفى وفيرونيكا يد كل واحد منهما في يد واحدة، هو صوّر يده أمام أبراج مدينة الرياض في السعودية حيث يعيش حاليا وهي صورت يدها أما أشهر معلم سياحي في كييف، في دلالة على أن الحب يجمعهما معاً على الرغم من المسافات التي تفصل بينهما. الصورة: Moustafa Kussaما لي غير طاقية الإخفاء، تحملني إلى أوكرانيا فآخذ زوجتي وأخرج بهاينقل مصطفى كوسا أن حماته وزوجته ناشطتان في الدفاع عن حقوق الحيوان وقد حولتا البيت إلى مأوى للحيوانات الضالة.
لدي مشكلة كبيرة مع الحيوانات، إذ يعيش معنا في المنزل 18 هراً وستة كلاب، أنا أحن عليها بكل تأكيد ولدي تمام المعرفة بأنها أرواح أيضا، ولكن أن تَحول هذه الحيوانات دون مغادرة زوجتي لكييف فهذا ما لا أتحمله.نقلا عن مصطفى كوسا
أضيفي إلى ذلك، أردف محدثي،أن كل صديقات زوجتي اللواتي غادرن كييف، أودعن عندها حيواناتهم الأليفة أيضا. فكيف يمكنها أن تتركهم لمصير مجهول وتخرج من دونهم؟
إن كل خطة لخروج زوجته وحماته من كييف يجب أن تأخذ في الاعتبار خروج كل تلك الحيوانات معهما وإلا فإن فيرونيكا وأمها لن تخرجا من كييف.
يضيق صدر مصطفى كوسا كلما حدثته زوجته عن معاناتها وضيقها بسبب الحرب ويشعر بالخيبة والقهر لأن لا حيل ولا قوة له.
قبل لحظات من إعداد هذا التقرير اتصلت بمصطفى ليطلعني على حال زوجته بعد القصف الكثيف على بعد بضعة كيلومترات من كييف اليوم، فكان كلامه مؤثراً جدا يترجم بكل صدق الوضع الصعب الذي يعيشه حاليا الشعب الأوكراني.
أحب مصطفى الشعب الأوكراني ووجده طيبا،”رحّب بي أهل كييف ولم أشعر يوما أن انتمائي إلى الدين الإسلامي شكل أي عائق بيني وبينهم، على العكس وجدت لديهم اللطف والدفء وبنيتي أن أعيش في تلك البلاد عندما أتقاعد”، قال ابن الـ 30 عاما مصطفى كوسا.الصورة: Moustafa Kussa
قالت لي فيرونيكا: أنا خائفة من كل شيء، كل ما حولي يقلقني ويخيفني.إنني عندما أكون أشاهد الأخبار، تعطيني ساعتي الذكية أنني أبذل مجهودا رياضيا بسرعة دقات القلب وارتفاع الضغط.عندما يقفز هرٌّ ويحدث صوتا أظنه دوي انفجار فأصرخ فزعا وأهرول من مكاني.عندما أنام في الليل أفكر فيما لو سأبقى حية في الصباح.نقلا عن المواطنة الأوكرانية فيرونيكا كوسا
تعيش زوجتي ضغوطا لم تعتد عليها، يقول المواطن اللبناني مصطفى كوسا، وتجهل تماما ماذا يمكن أن يحمل لها الغد.هي على غرار عدد كبير من الشعب الأوكراني اليوم، تجد أن الحرب قد طالت ولم يعد يهمها نتائج هذه الحرب بحد ذاتها بقدر ما يهمها أن تنتهي، نقطة على السطر.إن الشعب الأوكراني مسالم لم يعرف الحروب في حياته ولا هو يعلم الكثير عن استراتيجياتها، بعكس الشعب اللبناني الذي كوّن مناعة ضد الحروب.
صعب ما أعيشه وأشعر به، أنا جد مقهور، لا أدري ماذا يمكنني فعله، ما لي غير طاقية الإخفاء تحملني إلى كييف وأعود بزوجتي ووالدتها، لا حلّ آخر.نقلا عن مصطفى كوسا
(أعدت هذا التقرير كوليت ضرغام منصف)